إليكم أيها المجاهدون ؛ إنما هو إبتلاء
صفحة 1 من اصل 1
إليكم أيها المجاهدون ؛ إنما هو إبتلاء
--------------------------------------------------------------------------------
إليكم أيها المجاهدون ؛ إنما هو إبتلاء
[الكاتب: مجموعة من العلماء]
الحمد لله الذي أعز الأمة بالجهاد، وأمر بإرغام أنوف أهل الكفر والإلحاد، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين وسيد العباد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من سنن الله التي لا تتبدل أنه لا بد من الابتلاء والتمحيص لعباده المؤمنين، فلا بد لكل عامل لدين الله أن يعاني أنواعاً من البلاء قبل أن يحقق الله النصر والتمكين، كما قال تعالى: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ), وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ), وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
وقال الإمام مالك رحمه الله: قال عمر بن عبد العزيز: (ما أغبط رجلا لم يصبه في هذا الأمر أذى) اهـ.
وقيل للشافعي رحمه الله أيما أفضل؛ أن يمكن العبد أَمْ يُبتلى؟ قال: (لا يُمّكن حتى يُبتلى) اهـ.
فلا تمكين إلا بعد ابتلاء، كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
واعلموا أيها المجاهدون أن ما أصابكم ويصيبكم من قتل، أوتشريد، أونفي، أوأسر، أوابتلاء، أومطاردة، أوتعذيب، وغير ذلك، فإنه رفعة لكم في الدنيا والآخرة بحول الله وقوته، وزيادة في أجوركم.
فقد جاء في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة) [رواه النسائي والترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح"].
وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل أي الناس أشد بلاء، قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) اهـ [وصححه ابن حبان والحاكم].
فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، ونحن نعلم أنهم ما نقموا منكم إلا الجهاد في سبيل الله ونصرة المستضعفين من المسلمين، قال تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وقال تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ), وقال تعالى: (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)، وقال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
ومن المؤسف أنكم لم تسلموا من بعض من ينتسب إلى العلم والدعوة والخير، الذين لم يكتفوا بخذلانهم لكم، بل تكلموا في أعراضكم، وقد قيل:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهندِ
ولقد ظهر حسن ذكركم والثناء عليكم بما قمتم به من إعزاز لدين الله بالجهاد في سبيله، وإرغام أنوف الصليبيين واليهود وأعوانهم، وكتب الله على أيديكم العز لهذا الدين في هذا الوقت.
فعن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض) [متفق عليه واللفظ لمسلم].
ونحن هنا نكتب رسالتين:
الرسالة الأولى؛ إلى الإخوة الذين ابتلوا بالأسر والتعذيب ونحو ذلك:
فنقول لهم: بأن هذا هو طريق الأنبياء والصالحين من قبلكم، ولا يمكن للدين أن ينتصر إلا بالمرور بمثل هذه العوائق والعقبات، ولو كان الإسلام ينتصر بلا ابتلاء لكان أولى الناس بذلك هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم، المؤيد بالوحي من السماء، ومع ذلك فقد جاهد وكافح وعانى من أنواع البلاء من مضايقة الكفار وحصارهم له وإخراجهم له من أحب بلاد الله إليه وغير ذلك من أنواع البلاء، وقد قتل في سبيل نشر الإسلام والدعوة إليه كثير من خيار الصحابة وأكابرهم، كما عانى من القتل والأسر والأذى كثير من الأئمة الأخيار، فلا بد للعامل لدين الله من التأسي بهؤلاء.
واعلموا أنكم إن قتلتم فقتلكم شهادة في سبيل الله، وإن اعتقلتم فاعتقالكم خلوة وعبادة وتفكر، وإن عذبتم فعذابكم تمحيص لكم ورفعة في الدرجات ومحو للسيئات، وإن أخرجتم ونفيتم فذلك هجرة في الله، وأنكم تتقلبون من خير إلى خير، كما جاء في الحديث الصحيح (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لغير المؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
والرسالة الثانية؛ إلى الإخوة المجاهدين العاملين، والذين قد يهنون لما أصاب إخوانهم في سبيل الله:
فنقول لهم: امضوا على بركة الله في عملكم لدين الله، فإن هذا هو السبيل، ولا تلتفتوا لمثل هذه العقبات، ولا تجعلوا ما حل بإخوانكم يفت في عضدكم، ولا تيأسوا من روح الله، وكونوا كعباد الله الذين قال تعالى فيهم: (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، وخذوا حذركم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ).
وتأملوا - أيها المجاهدون - قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم نادى الشيطان؛ "ألا إن محمدا قد قتل"، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال، ففي ذلك أنزل الله تعالى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ".
قال ابن أبي نجيح عن أبيه: إن رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له: "يا فلان أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل؟"، فقال الأنصاري: "إن كان محمد قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم"، فنزل؛ "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ" [رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة].
ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف؛ "أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ"؛ أي رجعتم القهقرى؟ "وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ"؛ أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه واتبعوا رسوله حيا وميتا) اهـ.
فإن الله سبحانه هنا لم ينكر مسألة قتل محمد صلى الله عليه وسلم - وهو من هو - بل أنكر الانقلاب على الأعقاب بعد ذلك.
نسأل الله أن يُعينكم ويوفقكم وينصركم وأن يرزقكم الصبر والثبات وأن يُقرّ عيونكم بنصر الإسلام والمسلمين وخذلان أعداء الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الموقعون؛
1) علي بن خضير الخضير.
2) ناصر بن حمد الفهد.
3) أحمد بن حمود الخالدي.
إليكم أيها المجاهدون ؛ إنما هو إبتلاء
[الكاتب: مجموعة من العلماء]
الحمد لله الذي أعز الأمة بالجهاد، وأمر بإرغام أنوف أهل الكفر والإلحاد، والصلاة والسلام على قائد المجاهدين وسيد العباد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من سنن الله التي لا تتبدل أنه لا بد من الابتلاء والتمحيص لعباده المؤمنين، فلا بد لكل عامل لدين الله أن يعاني أنواعاً من البلاء قبل أن يحقق الله النصر والتمكين، كما قال تعالى: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ), وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ), وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ).
وقال الإمام مالك رحمه الله: قال عمر بن عبد العزيز: (ما أغبط رجلا لم يصبه في هذا الأمر أذى) اهـ.
وقيل للشافعي رحمه الله أيما أفضل؛ أن يمكن العبد أَمْ يُبتلى؟ قال: (لا يُمّكن حتى يُبتلى) اهـ.
فلا تمكين إلا بعد ابتلاء، كما قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ).
واعلموا أيها المجاهدون أن ما أصابكم ويصيبكم من قتل، أوتشريد، أونفي، أوأسر، أوابتلاء، أومطاردة، أوتعذيب، وغير ذلك، فإنه رفعة لكم في الدنيا والآخرة بحول الله وقوته، وزيادة في أجوركم.
فقد جاء في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة) [رواه النسائي والترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح"].
وفي الباب عن أبي هريرة وأخت حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل أي الناس أشد بلاء، قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) اهـ [وصححه ابن حبان والحاكم].
فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، ونحن نعلم أنهم ما نقموا منكم إلا الجهاد في سبيل الله ونصرة المستضعفين من المسلمين، قال تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وقال تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ), وقال تعالى: (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)، وقال تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
ومن المؤسف أنكم لم تسلموا من بعض من ينتسب إلى العلم والدعوة والخير، الذين لم يكتفوا بخذلانهم لكم، بل تكلموا في أعراضكم، وقد قيل:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهندِ
ولقد ظهر حسن ذكركم والثناء عليكم بما قمتم به من إعزاز لدين الله بالجهاد في سبيله، وإرغام أنوف الصليبيين واليهود وأعوانهم، وكتب الله على أيديكم العز لهذا الدين في هذا الوقت.
فعن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض) [متفق عليه واللفظ لمسلم].
ونحن هنا نكتب رسالتين:
الرسالة الأولى؛ إلى الإخوة الذين ابتلوا بالأسر والتعذيب ونحو ذلك:
فنقول لهم: بأن هذا هو طريق الأنبياء والصالحين من قبلكم، ولا يمكن للدين أن ينتصر إلا بالمرور بمثل هذه العوائق والعقبات، ولو كان الإسلام ينتصر بلا ابتلاء لكان أولى الناس بذلك هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم، المؤيد بالوحي من السماء، ومع ذلك فقد جاهد وكافح وعانى من أنواع البلاء من مضايقة الكفار وحصارهم له وإخراجهم له من أحب بلاد الله إليه وغير ذلك من أنواع البلاء، وقد قتل في سبيل نشر الإسلام والدعوة إليه كثير من خيار الصحابة وأكابرهم، كما عانى من القتل والأسر والأذى كثير من الأئمة الأخيار، فلا بد للعامل لدين الله من التأسي بهؤلاء.
واعلموا أنكم إن قتلتم فقتلكم شهادة في سبيل الله، وإن اعتقلتم فاعتقالكم خلوة وعبادة وتفكر، وإن عذبتم فعذابكم تمحيص لكم ورفعة في الدرجات ومحو للسيئات، وإن أخرجتم ونفيتم فذلك هجرة في الله، وأنكم تتقلبون من خير إلى خير، كما جاء في الحديث الصحيح (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لغير المؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).
والرسالة الثانية؛ إلى الإخوة المجاهدين العاملين، والذين قد يهنون لما أصاب إخوانهم في سبيل الله:
فنقول لهم: امضوا على بركة الله في عملكم لدين الله، فإن هذا هو السبيل، ولا تلتفتوا لمثل هذه العقبات، ولا تجعلوا ما حل بإخوانكم يفت في عضدكم، ولا تيأسوا من روح الله، وكونوا كعباد الله الذين قال تعالى فيهم: (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، وخذوا حذركم كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ).
وتأملوا - أيها المجاهدون - قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد وقتل من قتل منهم نادى الشيطان؛ "ألا إن محمدا قد قتل"، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال، ففي ذلك أنزل الله تعالى: "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ".
قال ابن أبي نجيح عن أبيه: إن رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له: "يا فلان أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل؟"، فقال الأنصاري: "إن كان محمد قد قتل فقد بلغ فقاتلوا عن دينكم"، فنزل؛ "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ" [رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة].
ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف؛ "أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ"؛ أي رجعتم القهقرى؟ "وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ"؛ أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه واتبعوا رسوله حيا وميتا) اهـ.
فإن الله سبحانه هنا لم ينكر مسألة قتل محمد صلى الله عليه وسلم - وهو من هو - بل أنكر الانقلاب على الأعقاب بعد ذلك.
نسأل الله أن يُعينكم ويوفقكم وينصركم وأن يرزقكم الصبر والثبات وأن يُقرّ عيونكم بنصر الإسلام والمسلمين وخذلان أعداء الدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الموقعون؛
1) علي بن خضير الخضير.
2) ناصر بن حمد الفهد.
3) أحمد بن حمود الخالدي.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى