بيان عما حصل من لبس في شروط الإفتاء
صفحة 1 من اصل 1
بيان عما حصل من لبس في شروط الإفتاء
بيان عما حصل من لبس في شروط الإفتاء
[الكاتب: حمود بن عقلاء الشعيبي]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى عندما بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين القويم، بين فيه ما يحتاج إليه الخلق مما فيه صلاحهم في دنياهم وأخراهم بيانا واضحا لا لبس فيه ولا خفاء، ولم يَكِل فهم شرعه إلى آراء البشر وأهواءهم، بل تولى تفاصيل شرعه بنفسه، وأكمل دينه لعباده، بحيث لا يقبل زيادة ولا نقصانا، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
وقال عليه الصلاة والسلام: (تركتم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
وقال أبو ذر رضي الله عنه: (ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وذكر لنا منه علما).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
فحفظ عنه صحابته رضي الله عنهم تعاليم هذا الدين، وبلغوه إلى من بعدهم من العلماء الربانيين وأئمة السلف المخلصين.
وإن من الأمور المهمة التي جاء بها هذا الشرع الشريف؛ مسألة المفتي والمستفتي، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
وإن الفتيا مقامها عظيم لذا عني أئمة السلف وعلمائهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا، حيث وضعوا لها القواعد وبينوا الشروط التي يلزم تحققها في المفتي والمستفتي.
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه "آداب الفتوى": (قال العلماء: فإن المفتي موقع عن الله)، وقاله بن القيم رحمه الله في كتابه "أعلام الموقعين".
والمفتي هو المبلغ عن الله تعالى والواسطة بين الله وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه، ومقامه عظيم، خصوصا فيما يتعلق بالصدع بالحق وبيان الحلال والحرام في المسائل التي تحتاجها الأمة ويكثر فيها الالتباس والخفاء أو تكثر فيها الأهواء والباطل.
وسأذكر نماذج لبعض الكتب التي عني أصحابها في بحث هذه المسألة.
من ذلك؛ ما ذكره الجويني - مثلا - في كتابيه "البرهان في أصول الفقه" وكتابه "الورقات في أصول الفقه"، وما ذكره الإمام المظفر السمعاني في كتابه "قواطع الأدلة في الأصول"، وابن القيم في "أعلام الموقعين"، و "المسودة في أصول الفقه"، والشوكاني في "إرشاد الفحول"، وكتاب "القواعد الفقهية في أصول الفقه" للحنفية، وكتاب "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي، وابن حزم في كتابيه في "أصول الفقه الإحكام في أصول الأحكام" و "النبذة الكافية" و "التمهيد" لأبي الخطابي الحنبلي، و "اللمع في أصول الفقه" للشيرازي، و "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي، و "روضة الناظر" لابن قدامة.
وكل هؤلاء العلماء وغيرهم، حينما يذكرون صفات المفتي في باب الاجتهاد، يشترطون في المفتي الشروط الآتية: 1) الإسلام، 2) التكليف، 3) العدالة، 4) الأمانة، 5) العلم بالكتاب والسنة، 6) الفقه، 7) معرفة الناس.
وكذلك الكتب المتخصصة في مجال الفتوى - أمثال: 1) كتاب آداب الفتوى والمفتي، للنووي، 2) وكتاب صفة الفتوى والمفتي، لابن حمدان الحنبلي، 3) وكتاب أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح - كلها مشتملة على الشروط التي ذكرت في الكتب السابقة.
ولم يذكر واحد من هؤلاء العلماء؛ اشتراط إذن ولي الأمر للمفتي أو اشتراط الجماعية في الفتوى.
وفي الجملة فإن هذه المسألة – اعني مسألة المفتي والمستفتي – قد فصلت تفصيلا لا يحتاج إلى زيادة، ووضعت لها القواعد والضوابط من قبل الأصوليين والفقهاء، وأي كتاب من كتب الفقه أو أصول الفقه؛ إذا طالعت فيه باب الاجتهاد وحكم المجتهد تبين لك بوضوح ما يشترط لصحة الفتيا.
ولكن الباعث لي على كتابة هذه الأسطر؛ ما أحدثه بعض القائمين على البرامج الدينية - كبرنامج اسألوا أهل الذكر وبرنامج الدين والحياة - في إذاعة هابطة "mbc" تعنى بالبرامج الغنائية والإعلانات التجارية المشتملة على الدعاية للربا والميسر في الغالب والمسلسلات الرديئة وغيرها مما يتنافى مع تعاليم الإسلام.
وإن كثيرين ممن تبوأوا - أو بويؤوا - منبر هذه الإذاعة؛ أحدثوا للفتيا شرطين لم يسبقهم إليها أحد من أهل العلم، وحكموا بأن كل فتيا لا تشتمل على هذين الشرطين تعتبر غير نافذة وغير شرعية.
الشرطان هما؛ 1) أن يكون المفتي مخولا من ولي الأمر، 2) ألا تكون الفتيا فردية، بل لا بد أن تصدر عن جماعة.
والمتأمل لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء؛ لا يجد هذين الشرطين، ولا أدري من أين جاءوا بهما.
ولو اعتبرنا هذين الشرطين؛ لبطلت فتاوى من سبق من علماء الأمة، كفتاوى شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله التي بغلت ستة وثلاثين مجلدا لم تكن فيها فتوى واحدة خوله فيها ولي الأمر أو شاركه في إصدارها جمع، وكذلك في العصر الحديث "الدرر السنية" لعلماء أئمة الدعوة والتي تبلغ ستة عشر مجلدا؛ كلها فتاوى فردية صادرة من علماء نجد بدون تخويل من ولي الأمر.
ومن بين المحْدثين لهذين الشرطين بعض المنتسبين للعلم، عندما سئل عن فتاوى صادرة من أحد كبار العلماء في هذه البلاد؟ أجاب؛ بعدم صحة هذه الفتاوى ونفوذها، لأن صاحبها لم يخوله ولي الأمر بالإفتاء، ولأنها أحادية غير جماعية، ولأن صاحبها لم يستشر أمثال هذا المنتسب للعلم.
وختاما:
نريد من هذا وأمثاله أن يتحفونا بذكر نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ على أن الفتيا لا تكون نافذة وصحيحة إلا بإذن ولي الأمر وأن تكون جماعية غير أحادية.
ثم ينبغي أن يُعلم؛ أن ولي الأمر ليس مشرعا، وإنما هو منفذ لشرع الله سبحانه وتعالى، نعم ولي الأمر يُطاع في المعروف كما أمر به عليه الصلاة والسلام، أما إذا أمر بمعصية أو نهى عن طاعة واجبة؛ فلا سمع له ولا طاعة.
هذا ونسأل الله أن يوفق هؤلاء المنتسبين للعلم إلى الإخلاص في القول والعمل، إنه جواد كريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أملاه فضيلة الشيخ؛ أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
3/10/1422 هـ
[الكاتب: حمود بن عقلاء الشعيبي]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى عندما بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين القويم، بين فيه ما يحتاج إليه الخلق مما فيه صلاحهم في دنياهم وأخراهم بيانا واضحا لا لبس فيه ولا خفاء، ولم يَكِل فهم شرعه إلى آراء البشر وأهواءهم، بل تولى تفاصيل شرعه بنفسه، وأكمل دينه لعباده، بحيث لا يقبل زيادة ولا نقصانا، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
وقال عليه الصلاة والسلام: (تركتم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
وقال أبو ذر رضي الله عنه: (ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وذكر لنا منه علما).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
فحفظ عنه صحابته رضي الله عنهم تعاليم هذا الدين، وبلغوه إلى من بعدهم من العلماء الربانيين وأئمة السلف المخلصين.
وإن من الأمور المهمة التي جاء بها هذا الشرع الشريف؛ مسألة المفتي والمستفتي، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
وإن الفتيا مقامها عظيم لذا عني أئمة السلف وعلمائهم من أصوليين وفقهاء بشأن الفتيا، حيث وضعوا لها القواعد وبينوا الشروط التي يلزم تحققها في المفتي والمستفتي.
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه "آداب الفتوى": (قال العلماء: فإن المفتي موقع عن الله)، وقاله بن القيم رحمه الله في كتابه "أعلام الموقعين".
والمفتي هو المبلغ عن الله تعالى والواسطة بين الله وخلقه في بيان الحلال والحرام لمن استفتاه، ومقامه عظيم، خصوصا فيما يتعلق بالصدع بالحق وبيان الحلال والحرام في المسائل التي تحتاجها الأمة ويكثر فيها الالتباس والخفاء أو تكثر فيها الأهواء والباطل.
وسأذكر نماذج لبعض الكتب التي عني أصحابها في بحث هذه المسألة.
من ذلك؛ ما ذكره الجويني - مثلا - في كتابيه "البرهان في أصول الفقه" وكتابه "الورقات في أصول الفقه"، وما ذكره الإمام المظفر السمعاني في كتابه "قواطع الأدلة في الأصول"، وابن القيم في "أعلام الموقعين"، و "المسودة في أصول الفقه"، والشوكاني في "إرشاد الفحول"، وكتاب "القواعد الفقهية في أصول الفقه" للحنفية، وكتاب "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي، وابن حزم في كتابيه في "أصول الفقه الإحكام في أصول الأحكام" و "النبذة الكافية" و "التمهيد" لأبي الخطابي الحنبلي، و "اللمع في أصول الفقه" للشيرازي، و "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي، و "روضة الناظر" لابن قدامة.
وكل هؤلاء العلماء وغيرهم، حينما يذكرون صفات المفتي في باب الاجتهاد، يشترطون في المفتي الشروط الآتية: 1) الإسلام، 2) التكليف، 3) العدالة، 4) الأمانة، 5) العلم بالكتاب والسنة، 6) الفقه، 7) معرفة الناس.
وكذلك الكتب المتخصصة في مجال الفتوى - أمثال: 1) كتاب آداب الفتوى والمفتي، للنووي، 2) وكتاب صفة الفتوى والمفتي، لابن حمدان الحنبلي، 3) وكتاب أدب المفتي والمستفتي، لابن الصلاح - كلها مشتملة على الشروط التي ذكرت في الكتب السابقة.
ولم يذكر واحد من هؤلاء العلماء؛ اشتراط إذن ولي الأمر للمفتي أو اشتراط الجماعية في الفتوى.
وفي الجملة فإن هذه المسألة – اعني مسألة المفتي والمستفتي – قد فصلت تفصيلا لا يحتاج إلى زيادة، ووضعت لها القواعد والضوابط من قبل الأصوليين والفقهاء، وأي كتاب من كتب الفقه أو أصول الفقه؛ إذا طالعت فيه باب الاجتهاد وحكم المجتهد تبين لك بوضوح ما يشترط لصحة الفتيا.
ولكن الباعث لي على كتابة هذه الأسطر؛ ما أحدثه بعض القائمين على البرامج الدينية - كبرنامج اسألوا أهل الذكر وبرنامج الدين والحياة - في إذاعة هابطة "mbc" تعنى بالبرامج الغنائية والإعلانات التجارية المشتملة على الدعاية للربا والميسر في الغالب والمسلسلات الرديئة وغيرها مما يتنافى مع تعاليم الإسلام.
وإن كثيرين ممن تبوأوا - أو بويؤوا - منبر هذه الإذاعة؛ أحدثوا للفتيا شرطين لم يسبقهم إليها أحد من أهل العلم، وحكموا بأن كل فتيا لا تشتمل على هذين الشرطين تعتبر غير نافذة وغير شرعية.
الشرطان هما؛ 1) أن يكون المفتي مخولا من ولي الأمر، 2) ألا تكون الفتيا فردية، بل لا بد أن تصدر عن جماعة.
والمتأمل لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء؛ لا يجد هذين الشرطين، ولا أدري من أين جاءوا بهما.
ولو اعتبرنا هذين الشرطين؛ لبطلت فتاوى من سبق من علماء الأمة، كفتاوى شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله التي بغلت ستة وثلاثين مجلدا لم تكن فيها فتوى واحدة خوله فيها ولي الأمر أو شاركه في إصدارها جمع، وكذلك في العصر الحديث "الدرر السنية" لعلماء أئمة الدعوة والتي تبلغ ستة عشر مجلدا؛ كلها فتاوى فردية صادرة من علماء نجد بدون تخويل من ولي الأمر.
ومن بين المحْدثين لهذين الشرطين بعض المنتسبين للعلم، عندما سئل عن فتاوى صادرة من أحد كبار العلماء في هذه البلاد؟ أجاب؛ بعدم صحة هذه الفتاوى ونفوذها، لأن صاحبها لم يخوله ولي الأمر بالإفتاء، ولأنها أحادية غير جماعية، ولأن صاحبها لم يستشر أمثال هذا المنتسب للعلم.
وختاما:
نريد من هذا وأمثاله أن يتحفونا بذكر نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ على أن الفتيا لا تكون نافذة وصحيحة إلا بإذن ولي الأمر وأن تكون جماعية غير أحادية.
ثم ينبغي أن يُعلم؛ أن ولي الأمر ليس مشرعا، وإنما هو منفذ لشرع الله سبحانه وتعالى، نعم ولي الأمر يُطاع في المعروف كما أمر به عليه الصلاة والسلام، أما إذا أمر بمعصية أو نهى عن طاعة واجبة؛ فلا سمع له ولا طاعة.
هذا ونسأل الله أن يوفق هؤلاء المنتسبين للعلم إلى الإخلاص في القول والعمل، إنه جواد كريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أملاه فضيلة الشيخ؛ أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
3/10/1422 هـ
الانصاري- المساهمات : 30
تاريخ التسجيل : 03/11/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى