تحطيم القيود
صفحة 1 من اصل 1
تحطيم القيود
تحطيم القيود
[الكاتب: عبد الله عزام]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين،
وبعد...
فاننا عندما رفعنا راية الجهاد في سبيل الله فانما نبتغي ارضاء الله، ونرمي إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن اعلاء كلمة الله - التي شُرع من أجلها الجهاد - رفع الظلم عن الناس.
فنحن اذ تحركنا في ميادين القتال في ساحة النزال الأفغانية؛ فانما نهدف إلى اماطة الظلم عن أنفسنا، ومسح الظلم عن اخواننا المسلمين الأفغان، إعذارا إلى الله و {عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا}.
ازالة الظلم:
إن أهم أغراض الجهاد في سبيل الله؛ هو رفع الظلم عن الناس، بل ما تنزلت الشرائع كلها إلا لإقامة القسط في الأرض ورفع الظلم عنهم، فقد قال جل شأنه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: 25].
والميزان هو العدل - كما قال مجاهد وقتادة والسدي [1].
يقول قتادة: (اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فان العدل صلاح الناس).
وعندما أرسل رسول الله صلى اله عليه وسلم عبد الله بن رواحة لجمع خراج خيبر، أهداه اليهود كمية من التمر الفاخر، لعله يخفف عنهم، فقال عبد الله رضي الله عنه: (لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي صلى الله عليه وسلم، وأنتم أبغض خلق الله إلي، ولكن والله ما حبي له وبغضي لكم ليجعلني أن ابخسكم حقكم)، فقال اليهود: (بمثل هذا قامت السموات والارض).
ولذا فليس عجيبا أن ينزل رب العزة عشر آيات من السماء لتبرئة يهودي من سرقة أُتهم بها، واثباتها عند رجل يصلي ويصوم من المدينة - وهو طعمة بن ابيرق أو بشير بن ابيرق - والآيات التي خلدت هذه الحادثة في سورة النساء: {إنا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء: 105].
وهذه القصة لا تعرف لها البشرية نظيرا ولم تعرف لها الأرض مثيلا، وتشهد وحدها بأن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، لا يمكن للبشر أن يكون لهم يد فيه، لأن البشر - مهما ارتفعت تصوراتهم ومهما صفت أرواحهم ومهما استقامت طبائعهم - لا يمكن أن يرتفعوا بانفسهم إلى هذا المستوى الفذ الذي يرسم على الأفق خطاً لا يمكن أن ترتقي إليه البشرية، ولا يمكن أن تصعد إليه الإنسانية إلا في ظل هذا الدين وإلا على هدي من هذا المنهج.
وخلاصة القصة في سبب نزول هذه الآيات؛ ان نفرا من الأنصار - قتادة بن النعمان وعمه رفاعه - غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت الدرع لاحدهم - رفاعة - فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم: "بنو ابيرق"، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله على وسلم، فقال: (ان طعمة بن أبيرق سرق درعي)، وفي رواية: انه بشير بن ابيرق، فلما رأى السارق ذلك؛ عمد إلى الدرع فالقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين، وقال لنفر من عشيرته: (اني غيبت الدرع والقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: (يا نبي الله ان صاحبنا يرى ان الذي سرق الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فانه ان لم يعصمه الله بك يهلك)، ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدرع وجدت في بيت اليهودي، قام فبرأ ابن ابيرق وعذره على رؤوس الناس، وكان أهله قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم - قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي - : (إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت).
قال قتادة: (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته)، فقال صلى الله عليه وسلم: (عمدت إلى أهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح، وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة)، قال: (فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم اكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا أبن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزلت: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق…}) [2].
لقد نزلت هذه الايات في أحرج أوقات الجماعة المسلمة وأدقها، حيث لم يدع اليهود سهما مسموما إلا صوبوه تجاه هذا الدين، ولم يدعوا خنجرا الا حاولوا ان يطعنوا به القيادة الربانية التي تمثل هذا المنهج واقعا وسلوكا واخلاقا.
نزلت الآيات وقد نصب اليهود معاليهم - مصائدهم - وأقاموا شباكهم وفرقوا سهامهم تجاه الجماعة المسلمة، يبغونها الفتنة، يودون تمزيقها ويريدون تشتيتها.
وقد كان اليهود العقل المفكر والرأس المدبر والأيادي الخبيثة التي تدير المنافقين من وراء ستار، حيث يكون الذين في قلوبهم مرض المخالب الخبيثة والقفازات النجسة التي يضرب بها اليهود.
وفي هذا الوقت؛ تتنزل هذه الايات لتنصف يهوديا اتهم ظلما بسرقة، وتدين بها بيتا من بيوت الأنصار، الذين كانوا عيبة - محل نصح - رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قدموا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، من أجل نصرة هذا الدين وحماية نبتته، نزلت لتثبت سرقة في بيت أنصاري؛ فتعطي بهذا سيفا جديدا مسلولا يستعمله اليهود للتشهير بأنصار هذا الدين.
لقد كانت المصلحة في موازين البشر؛ تقتضي أن لا تثار هذه القضية، وأن لا تنبش هذه المسألة، سيما في هذا الوقت ومع هؤلاء الأقوام، وقد كانت الكياسة والسياسة تقتضي؛ أن لا يفضح رجل من الجماعة المسلمة، ومن أجل من؟ لأجل يهودي يواصل كيد الليل بالنهار للاساءة لهذا الدين وأهله.
لقد كانت اللباقة في عرف الناس؛ توجب أن لا يفضح رجل من أبناء الجماعة المسلمة وعلى ملأ من أهل المدينة، لا بل على مر العصور وكر الدهور؛ ينزل به قرآن يتلى آناء الليل واطراف النهار، ان ظروف الجماعة المسلمة ومصلحتها في تلك الحقبة العصيبة تستلزم في النظرة البشرية القصيرة؛ أن يضرب صفحا عن مثل هذا الحادث وان لا يجعله حديث السامر وحداء المسافر.
ولكن المسألة لم تكن مجرد تبرئة بريء اتهم وان كانت تبرئة المتهم وانصاف المظلوم شيئاً ثقيلا في ميزان الرحمن، ولكن القضية أكبر من هذا بكثير.
ان القضية هي اقرار منهج رباني قائم على العدل تطبقه الجماعة المسلمة على نفسها، قبل أن تطبقه على غيرها، وتنتصف المجموعة المؤمنة للحق من مالها ودمها قبل أن ينتصف الحق من غيرها.
لا بد من اقرار منهج لا يتأرجح مع الهوى، ولا يتزعزع مع الشهوات، ولا يتأثر بالمصالح القريبة والانساب والعصبيات.
يقول الأستاذ سيد قطب في "الظلال": (وينظر الإنسان من هذه القمة السامقة على السفوح الهابطة في جميع الامم على مدار الأزمان فيراها هنالك، هنالك في السفوح، ويرى بين تلك القمة السامقة والسفوح الهابطة؛ صخورا متردية، هنالك من الدهاء والمراء والسياسة والكياسة والبراعة والمهارة ومصلحة الدول والوطن ومصلحة الجماعة، إلى آخر الاسماء والعنوانات، فإذا دقق الإنسان فيها النظر؛ رأي تحتها الدود! وينظر الإنسان مرة اخرى فيرى الأمة المسلمة - وحدها - صاعدة من السطح إلى القمة، تتناثر على مدار التاريخ، وهي تتطلع إلى القمة التي وجهها اليها المنهج الفريد، أما العفن الذي يسمونه "العدالة" في أمم الجاهلية الغابرة والحاضرة؛ فلا يستحق أن نرفع عنه الغطاء في مثل هذا الجو النظيف الكريم) [3].
ان رفع الظلم عن الناس هي مهمة الأنبياء التي من أجلها تنزل الروح الأمين من السماء، وله نزلت الشرائع وأوحى الله بالكتب، واستمراء الظلم وقبول الهوان والاستنامة تحت نير العبودية؛ قرين الكفر، وقديما قال الشافعي:
أنا ان عشت فلست اعدم قوتا ولئن مت فلست اعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا
وان المستضعفين في الأرض الذين يعيشون تحت اقدام الجبابرة؛ ليستحقون الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} [النساء: 97 - 99].
فالذين لا يهاجرون من تحت نير الظالمين ويرضون العيش بين قطعان السوائم؛ جزاؤهم جهنم يصلونها، كلما خبت زادها رب العزة سعيرا.
فإذا علمت سبب نزول هذه الآية فانك ستقف أمامها مشدوها حائرا.
فقد روى البخاري باسناده عن عكرمة؛ أخبرني ابن عباس: (أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى: {ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...} [النساء: 97]).
هذا شأن المؤمنين في مكة القابضين على دينهم كالقابض على الجمر، فما بالك بالذين يعيشون في بلادهم، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، لا يشغله إلا لقمة الطعام وقطعة الكساء والعلاوة والوظيفة والدرجة والراتب وموديل السيارة ودهان العمارة؟!
والذين لا يتحركون لرفع الظلم وانصاف المظلومين؛ هؤلاء تجأر إلى الله عليهم دعوات المستضعفين: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} [النساء: 75].
فهم الظالمون لأنفسهم لا يتحرقون ولا يتحركون لازالة الظلم عن المظلومين.
ولذا كانت أول آية نزلت لا باحة القتال تشير إلى العلة الحقيقية والسبب الرئيسي له، وهو أزالة الظلم؛ {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز} [الحج: 40 - 39].
فهؤلاء ظلموا؛ بأن طردوا من ديارهم اجحافا وافتئاتا - تعديا - على حقهم، وكان السبب الحقيقي لطردهم هو التوحيد الذي حملوه في أعماقهم وضحوا من أجله وما أساؤوا إلى قومهم، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله، وهذا عند المشركين أكبر الذنوب، فالتوحيد في نظر أعداء الله جريمة يستحق صاحبها الطرد من مسقط رأسة ومرتع شبابه.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: اخرجوا نبيهم! انا لله وانا إليه راجعون، ليهلكن!)، قال ابن عباس: (فأنزل الله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير})، قال أبو بكر رضي الله عنه: (فعرفت انه سيكون قتال) [4].
{وإن الله على نصرهم لقدير}، أي قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه سبحانه يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته.
ونحن نقول:
1) ان فريضة الجهاد من أهم الفرائض التي افترضها الله علينا من فوق السبع الطباق، وأوجب علينا أداءها، كالصلاة والصوم والزكاة - سواء بسواء -
2) ان مزاولة الفرائض الإسلامية واداءها أمر الهي وتكليف رباني لكل انسان، إنه حق طبيعي وأمر منطقي، لا يجادل فيه إلا مماحك أو مماحل.
3) لقد ظلمنا في كثير من البلدان الإسلامية وحرمنا من أدنى الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات، فالدجاجة ان اقتربت من أفراخها الناشئة تهجم عليك، والكلب يعضك ان وطئت ذنبه أو اقتربت من البيت الذي يحرسه، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تمنع اطراف الشاة أن تتحرك وهي تلفظ أنفاسها وتجود ببقية دمائها.
ونحن حُرِمنا أن نمسك اليد التي تشهر علينا الحراب لذبحنا، ومُنعنا أن نرفع اصواتنا ونحن نلفظ أرواحنا، وقد وصل اللص إلى داخل حجرة النوم فكُبتنا وحُرمنا من ازعاجه وهو ينتهك أعراضنا ويسلب أموالنا ويسفك دماءنا.
4) وبعد أن سلمنا أوطاننا لأعدائنا وحرمونا أن ندافع عن مقدساتنا وأن نحمي اعراضنا، وسقط المسجد الأقصى دون أن يسقط حوله - ويا للعار والشنار - عشرة من المسلمين دفاعا عنه!
بعد هذا كله؛ حاولنا أن نجمع من بقي في قلوبهم غيرة أو ممن يحمل في نفسه بقية من رجولة أو شهامة، نحاول ازعاج اليهود الذين دخلوا المسجد الأقصى آمنين مطمئنين، فأبوا علينا، وتكالبوا بقواتهم يحولون بيننا وبين اعدائنا بخيلهم ورجلهم.
وهذا ظلم ليس بعده ظلم، وتعسف ليس دونه تعسف، وتجبر لا نعلم دونه خسف.
5) وبعد أن أبوا علينا الجهاد وحرموا علينا فريضة الاعداد، وأصبح السلاح في العالم العربي جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والاقدام، ومن القى القبض عليه متلبسا بجريمة حمل السلاح؛ شُكلت له المحاكم العسكرية وصُفد بالاغلال والقيود، وُوضع رهن التحقيق في غياهب الزنازين، لا يرى شمسا ولا يراه النور، ولا يعلم عنه والد ولا ولد ولا صديق وفي ولا خل صفي.
وعندما أبينا أن نموت مستضعفين في الأرض تحت أقدام الطغاة ونفضنا الذل عن عواتقنا، وخجلنا أن نرفع الشعارات البراقة والآمال العريضة ونحن في ذل العبيد؛ قررنا أن نهجر الأرض التي يحرم فيها الجهاد ويعتبر جريمة موبقة رعناء.
وكما قال أبو الطيب:
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة فلا تستعدن الحسام اليمانيا
ولا تستطيلن الرماح لغارة ولا تستجيدن العتاق المذاكيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى ولا تتقى حتى تكون ضواريا
وإذا كان رب العزة؛ سمى النسيء زيادة في الكفر - والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر أخر - فماذا نسمي الذين يسمون الجهاد؛ "جريمة قانونية"، ويعلن عن عقوبات مرتكبيها في أجهزة الاعلام دون خشية ولا خجل ولا حياء ولا وجل؟!
اليس الحكم الشرعي لهؤلاء أشد بكثير واعظم جرما من أولئك الذين كانوا يراعون قداسة الأشهر الحرم ويرعون عدتها، فلا يحلون في العدد، ولكن العرب - ولشدة حماسهم للحرب وعدم صبرهم عن القتال والنزال - كانوا يؤخرون حرمة محرم إلى صفر.
إذ كان يقف كل عام في موسم الحج رجل من كنانة يقال له "القلمس" أو آخر اسمه "أبو ثمامة" - جنادة بن عوض بن أمية - فيقول: (ألا ان ابا ثمامة لا يجاب ولا يعاب)، ثم يقول: (اني أخرت حرمة محرم إلى صفر) [5].
ان تحريم الجهاد؛ كفر يخرج من الملة، وان محاربة أولياء الله ومطاردتهم في بلادهم واحصاء انفاسهم وعد نبضاتهم وتكميم أفواهم؛ عمل عظيم عند الله يؤدي إلى خراب البلاد وهلاك العباد.
ألم تر إلى قول أبي بكر رضي الله عنه: (اخرجوا نبيهم - انا لله وانا إليه راجعون - ليهلكن).
وهذا شأن الذين يخرجون أولياء الله والدعاة في سبيله: (ومن عادى لي وليا فقد آذنته أو بارزته بالحرب) [البخاري] [6].
فماذا تحكم الشريعة الإسلامية على الذين يحرمون الجهاد؟ ويسمون الزنا؛ فنا! والربا؛ فائدة! والإسلام؛ رجعية، والتمسك بدين الله؛ تطرفا وانحرافا؟!
اللهم ثبت، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم لو لا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزلن سكينة علينا وثبت الاقدام إن لا قينا
إن الألى قد بغوا علينا إذا ارادوا فتنة أبينا
اللهم انك تعلم؛ ان الألى قد بغوا علينا، ونحن نأبى ان نعطي الدنية في ديننا، ولن نرضى الفتنة والكفر الذي يحاولون فرضه علينا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب اليك.
مجلة الجهاد، العدد؛ الثالث والثلاثون
ذو الحجة/1407 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تفسير القرطبي: ج17/ص154، سورة الرحمن، عند قوله تعالى: {ووضع الميزان}.
[2] تفسير القرطبي: ج5/ص375.
[3] تفسير الظلال: ج2/ص753.
[4] تفسير ابن كثير: ج3/ص225.
[5] تفسير ابن كثير: ج2/ص356.
[6] فتح الباري: ج11، كتاب التواضع، برقم: 6502، وهو مروي عن أبي هريرة.
صندوق الأدوات
حفظ المادة
طباعة
إلى صديق
إلى المفضلة
تنبيه عن خطأ
محرك البحث
بحث في الصفحة
بحث متقدم »
شارك معنا
شارك معنا في نشر إصدارات المجاهدين. . . رسالة إلى كل من يملك كتاباً أو مجلة أو شريطاً . . . تتمة
--------------------------------------------------------------------------------
[الكاتب: عبد الله عزام]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين،
وبعد...
فاننا عندما رفعنا راية الجهاد في سبيل الله فانما نبتغي ارضاء الله، ونرمي إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن اعلاء كلمة الله - التي شُرع من أجلها الجهاد - رفع الظلم عن الناس.
فنحن اذ تحركنا في ميادين القتال في ساحة النزال الأفغانية؛ فانما نهدف إلى اماطة الظلم عن أنفسنا، ومسح الظلم عن اخواننا المسلمين الأفغان، إعذارا إلى الله و {عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا}.
ازالة الظلم:
إن أهم أغراض الجهاد في سبيل الله؛ هو رفع الظلم عن الناس، بل ما تنزلت الشرائع كلها إلا لإقامة القسط في الأرض ورفع الظلم عنهم، فقد قال جل شأنه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: 25].
والميزان هو العدل - كما قال مجاهد وقتادة والسدي [1].
يقول قتادة: (اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فان العدل صلاح الناس).
وعندما أرسل رسول الله صلى اله عليه وسلم عبد الله بن رواحة لجمع خراج خيبر، أهداه اليهود كمية من التمر الفاخر، لعله يخفف عنهم، فقال عبد الله رضي الله عنه: (لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي صلى الله عليه وسلم، وأنتم أبغض خلق الله إلي، ولكن والله ما حبي له وبغضي لكم ليجعلني أن ابخسكم حقكم)، فقال اليهود: (بمثل هذا قامت السموات والارض).
ولذا فليس عجيبا أن ينزل رب العزة عشر آيات من السماء لتبرئة يهودي من سرقة أُتهم بها، واثباتها عند رجل يصلي ويصوم من المدينة - وهو طعمة بن ابيرق أو بشير بن ابيرق - والآيات التي خلدت هذه الحادثة في سورة النساء: {إنا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء: 105].
وهذه القصة لا تعرف لها البشرية نظيرا ولم تعرف لها الأرض مثيلا، وتشهد وحدها بأن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، لا يمكن للبشر أن يكون لهم يد فيه، لأن البشر - مهما ارتفعت تصوراتهم ومهما صفت أرواحهم ومهما استقامت طبائعهم - لا يمكن أن يرتفعوا بانفسهم إلى هذا المستوى الفذ الذي يرسم على الأفق خطاً لا يمكن أن ترتقي إليه البشرية، ولا يمكن أن تصعد إليه الإنسانية إلا في ظل هذا الدين وإلا على هدي من هذا المنهج.
وخلاصة القصة في سبب نزول هذه الآيات؛ ان نفرا من الأنصار - قتادة بن النعمان وعمه رفاعه - غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت الدرع لاحدهم - رفاعة - فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم: "بنو ابيرق"، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله على وسلم، فقال: (ان طعمة بن أبيرق سرق درعي)، وفي رواية: انه بشير بن ابيرق، فلما رأى السارق ذلك؛ عمد إلى الدرع فالقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين، وقال لنفر من عشيرته: (اني غيبت الدرع والقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: (يا نبي الله ان صاحبنا يرى ان الذي سرق الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فانه ان لم يعصمه الله بك يهلك)، ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدرع وجدت في بيت اليهودي، قام فبرأ ابن ابيرق وعذره على رؤوس الناس، وكان أهله قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم - قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي - : (إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت).
قال قتادة: (فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته)، فقال صلى الله عليه وسلم: (عمدت إلى أهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح، وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة)، قال: (فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم اكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا أبن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزلت: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق…}) [2].
لقد نزلت هذه الايات في أحرج أوقات الجماعة المسلمة وأدقها، حيث لم يدع اليهود سهما مسموما إلا صوبوه تجاه هذا الدين، ولم يدعوا خنجرا الا حاولوا ان يطعنوا به القيادة الربانية التي تمثل هذا المنهج واقعا وسلوكا واخلاقا.
نزلت الآيات وقد نصب اليهود معاليهم - مصائدهم - وأقاموا شباكهم وفرقوا سهامهم تجاه الجماعة المسلمة، يبغونها الفتنة، يودون تمزيقها ويريدون تشتيتها.
وقد كان اليهود العقل المفكر والرأس المدبر والأيادي الخبيثة التي تدير المنافقين من وراء ستار، حيث يكون الذين في قلوبهم مرض المخالب الخبيثة والقفازات النجسة التي يضرب بها اليهود.
وفي هذا الوقت؛ تتنزل هذه الايات لتنصف يهوديا اتهم ظلما بسرقة، وتدين بها بيتا من بيوت الأنصار، الذين كانوا عيبة - محل نصح - رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قدموا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، من أجل نصرة هذا الدين وحماية نبتته، نزلت لتثبت سرقة في بيت أنصاري؛ فتعطي بهذا سيفا جديدا مسلولا يستعمله اليهود للتشهير بأنصار هذا الدين.
لقد كانت المصلحة في موازين البشر؛ تقتضي أن لا تثار هذه القضية، وأن لا تنبش هذه المسألة، سيما في هذا الوقت ومع هؤلاء الأقوام، وقد كانت الكياسة والسياسة تقتضي؛ أن لا يفضح رجل من الجماعة المسلمة، ومن أجل من؟ لأجل يهودي يواصل كيد الليل بالنهار للاساءة لهذا الدين وأهله.
لقد كانت اللباقة في عرف الناس؛ توجب أن لا يفضح رجل من أبناء الجماعة المسلمة وعلى ملأ من أهل المدينة، لا بل على مر العصور وكر الدهور؛ ينزل به قرآن يتلى آناء الليل واطراف النهار، ان ظروف الجماعة المسلمة ومصلحتها في تلك الحقبة العصيبة تستلزم في النظرة البشرية القصيرة؛ أن يضرب صفحا عن مثل هذا الحادث وان لا يجعله حديث السامر وحداء المسافر.
ولكن المسألة لم تكن مجرد تبرئة بريء اتهم وان كانت تبرئة المتهم وانصاف المظلوم شيئاً ثقيلا في ميزان الرحمن، ولكن القضية أكبر من هذا بكثير.
ان القضية هي اقرار منهج رباني قائم على العدل تطبقه الجماعة المسلمة على نفسها، قبل أن تطبقه على غيرها، وتنتصف المجموعة المؤمنة للحق من مالها ودمها قبل أن ينتصف الحق من غيرها.
لا بد من اقرار منهج لا يتأرجح مع الهوى، ولا يتزعزع مع الشهوات، ولا يتأثر بالمصالح القريبة والانساب والعصبيات.
يقول الأستاذ سيد قطب في "الظلال": (وينظر الإنسان من هذه القمة السامقة على السفوح الهابطة في جميع الامم على مدار الأزمان فيراها هنالك، هنالك في السفوح، ويرى بين تلك القمة السامقة والسفوح الهابطة؛ صخورا متردية، هنالك من الدهاء والمراء والسياسة والكياسة والبراعة والمهارة ومصلحة الدول والوطن ومصلحة الجماعة، إلى آخر الاسماء والعنوانات، فإذا دقق الإنسان فيها النظر؛ رأي تحتها الدود! وينظر الإنسان مرة اخرى فيرى الأمة المسلمة - وحدها - صاعدة من السطح إلى القمة، تتناثر على مدار التاريخ، وهي تتطلع إلى القمة التي وجهها اليها المنهج الفريد، أما العفن الذي يسمونه "العدالة" في أمم الجاهلية الغابرة والحاضرة؛ فلا يستحق أن نرفع عنه الغطاء في مثل هذا الجو النظيف الكريم) [3].
ان رفع الظلم عن الناس هي مهمة الأنبياء التي من أجلها تنزل الروح الأمين من السماء، وله نزلت الشرائع وأوحى الله بالكتب، واستمراء الظلم وقبول الهوان والاستنامة تحت نير العبودية؛ قرين الكفر، وقديما قال الشافعي:
أنا ان عشت فلست اعدم قوتا ولئن مت فلست اعدم قبرا
همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا
وان المستضعفين في الأرض الذين يعيشون تحت اقدام الجبابرة؛ ليستحقون الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا * الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} [النساء: 97 - 99].
فالذين لا يهاجرون من تحت نير الظالمين ويرضون العيش بين قطعان السوائم؛ جزاؤهم جهنم يصلونها، كلما خبت زادها رب العزة سعيرا.
فإذا علمت سبب نزول هذه الآية فانك ستقف أمامها مشدوها حائرا.
فقد روى البخاري باسناده عن عكرمة؛ أخبرني ابن عباس: (أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى: {ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم...} [النساء: 97]).
هذا شأن المؤمنين في مكة القابضين على دينهم كالقابض على الجمر، فما بالك بالذين يعيشون في بلادهم، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، لا يشغله إلا لقمة الطعام وقطعة الكساء والعلاوة والوظيفة والدرجة والراتب وموديل السيارة ودهان العمارة؟!
والذين لا يتحركون لرفع الظلم وانصاف المظلومين؛ هؤلاء تجأر إلى الله عليهم دعوات المستضعفين: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} [النساء: 75].
فهم الظالمون لأنفسهم لا يتحرقون ولا يتحركون لازالة الظلم عن المظلومين.
ولذا كانت أول آية نزلت لا باحة القتال تشير إلى العلة الحقيقية والسبب الرئيسي له، وهو أزالة الظلم؛ {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز} [الحج: 40 - 39].
فهؤلاء ظلموا؛ بأن طردوا من ديارهم اجحافا وافتئاتا - تعديا - على حقهم، وكان السبب الحقيقي لطردهم هو التوحيد الذي حملوه في أعماقهم وضحوا من أجله وما أساؤوا إلى قومهم، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله، وهذا عند المشركين أكبر الذنوب، فالتوحيد في نظر أعداء الله جريمة يستحق صاحبها الطرد من مسقط رأسة ومرتع شبابه.
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: اخرجوا نبيهم! انا لله وانا إليه راجعون، ليهلكن!)، قال ابن عباس: (فأنزل الله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير})، قال أبو بكر رضي الله عنه: (فعرفت انه سيكون قتال) [4].
{وإن الله على نصرهم لقدير}، أي قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه سبحانه يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته.
ونحن نقول:
1) ان فريضة الجهاد من أهم الفرائض التي افترضها الله علينا من فوق السبع الطباق، وأوجب علينا أداءها، كالصلاة والصوم والزكاة - سواء بسواء -
2) ان مزاولة الفرائض الإسلامية واداءها أمر الهي وتكليف رباني لكل انسان، إنه حق طبيعي وأمر منطقي، لا يجادل فيه إلا مماحك أو مماحل.
3) لقد ظلمنا في كثير من البلدان الإسلامية وحرمنا من أدنى الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات، فالدجاجة ان اقتربت من أفراخها الناشئة تهجم عليك، والكلب يعضك ان وطئت ذنبه أو اقتربت من البيت الذي يحرسه، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تمنع اطراف الشاة أن تتحرك وهي تلفظ أنفاسها وتجود ببقية دمائها.
ونحن حُرِمنا أن نمسك اليد التي تشهر علينا الحراب لذبحنا، ومُنعنا أن نرفع اصواتنا ونحن نلفظ أرواحنا، وقد وصل اللص إلى داخل حجرة النوم فكُبتنا وحُرمنا من ازعاجه وهو ينتهك أعراضنا ويسلب أموالنا ويسفك دماءنا.
4) وبعد أن سلمنا أوطاننا لأعدائنا وحرمونا أن ندافع عن مقدساتنا وأن نحمي اعراضنا، وسقط المسجد الأقصى دون أن يسقط حوله - ويا للعار والشنار - عشرة من المسلمين دفاعا عنه!
بعد هذا كله؛ حاولنا أن نجمع من بقي في قلوبهم غيرة أو ممن يحمل في نفسه بقية من رجولة أو شهامة، نحاول ازعاج اليهود الذين دخلوا المسجد الأقصى آمنين مطمئنين، فأبوا علينا، وتكالبوا بقواتهم يحولون بيننا وبين اعدائنا بخيلهم ورجلهم.
وهذا ظلم ليس بعده ظلم، وتعسف ليس دونه تعسف، وتجبر لا نعلم دونه خسف.
5) وبعد أن أبوا علينا الجهاد وحرموا علينا فريضة الاعداد، وأصبح السلاح في العالم العربي جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والاقدام، ومن القى القبض عليه متلبسا بجريمة حمل السلاح؛ شُكلت له المحاكم العسكرية وصُفد بالاغلال والقيود، وُوضع رهن التحقيق في غياهب الزنازين، لا يرى شمسا ولا يراه النور، ولا يعلم عنه والد ولا ولد ولا صديق وفي ولا خل صفي.
وعندما أبينا أن نموت مستضعفين في الأرض تحت أقدام الطغاة ونفضنا الذل عن عواتقنا، وخجلنا أن نرفع الشعارات البراقة والآمال العريضة ونحن في ذل العبيد؛ قررنا أن نهجر الأرض التي يحرم فيها الجهاد ويعتبر جريمة موبقة رعناء.
وكما قال أبو الطيب:
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة فلا تستعدن الحسام اليمانيا
ولا تستطيلن الرماح لغارة ولا تستجيدن العتاق المذاكيا
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى ولا تتقى حتى تكون ضواريا
وإذا كان رب العزة؛ سمى النسيء زيادة في الكفر - والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر أخر - فماذا نسمي الذين يسمون الجهاد؛ "جريمة قانونية"، ويعلن عن عقوبات مرتكبيها في أجهزة الاعلام دون خشية ولا خجل ولا حياء ولا وجل؟!
اليس الحكم الشرعي لهؤلاء أشد بكثير واعظم جرما من أولئك الذين كانوا يراعون قداسة الأشهر الحرم ويرعون عدتها، فلا يحلون في العدد، ولكن العرب - ولشدة حماسهم للحرب وعدم صبرهم عن القتال والنزال - كانوا يؤخرون حرمة محرم إلى صفر.
إذ كان يقف كل عام في موسم الحج رجل من كنانة يقال له "القلمس" أو آخر اسمه "أبو ثمامة" - جنادة بن عوض بن أمية - فيقول: (ألا ان ابا ثمامة لا يجاب ولا يعاب)، ثم يقول: (اني أخرت حرمة محرم إلى صفر) [5].
ان تحريم الجهاد؛ كفر يخرج من الملة، وان محاربة أولياء الله ومطاردتهم في بلادهم واحصاء انفاسهم وعد نبضاتهم وتكميم أفواهم؛ عمل عظيم عند الله يؤدي إلى خراب البلاد وهلاك العباد.
ألم تر إلى قول أبي بكر رضي الله عنه: (اخرجوا نبيهم - انا لله وانا إليه راجعون - ليهلكن).
وهذا شأن الذين يخرجون أولياء الله والدعاة في سبيله: (ومن عادى لي وليا فقد آذنته أو بارزته بالحرب) [البخاري] [6].
فماذا تحكم الشريعة الإسلامية على الذين يحرمون الجهاد؟ ويسمون الزنا؛ فنا! والربا؛ فائدة! والإسلام؛ رجعية، والتمسك بدين الله؛ تطرفا وانحرافا؟!
اللهم ثبت، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم لو لا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزلن سكينة علينا وثبت الاقدام إن لا قينا
إن الألى قد بغوا علينا إذا ارادوا فتنة أبينا
اللهم انك تعلم؛ ان الألى قد بغوا علينا، ونحن نأبى ان نعطي الدنية في ديننا، ولن نرضى الفتنة والكفر الذي يحاولون فرضه علينا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب اليك.
مجلة الجهاد، العدد؛ الثالث والثلاثون
ذو الحجة/1407 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
[1] تفسير القرطبي: ج17/ص154، سورة الرحمن، عند قوله تعالى: {ووضع الميزان}.
[2] تفسير القرطبي: ج5/ص375.
[3] تفسير الظلال: ج2/ص753.
[4] تفسير ابن كثير: ج3/ص225.
[5] تفسير ابن كثير: ج2/ص356.
[6] فتح الباري: ج11، كتاب التواضع، برقم: 6502، وهو مروي عن أبي هريرة.
صندوق الأدوات
حفظ المادة
طباعة
إلى صديق
إلى المفضلة
تنبيه عن خطأ
محرك البحث
بحث في الصفحة
بحث متقدم »
شارك معنا
شارك معنا في نشر إصدارات المجاهدين. . . رسالة إلى كل من يملك كتاباً أو مجلة أو شريطاً . . . تتمة
--------------------------------------------------------------------------------
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى