خذوا حذركم . . فانفروا
صفحة 1 من اصل 1
خذوا حذركم . . فانفروا
[الكاتب: سيف الدين الأنصاري] |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، شرع للمؤمنين دينا قويما، وهداهم صراطا مستقيما، ووعد المجاهدين منهم نصرا وفتحا قريبا. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وسبيله. أما بعد : إن الذي دعاني إلى هذه الرسالة أمور كثيرة أهمها : 1 – إلحاح كثير من الإخوة علي بتفصيل ما جاء مجملا في أسس التدارك، لتتضح المقاصد ويزداد النفع وتعم الفائدة. فكانت هذه الرسالة التي تتبعها أخواتها –إن شاء الله- استجابة لهذا الطلب. 2 – تفريط كثير من الإخوة -غفر الله لهم- في الجانب الأمني، جهلا من البعض، وتهاونا وكسلا من البعض الآخر، مما أثر سلبا على التنزيل العملي للمنهج الشرعي. 3 – الرغبة في إحداث نقلة نوعية في المسار الجهادي، ليتلاءم التنزيل مع طبيعة الأهداف المنشودة، وطبيعة المعطيات الذاتية والموضوعية للمرحلة الراهنة. أولا : أهمية الجانب الأمني : تظهر أهمية الجانب الأمني في أمور كثيرة ألخصها في ما يلي : أولا : إن أخذ الحذر – أو ما يصطلح على تسميته اليوم بالجانب الامني - سنة شرعية، المخل بها داخل في دائرة المعصية ومفرط في أسباب النصر والتمكين، قال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) [النساء : 71] وقال : ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) [النساء : 102]. ومن نظر بعين الاعتبار وجد الله جل وعلا يقول في شأن موسى عليه السلام : ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ) [القصص : 15]، وفي شأن إبراهيم عليه السلام : ( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا ياإبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا ) [الأنبياء : 62]، وفي شأن أم موسى : ( وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ) [القصص : 11]، وفي شأن أصحاب الكهف : ( وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ) [الكهف : 19]، وفي شأن بعض أتباع موسى : ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ) [غافر : 28]. وقد قال الله جل وعلا في شأن الأنبياء : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [الأنعام : 90] . ومن يتدبر سيرة الرسول?صلى الله عليه وسلم?يجد الحضور المتيمز للجانب الأمني في عمله لهذا الدين. . . فتأمل الاحتياطات الأمنية التي اتخذت في مكة، وتأمل الدروس الأمنية المستخرجة من الهجرة . وانظر إليه ?صلى الله عليه وسلم وهو ( لا يريد غزوة إلا ورى بغيرها ) [الحديث]. . . إلخ، قال ابن القيم في قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) : ( فإن هذا الضمان له من ربه تبارك وتعالى لا يناقض احتراسه من الناس ولا ينافيه، كما أن إخبار الله سبحانه له بأنه يظهر دينه على الدين كله ويعليه لا يناقض أمره بالقتال وإعداد العدة والقوة ورباط الخيل والأخذ بالجد والحذر والاحتراس من عدوه ومحاربته بأنواع الحرب والتورية ) [زاد المعاد : 3/480]. ونظرا لصدق التلقي وصفاء اللقاء وإخلاص القصد، تمكن الفهم العميق لهذا الجانب من نفوس الصحابة رضي الله عنهم فترجموه إلى واقع عملي نموذجي، فهذا أنس بن مالك وهو غلام يقول : ( فبعثني –أي رسول الله-في حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جاءت قالت : ما حبسك؟ فقلت بعثني رسول الله لحاجة، قالت : ما حاجته؟ قلت : إنها سر ). وهذا العباس يقول لابنه عبد الله : ( إني أرى هذا الرجل [يعني عمر بن الخطاب] يقدمك على الأشياخ [يعني كبار الصحابة]، فاحفظ عني خمسا : لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا، ولا تعصين له أمرا، ولا يطلعن منك على خيانة ). والكلام طويل والعمر قصير والمقام لا يتسع، والمقصود الإشارة التي تكفي اللبيب. ثانيا : إن أخذ الحذر إضافة إلى كونه سنة شرعية يأثم المسلم بالتفريط فيها هو كذلك سنة كونية أمرنا باعتبارها بل وتسخيرها لخدمة الحق الذي نؤمن، ف( الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها فهو أحق بها ) [الترمذي]، وقد تحطمت جهود كثير من العاملين ولا زالت تنتيجة التفريط الكبير في هذه السنة، فإن غياب هذا الجانب – وعيا وممارسة – أدى إلى إجهاض الأعمال، واكتشاف الأسرار، واختراق الصفوف، وضياع الفرص، وذهاب الرجال، ونشر الفتنة، وكم من الأعراض قد . . . إلخ، ( فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [الحشر]، أفلم يأن للمسلمين – وخصوصا المجاهدين حفظهم الله تعالى – أن يستحضروا هذا الجانب ويعتبروه عند التخطيط والتنفيد لكل عمل. . . ؟!!، ليس جبنا ولا خوفا من اللقاء، لا والله، ولكن الهدف كبير إني جاعل في الأرض خليفة ) [البقرة : 30]، ودون هذا الهدف سنن سير الله بمقتضاها هذه الحياة فلا تعاندوها فإنها غلابة، ( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) [فاطر : 43]. ثانيا : أسس تأمين العمل الإسلامي : الأساس الأول : تحقيق معاني الربانية : ونقصد بالربانية انضباط سلوك المسلم– الظاهر والباطن - وفق مقتضى شرع ربه جل وعلا ، قال تعالى : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) [آل عمران : 79] ، لأن ربانية المسلم تعني طاعته لله جل وعلا، وهذه الطاعة هي سر النصر والأمن قال سبحانه : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما، ولهديناهم صراطا مستقيما ) [النساء : 66]. ومن هذا الخير حفظهم من كيد أعدائهم ( ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ) [يونس : 103]، كما أن ربانية المسلم توجب ولاية الله جل وعلا له، ومن تولاه الله جل وعلا حفظه من شر أعداءه، فإنه سبحانه القائل : ( فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ) [يوسف : 64]، والقائل : ( قل ادعوا شركاءكم ثم كيدوني فلا تنظروني، إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) [الأعراف : 196]، والقائل : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) [يوسف : 24]. وما الهزائم والإخفاقات التي تتوالى على المسلمين إلا بما كسبت أيديهم من المعاصي، قال سبحانه : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) [آل عمران : 165]، وقال : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) [الشوى : 30]، فلا نهوض للعمل الإسلامي إلا بعودة صادقة إلى الله جل وعلا. . . عودة تتحقق بها معاني الربانية الحقة. وأهم ما يجب الاهتمام به في هذا الباب هو : 1 – ترسيخ معاني العقيدة الإسلامية في نفوس المؤمنين، كعقيدة الاستعلاء الإيماني الذي يمنح المسلم الإرادة ويحميه من الوهن والضعف أمام مكر مخابرات الأعداء، قال سبحانه : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) [آل عمران : 139]، وقال : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) [آل عمران : 160]. وعقيدة الإيمان بالقدر الذي يمنح المسلم القدرة على الموقف الإيجابي في لحظات الشدة والابتلاء، قال سبحانه : ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ) [آل عمران : 166]، فإن استقرار هذه المعاني – وأمثالها- في نفوس العاملين لهذا الدين يمثل صمام الأمان من الحرب النفسية التي تقوم بها مخابرات الأعداء، ومفتاح الحفظ الرباني للعمل الإسلامي. 2 – الاهتمام بالتجسيد العملي للأخلاق الإسلامية، كخلق كتم الأسرار، فعن أنس بن مالك قال : ( أسر إلي النبي صلى الله عليه وسلمسرا فما أخبرت به أحدا بعده ولقد سألتني أم سليم فما أخبرتها به ) [مسلم]، وقال ?صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة ) [الترمذي]، وخلق الوفاء بالعهد، قال سبحانه : ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) [الإسراء : 34]، وقال رسول الله ?صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر ) [البخاري]، وخلق ترك المرء لما لايعنيه، فقد قال ?صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه ) [الترمذي]، وخلق ترك كثرة الكلام فقد قال ?صلى?الله?عليه?وسلم? : ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) [مسلم]، فإنك لو تأملت المصائب الأمنية التي يبتلى بها العمل الإسلامي اليوم لوجدت أن إفشاء الأسرار تصريحا وتلويحا، وقصدا وتهاونا، وخيانة العهود حقيقة وحكما، واجتهاد المرء في تتبع ما لا يعنيه من المعلومات، واحتراف الثرثرة. . . إلخ تلك القائمة السوداء من الأخلاق المذمومة هي أهم الأسباب التي لازالت تنخر في جسم العمل الإسلامي، وما بمثل هذه الأخلاق يتنزل النصر، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون? [آل عمران : 79]. الأساس الثاني : اليقضة والحذر : لأن اليقظة والحذر سبب في تحقيق الأمن شرعا وقدرا، قال الله جل وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) [النساء : : 71]، وقال : ( وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم ) [النساء : 102]. وأهم ما يحقق هذا الأساس ما يلي : 1 – الانتباه الدائم : ونعني بالانتباه ترك الغفلة واستصحاب اليقظة، وأن لا يكون المسلم سبهللا لا يدري ما يدور حوله ولا ما يحاك ضده، قال عمر رضي الله عنه : ( لست بالخب، ولا الخب يخدعني )، فلسنا مخادعين ولا ماكرين، ولكن المؤمن كيس فطن، و ( لا يلذغ المؤمن من الجحر مرتين ) [البخاري]. 2 – الكلمة المسؤولة : قال سبحانه : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ق : 18]، وقد قال رسول الله ?صلى الله عليه وسلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) [البخاري]، وما على الأرض شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان، ومن هذه المسؤولية ترك التداول العفوي والمجاني للمعلومات، فما كل ما يعلم يقال، وماكل ما يقال قد حضر أهله، ولا كل ما حضر أهله قد حان وقته، قال ?صلى الله عليه وسلم : ( وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) [الترمذي]. 3 – لطافة الحركة : ونقصد بها الحركة التي لا تحدث ضجة، ولا تثير غبارا، ولا تترك أثرا، قال جل وعلا : ( وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ) [الكهف : 19]، ومن لطافة الحركة كسر روتينها، واعتماد السرية واستعمال التورية فيها، قال جل وعلا : ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) [النمل : 88]. 4 – تناسب المظهر : قال ابن تيمية رحمه الله : ( وسبب ذلك [أي عدم المخالفة في الهدي الظاهر] : أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار. فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك. . . وإذا ظهر أن الموافقة والمخالفة لهم تختلف باختلاف الزمان والمكان ظهرت حقيقة الأحاديث في هذا ) [الاقتضاء : 1/418]، وليس المقصود التأصيل، ولكن تأمل، واسأل العاملين، ولا ينبئك مثل خبير ) [فاطر]. الأساس الثالث : الإدراك الجيد لوسائل الأعداء : إن الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل قائم لا ينكره إلا جاهل أو مجادل، والأصل أن كل واحد يعمل لما ينتمي إليه، قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل ) [الأنعام : 135]، ومن العمل الذي يحقق تأمين العمل الإسلامي الإدراك الجيد لوسائل الاعداء في الجانب الأمني، لأنه يمكننا من معرفة مكامن ضعفهم، وإبطال مفعول مكرهم وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [إبراهيم : 46]، فإن الله تعالى يقول : ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) [الأنعام : 55]. ويتحقق هذا الإدراك بأمور كثيرة أهمها : 1 – الوعي بالسنن الكونية : والمعرفة الجيدة بالتقدم التكنولوجي خاصة ما يتعلق بالجانب الأمني، كالمعرفة بأجهزة الاتصال وأدوات الرصد والتنصت و. . . إلخ. فإنما هي سنن مسخرة. 2 – الثقافة الأمنية : وهي الإدراك العام للعمل الأمني عند الأعداء، كمعرفة مؤسساتهم، ومناهجهم في التجنيد، وطرقهم في الاختراق، وأدوارهم في زرع الفتنة، وأساليبهم في التجسس . . ( ولتستبين سبيل المجرمين ) [الأنعام : 55]. 3 – الاطلاع على واقع الأعداء : والتأسي بالنبي ?صلى الله عليه وسلم في بذل الجهد لمعرفة الأحداث عن قرب، وقصته ?صلى الله عليه وسلم وأبي بكر مع الأعرابي يوم بدر معروفة، وما طلبه من حذيفة بن اليمان يوم الأحزاب غير خاف على من يهتم بسيرة رسوله ?صلى الله عليه وسلم. الأساس الرابع : الانضباط التنظيمي : ومعنى الانضباط كمال الطاعة لإمارة الجماعة، وذلك باستئذانها فيما ينبغي أن يفعل، وكيف، ومتى، وبالتنفيذ الدقيق لأوامرها ، قال سبحانه : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) [النساء : 59]، فالمسلم الذي انطبعت في نفسه هذه المعاني، وتجسدت بصدق في سلوكه واقعا عمليا يجنب نفسه وإخوانه ويلات السلوكيات الفردية والتقدير الشخصي للمواقف، لأن الانضباط تحقيق لمراد الله جل وعلا، وقد قال سبحانه : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) [النساء : 66]. كما أنه استجابة لرأي من هم الأكثر علما بالمعطيات والأقدر على معرفة المآلات، وقد قال تعالى : ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [النساء : 83]. وأهم ما يحقق هذا الأساس هو : 1 – إدراك علاقة الأمن بالانضباط : ونقصد به تعميق الوعي بالعلاقة الوطيدة –شرعا وقدرا- بين الانضباط التنظيمي وتأمين العمل الإسلامي، و في أحداث معركة أحد خير دليل على ذلك. 2 – ترسيخ خلق الاستئذان : ونقصد به الاعتياد على أخذ رأي الإمارة قبل الإقدام على العمل، واجتناب التقدير الشخصي للموافق، قال سبحانه : ( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) [النور : 62]. 3 – الاعتراف بالخطأ : وذلك بالإسراع إلى الإخبار عن الأخطاء ليجتنب المسلمون آثارها السلبية، ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه ) [النساء : 83]. 4 – حسن التعامل مع المعلومات : أي ما يذاع منها وما لا يذاع، وكيف؟ ومتى؟ وذلك لا يتحقق إلا بالالتزام ضوابط الجماعة : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) [النساء : 83]. خلاصة الكلام : أولا : إني أعلم أن هذا النوع من السلوك يتطلب مستوى معين من الوعي الشرعي والتربية الإيمانية والثقافة الكونية، ولكني أعلم كذلك أن السذاجة والغفلة والبساطة والاسترخاء لا يمكن أن تبني مجدا إسلاميا ولا أن ترجع العز المسلوب، فلا خيار إلا باستحضار" أسس التدارك" واتباع "سبل الارتقاء"، فإنه حقيقة "وقل اعملوا" وطريق إعداد "من المؤمنين رجال"، واعلم أنه من يصدق الله يصدقه. ثانيا : إن الإدراك الجيد لهذه الأسس - جميعها - والوعي العميق بدلالاتها يدفع القائمين على أي عمل لهذا الدين إلى إيجاد الصيغ والضوابط الكفيلة بتأمين عملهم، استجابة لـ ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) ولابد لهذه الصيغ والضوابط من أن تراعي طبيعة المنهج الذي يحمله العاملون، وطبيعة المرحلة التي يمرون منها، وطبيعة البيئة التي يعملون فيها، وطبيعة العدو الذي يحاربونه أو يعدون لحربه . . . إلخ، وعموما تعد سرية التحرك، وحفظ أمانة المجالس وكتم أسرارها، والانسحاب من المعارك الثانوية، وترك التداول العفوي للمعلومات والتباهي بها، والتكيف المرن مع معطيات الواقع. . . إلخ من أبجديات هذه الضوابط، وتعد الجدية في التطبيق واستفراغ الوسع في حسن التنزيل من دلائل الصدق في التلقي فـ ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) [البقرة : 111] ثالثا : إن أخذ الحذر وعي وسلوك يمكن المسلم من بلوغ أهدافه وحفظ مكتسباته، وليس هاجسا يغرس في نفوس الشباب ليقعدوا عن العمل لهذا الدين، ولذلك لابد من إيجاد التوازن الدقيق بين أخذ الحذر والعمل، وذلك بعدم ترك العمل والركون إلى القعود مهما قست الظروف وغلت التضحيات، وإنما يكون الموقف الصحيح بتكييف العمل مع العطيات الجديدة، تكييفا يحمل في طياته معاني الشجاعة والثبات إضافة إلى معاني الوعي والذكاء، مستحضرين قوله تعالى : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) [آل عمران : 173]. وهذا الجمع المتوازن بين الحذر والعمل هو المعنى المشار إليه في قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ) [النساء : 71]. ملاحظة : ذكرت في هذه الكلمة رؤوس المسائل وبإيجاز شديد فلا تعجز عن التأمل ومعاودة القراءة، ومن أراد التفصيل فعليه بـ ( الإرشاد في فقه الإعداد )، وجزى الله خيرا من ذكرني في صالح دعائه ومن طبع هذه الرسالة ونشرها بين المجاهدين دون تبديل ولا تغيير. والحمد لله وهو ولي التوفيق |
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى