تحولات مشروع "الإخوان"
صفحة 1 من اصل 1
تحولات مشروع "الإخوان"
تحولات مشروع "الإخوان" |
كانت حركة التحولات التي شهدها "الإخوان المسلمون" جد جذرية - خاصة في مصر معقل "الإخوان" ومشهد ولادتهم - ومثلما تغير "المشروع الإخواني" من الخلافة الإسلامية إلى الدولة الوطنية، وتغير إطاره التنظيمي، من التنظيم الشامل إلى تنظيم يعكس الخصوصية "الإخوانية"؛ تغيرت قواعد "الإخوان المسلمين". لم يعد "المناضل الإخواني" هو نفس "المناضل" ذي التكوين الأيدلوجي المغلق، أو ابن "الثقافة الإخوانية النقية". لقد انفتحت هذه القواعد على مراجع ثقافية وفكرية، بل وشرعية مختلفة بما يستدعي النظر في أسطورة "النقاء الإخواني" التي ظلت مهيمنة. في حقبة السبعينيات إلى نهاية الثمانينيات؛ كانت تروج في القواعد "الإخوانية" مقولة الشهيد سيد قطب: (جيل قرآني فريد)، التي كانت عنوانا لأحد فصول كتابه "معالم في الطريق". كان لهذه المقولة فعل السحر في سعي قيادات الجماعة وكوادرها إلى الوصول لنموذج الوحدة الفكرية التي تؤسس للقاعدة "النقية" في منطلقاتها الشرعية وتأسيسها الفكري وفي معاملاتها، بل وفي صورتها وهيئتها، أو ما كان يعرف بـ "الهدي الظاهر". وكلها كانت تتحالف على بناء "مناضل إخواني نقي" و "مختلف" عن أقرانه وزملائه في بيئته. غير أن تحولات كثيرة - خاصة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي - جعلت هذه المقولة أقرب إلى أحلام الرومانسية أو - في أفضل الأحوال- إلى ذكرى جميلة من مرحلة "البراءة" التي يحن إليها "المناضل الإخواني" ويجترها في حديث الذكريات، دون أن يلتزم بالسعي إلى تحقيقها. حلت بدلا منها مقولات أخرى تعكس الرغبة في الانفتاح وتنوع الأفكار والمراجع دون النظر إلى التمييز أو المفاصلة الفكرية والعقدية الحادة التي كانت تسم هذا المناضل. انفتح "الكادر" الإخواني على الدنيا، بعد أن فتحت أبوابها أمامه، ولم تعد مقولات النقاوة والمفاصلة تناسبه، وربما حل بديلا عن مقولة "قطب" في الوعي "الإخواني" مقولات أخرى، دينية أيضا، لكنها تعكس هذه الرغبة في الخروج من أسر "النقاوة"، والكف عن رؤية العالم من "ثقب الأيدلوجيا"، فتوارت من خطابه ووعيه مقولة "قطب" لتفسح الطريق لآثار أخرى مثل؛ "اطلبوا العلم ولو في الصين"، و "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها". الكادر "الإخواني" يقرأ في التراث الإسلامي أقل مما يقرأ في شؤون الحياة، وتزخر مكتبته بمجموعات "ستيفن كوفي" في علم الإدارة وروايات "باولو كويلو"، ولا يشعر بحرج أن يقتبس في إحالاته إلى فلاسفة ومفكرين غربيين وغير مسلمين، بل وربما رآها عنوانا للثقافة والتميز، على خلاف ما كان عليه أسلافه في جيل السبعينيات. وهو ينفق جزءا لا باس من تفكيره في الإجابة عن سؤال؛ أين وكيف يقضي عطلة الصيف؟ يذهب إلى السينما ويتناقش في آخر ما شاهده من أفلامها، ويقتني الأطباق اللاقطة - وإن سعى في بعض الأحيان لتشفير القنوات الإباحية - لكنه فيما عدا ما يجرح الأخلاق مقبل على المتعة والترفيه، خاصة مباريات كرة القدم التي لم يعد يختلف "المناضل الإخواني" في حبها ومتابعتها والاهتمام بها عن بقية أفراد الشعب المصري الذي يذوب فيها عشقا. لقد كف "المناضلون الإخوان" عن التهكم على "الولع" المصري بكرة القدم، ولم يعودوا يرونها مظهرا للخفة أو مضيعة للوقت أو وجها من وجوه الانصراف عن قضايا الأمة - كما كانت نظرتهم من قبل - لقد أدان نواب "الإخوان" في البرلمان - مثل غيرهم - تشفير "مباريات كاس الأمم الأفريقية" الأخيرة وحرمان الشعب المصري من متعة مشاهدتها، وشاركوا غيرهم من السياسيين في نصب شاشات العرض في الساحات الكبرى، لتشاهد الجماهير المصرية المباريات مجانا! وحين فاز المنتخب المصري بالبطولة؛ سارع رئيس الكتلة "الإخوانية" في البرلمان إلى إصدار بيان تهنئة بالفوز، ولم تمض عليه ساعات حتى اصدر "المرشد العام" - في سابقة هي الأولى- بيانا رسميا للتهنئة بالإنجاز القومي الذي حققه اللاعبون المصريون! انفتاح الكادر "الإخواني" ودخوله في تفصيلات الحياة ومعاركها جعله أقرب إلى "العادية"، وانتزعه، أو انتزع منه روح الاستعلاء والتفرد والإحساس المبالغ فيه بالرسالية التي تجعله مختلفا، بل ومميزا في سلوكه وأفكاره وطريقته في الحياة. فهو دخل في فضاء العمل العام وما يستدعيه من علاقات ومشاعر وعواطف وما استلزمه - بالضرورة - من الوقوع في الأخطاء، مثل بعض وقائع الفساد المالي والإداري، بل والأخلاقي التي نسبت لكوادر "إخوانية" - خاصة في تجربة إدارة العمل النقابي - وهو ما رفع عنه هالة القداسة وقربه من غيره من كوادر الحركات السياسية والاجتماعية الأخرى. لقد بدأنا نرى ونسمع عن "القيادي الإخواني" الذي توجه إليه تهم التحرش بموظفات عنده - رغم عدم التيقن من صحتها، وغلبة الظن بكونها جزءا من خصومات سياسية - وعن "القيادي الإخواني" البارز الذي يقع ابنه في حب فتاة عصرية في ملبسها ورؤيتها من خريجات الجامعة الأميركية ويتقدم لزواجها، رغم أن والدها "الفنان عادل إمام" هو أكثر فناني مصر هجوما على التيار الإسلامي وسخرية منه في أعماله التي تزيد فيها جرعة الإثارة والجنس! ثم لا يمانع والده في ذلك، بل يحشد للمناسبة قيادات الجماعة وعلى رأسها "المرشد العام"! وزاد من تحولات الكادر الإخواني المنفتح نحو "العادية"؛ طبيعة الخطاب "الإخواني" الذي غلب عليه الحرص على عدم الدخول في التفصيلات، بما أدى إلى تعدد الخطابات والاتجاهات إلى حد التناقض تحت مظلة الجماعة الواحدة، فصرنا بإزاء "جماعات الإخوان" وليس جماعة واحدة، مهما قيل عن الوحدة الفكرية الجامعة، فهناك رؤى إخوانية تتعدد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تتفاوت رؤيتها السياسية ما بين الاندراج في حزب سياسي قطري يدعم دولة عصرية، وما بين أفكار ما زالت تستدعي صورة غائمة لدولة الخلافة الإسلامية العالمية، كما تتجاور فيها مقولات أهل الذمة مع قاعدة "المواطنة" دون حسم أو تمييز. ويصعب دائما تحقيق الفرز وتنعدم الرغبة فيه مع استمرار تمسك الجماعة في خطابها بتقديم نفسها كعباءة تتسع لكل العاملين بالإسلام، مع تحديد سقف واسع يحكم الجميع، وهو مبدأ السمع والطاعة لقيادتها مع نبذ العنف منهجا. لذا نجد بين كوادر التنظيم؛ "أزهريين" و "أنصار سنة" وجمعية شرعية وتيارا سلفيا وجهاديين سابقين وسياسيين بدأوا في أحزاب سياسية أخرى، وقطاعات من العمال والفلاحين تنحصر علاقتها بالجماعة في كونها الإطار أو الصلة التي تربطها بالله! ثم جاءت التطورات التي أوجدت ظواهر جديدة في حقل التدين، مثل "المفكرين الإسلاميين المستقلين" و "الدعاة الجدد"، لتنهي أي حديث عن النقاوة الأيدلوجية في القاعدة "الإخوانية"، فمع تراجع دور المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، صار تأثير الخارج - ثقافيا وفكريا - في "الداخل الإخواني" أكبر بكثير، وذلك عبر ظاهرة الدعاة الجدد، وقبلها المفكرون الإسلاميون المستقلون، التي تعكس حجم تأثر الصف الإخواني - بدلا من تأثيره - بمقولات وأفكار لم تنتجها الجماعة، وإنما جاءت من مفكرين ودعاة من خارجها. بقلم؛ حسام تمام 11/11/2006م |
function bookmarksite(title, url){
if (document.all)
window.external.AddFavorite(url, title);
else if (window.sidebar)
window.sidebar.addPanel(title, url, "")
}
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى