إصلاح الخلل
صفحة 1 من اصل 1
إصلاح الخلل
إصلاح الخلل
أرائك الحكمة (1)
[الكاتب: أبو الوليد الأنصاري]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
أمّا بعد؛
فلعل ما أكتبه هنا - على شدة الحاجة إليه - أمر لم أسبق إليه على الأقل في أوساط من أعنيهم بالخطاب ممن حملوا على عواتقهم مهمة إنقاذ المسلمين وأمتهم، مما حلّ بها من الضعف والوهن وانتشالها من حضيض الذلّةِ وأوضار التبعية إلى سناء المجد والرفعة والتمكين.
فالمخاطب بما أسطره هنا في المقام الأوّلِ؛ هم السادة العلماء العاملون والدعاة المصلحون الغيورون وقادة المجاهدين وأفناد المجاهدين وكل عامل لهذا الدين يقض مضجعه آلام أمته ويؤرق ليله هموم المسلمين، إذ أن هذه الطبقة مفاتيح الفهوم لمن وراءهم من الأمة ولقاح عقولهم، يفقه الناس إذا فقهوا، ويعون إذا وَعَوا، وما كان من نقص فيهم في العلم أو قصور في الفهم، فجنايته على الشرع أولاً، وعلى الأمة ثانياً ولا بّد.
ذلك أن هذه الثلة السابقة من الأولين إلى ميادين الدعوة والإصلاح والجهاد في سبيل الله؛ لم ترث هذا الحظَّ الوافر من مهمة الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم في زماننا فحسب، بل ورثت معه مخلفات القرون الماضية - والأخيرة منها على وجه الخصوص - من العقائد الفاسدة والتصورات المنحرفة والمذاهب السقيمة والمناهج الردية والأفكار الوَبيّة.
لست أعني أن الأمة مبتلاة بهذه الأدواء في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا مع جلائه ووضوحه ما هو بالذي أريد، بل من سطرت لهم ما سطرت هنا؛ هم المبتلون به المصابون بآثاره المكتوون بناره، نعم الكثيرون قد سلموا من ذلك - عقيدة وفكراً وتصوراً - لكنَّهم لم يسلموا منه ممارسة وعملا.
توضيح ما مضى:
بيان ذلك أن تعلم؛ أنه لما وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة وذاع أمر هذه الفرق وشاع, وصار لكل فرقة منها أنصار وأتباع تفرقوا في البلاد والأمصار، وصار منهم أئمة ضلالة ودعاة أهواء يروِّجون ما ابتدعوه من النحل المخترعة والأهواء المبتدعة.
ولم يكن لهذه البدع أن تروج إلا بنوع من المكر والحيلة والدس الخفي بوضع الأحاديث المكذوبة المنسوبة إلى خير البرية صلوات الله وسلامه عليه تارة, وبتحريف آيات الكتاب تارة, ونسبتها إلى بعض من سلف من الأكابر والصحابة والتابعين أخرى, ورابعة إلى المعاصرين ومن قبلهم من العلماء, وخامسة بخلع الألقاب والنعوت على منتحليها, وسادسة عن طريق السلاطين والأمراء, وبالتأويلات الفاسدة سابعة, وبالوعود الكاذبة, وشراء الذمم, ثامنة وتاسعة... إلى غير ذلك مما تطول حكايته.
ثم إن الأئمة رحمهم الله شمروا عن سواعد الهمة في بيان الحق وفضح الباطل وكشف زيفه والتحذير من بَهْرجه وإنقاذ الأمة من عاديته لا يألونها جهداً, فتكلموا ونصحوا ووعظوا وأرشدوا وصنفوا وكتبوا, وما تركوا خيراً يأمرون المسلمين به ولا شرا ينهونهم عنه إلا أودعوه صحائف الكتب وبطون الأسفار نصحاً للأمة وشفقة ورحمة بمن يجيىء بعدهم أن يصيبهم ما أصاب آباءهم الأولين.
ثم خلف من بعدهم خلوف، قل فيهم العلم وقلَّ العمل وقلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من قبض العلم بقبض العلماء؛ فتصدر الجهَّال وتقدم من لا يحسن, ولم ينفعهم إذ ذاك ما أُودع في بطون الكتب - إلا ما شاء الله - فأطلت رؤوس أفاعي البدع بعد ما أرزت إلى جحورها فأحيت ما اندرس منها بعد مواته, وانضاف إلى ذلك ما جد واستُحدث من الأهواء والمقالات، فاختلط الحابل بالنابل وعظم الخطب وجلت الرزية وتفاقمت المصيبة, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولقد وسَّع الخرقَ على الراقع وقوعُ ذلك كلِّه ورياح المسلمين مدبرة مولية، قد دالت دولتهم ودب فيهم الضعف والوهن, وسرت إليهم روح الهزيمة والتخاذل, واعتراهم التنازع والفشل فتفرقوا أيدي سبا وأصبحوا طرائق قدداً وطمع فيهم الأعداء وبدلت سراؤهم بالضراء, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واعلم؛ أن وصف ما حل بالمسلمين في القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة - على شدة الحاجة إليه - أمر خارج هنا عن حدّ الإمكان، فقد شهدت هذه الحقبة من الزمن تمكّن الأدواء من جسد الأمة وتغلغل السموم الفتاكة في مقاتلها؛ حتى أدى ذلك إلى الإطاحة بدولة المسلمين في الأندلس غرب العالم الإسلامي، والذي أدى إلى بتر جناح المسلمين الآخر دولة العثمانيين، وجرّأ الصليبيين على الإطاحة بها والقضاء عليها قضاءً تاماً من نحو قرن من الزمان.
أمنية غالية:
وكم كنت أود - ولا زلت - لو أن جماعة من العلماء والمؤرخين يعكفون على تصنيف تاريخ جامع يلم بأطراف الحوادث والوقائع التي جرت في أنحاء العالم الإسلامي خلال القرون المذكورة إلى زماننا هذا، لا يختص بناحية دون ناحية، بل يربط ما وقع للمسلمين في بلاد المغرب والأندلس بما وقع في مصر والشام والحجاز واليمن والهند وبلاد ما وراء النهر؛ إذ العدو واحدٌ والمكر واحد والأدواء واحدة، وإذن لكان عندنا كتاب يحيط قارئه بأطراف المؤامرة وخيوط المكيدة، ولمهَّدَ له طريق الاطلاع على مكامن الداء.
فعسى الله أنْ يقيض لهذه المهمة من يوفِّيها حقّها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أرائك الحكمة (1)
[الكاتب: أبو الوليد الأنصاري]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم.
أمّا بعد؛
فلعل ما أكتبه هنا - على شدة الحاجة إليه - أمر لم أسبق إليه على الأقل في أوساط من أعنيهم بالخطاب ممن حملوا على عواتقهم مهمة إنقاذ المسلمين وأمتهم، مما حلّ بها من الضعف والوهن وانتشالها من حضيض الذلّةِ وأوضار التبعية إلى سناء المجد والرفعة والتمكين.
فالمخاطب بما أسطره هنا في المقام الأوّلِ؛ هم السادة العلماء العاملون والدعاة المصلحون الغيورون وقادة المجاهدين وأفناد المجاهدين وكل عامل لهذا الدين يقض مضجعه آلام أمته ويؤرق ليله هموم المسلمين، إذ أن هذه الطبقة مفاتيح الفهوم لمن وراءهم من الأمة ولقاح عقولهم، يفقه الناس إذا فقهوا، ويعون إذا وَعَوا، وما كان من نقص فيهم في العلم أو قصور في الفهم، فجنايته على الشرع أولاً، وعلى الأمة ثانياً ولا بّد.
ذلك أن هذه الثلة السابقة من الأولين إلى ميادين الدعوة والإصلاح والجهاد في سبيل الله؛ لم ترث هذا الحظَّ الوافر من مهمة الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم في زماننا فحسب، بل ورثت معه مخلفات القرون الماضية - والأخيرة منها على وجه الخصوص - من العقائد الفاسدة والتصورات المنحرفة والمذاهب السقيمة والمناهج الردية والأفكار الوَبيّة.
لست أعني أن الأمة مبتلاة بهذه الأدواء في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا مع جلائه ووضوحه ما هو بالذي أريد، بل من سطرت لهم ما سطرت هنا؛ هم المبتلون به المصابون بآثاره المكتوون بناره، نعم الكثيرون قد سلموا من ذلك - عقيدة وفكراً وتصوراً - لكنَّهم لم يسلموا منه ممارسة وعملا.
توضيح ما مضى:
بيان ذلك أن تعلم؛ أنه لما وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة وذاع أمر هذه الفرق وشاع, وصار لكل فرقة منها أنصار وأتباع تفرقوا في البلاد والأمصار، وصار منهم أئمة ضلالة ودعاة أهواء يروِّجون ما ابتدعوه من النحل المخترعة والأهواء المبتدعة.
ولم يكن لهذه البدع أن تروج إلا بنوع من المكر والحيلة والدس الخفي بوضع الأحاديث المكذوبة المنسوبة إلى خير البرية صلوات الله وسلامه عليه تارة, وبتحريف آيات الكتاب تارة, ونسبتها إلى بعض من سلف من الأكابر والصحابة والتابعين أخرى, ورابعة إلى المعاصرين ومن قبلهم من العلماء, وخامسة بخلع الألقاب والنعوت على منتحليها, وسادسة عن طريق السلاطين والأمراء, وبالتأويلات الفاسدة سابعة, وبالوعود الكاذبة, وشراء الذمم, ثامنة وتاسعة... إلى غير ذلك مما تطول حكايته.
ثم إن الأئمة رحمهم الله شمروا عن سواعد الهمة في بيان الحق وفضح الباطل وكشف زيفه والتحذير من بَهْرجه وإنقاذ الأمة من عاديته لا يألونها جهداً, فتكلموا ونصحوا ووعظوا وأرشدوا وصنفوا وكتبوا, وما تركوا خيراً يأمرون المسلمين به ولا شرا ينهونهم عنه إلا أودعوه صحائف الكتب وبطون الأسفار نصحاً للأمة وشفقة ورحمة بمن يجيىء بعدهم أن يصيبهم ما أصاب آباءهم الأولين.
ثم خلف من بعدهم خلوف، قل فيهم العلم وقلَّ العمل وقلّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ووقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من قبض العلم بقبض العلماء؛ فتصدر الجهَّال وتقدم من لا يحسن, ولم ينفعهم إذ ذاك ما أُودع في بطون الكتب - إلا ما شاء الله - فأطلت رؤوس أفاعي البدع بعد ما أرزت إلى جحورها فأحيت ما اندرس منها بعد مواته, وانضاف إلى ذلك ما جد واستُحدث من الأهواء والمقالات، فاختلط الحابل بالنابل وعظم الخطب وجلت الرزية وتفاقمت المصيبة, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولقد وسَّع الخرقَ على الراقع وقوعُ ذلك كلِّه ورياح المسلمين مدبرة مولية، قد دالت دولتهم ودب فيهم الضعف والوهن, وسرت إليهم روح الهزيمة والتخاذل, واعتراهم التنازع والفشل فتفرقوا أيدي سبا وأصبحوا طرائق قدداً وطمع فيهم الأعداء وبدلت سراؤهم بالضراء, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واعلم؛ أن وصف ما حل بالمسلمين في القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة - على شدة الحاجة إليه - أمر خارج هنا عن حدّ الإمكان، فقد شهدت هذه الحقبة من الزمن تمكّن الأدواء من جسد الأمة وتغلغل السموم الفتاكة في مقاتلها؛ حتى أدى ذلك إلى الإطاحة بدولة المسلمين في الأندلس غرب العالم الإسلامي، والذي أدى إلى بتر جناح المسلمين الآخر دولة العثمانيين، وجرّأ الصليبيين على الإطاحة بها والقضاء عليها قضاءً تاماً من نحو قرن من الزمان.
أمنية غالية:
وكم كنت أود - ولا زلت - لو أن جماعة من العلماء والمؤرخين يعكفون على تصنيف تاريخ جامع يلم بأطراف الحوادث والوقائع التي جرت في أنحاء العالم الإسلامي خلال القرون المذكورة إلى زماننا هذا، لا يختص بناحية دون ناحية، بل يربط ما وقع للمسلمين في بلاد المغرب والأندلس بما وقع في مصر والشام والحجاز واليمن والهند وبلاد ما وراء النهر؛ إذ العدو واحدٌ والمكر واحد والأدواء واحدة، وإذن لكان عندنا كتاب يحيط قارئه بأطراف المؤامرة وخيوط المكيدة، ولمهَّدَ له طريق الاطلاع على مكامن الداء.
فعسى الله أنْ يقيض لهذه المهمة من يوفِّيها حقّها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
الانصاري- المساهمات : 30
تاريخ التسجيل : 03/11/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى