لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة
صفحة 1 من اصل 1
لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة
[الكاتب: عبد الآخر حماد الغنيمي] |
نشرت وسائل الإعلام مؤخراً؛ صوراً قيل إنها لأسرى من القاعدة وطالبان في قاعدة "غوانتانامو" الأميركية بكوبا، وفيها يظهر هؤلاء الإخوة؛ راكعين ومقيدي الأيدي، وقد أجبر هؤلاء المعتقلون - بحسب ما ذكرته وكالات الأنباء - على ارتداء عوازل سود تحجب الرؤية عن العيون، وسدادات في الأذن تمنع عنهم السمع، وأقنعة جراحية تعطل حاسة الشم لديهم، وقفازات ثقيلة بحيث لا يستطيعون لمس شيء أو تحسسه، كما قيدت أرجلهم بعارضات حديدية كانت تستخدم أيام تجارة العبيد [1]. وبينما التزمت حكومات البلاد العربية والإسلامية التي ينتمي إليها هؤلاء الأسرى الصمت تجاه ما يحدث لهم، فإن بعض المنظمات الحقوقية الغربية قد اعتبرت المعاملة التي يلقونها؛ معاملة غير إنسانية تخالف الاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان. وبالنسبة لنا نحن المسلمين... فإن هذه المعاملة السيئة لهؤلاء الأسرى؛ ما هي إلا حلقة من حلقات الطغيان الأمريكي الذي فاق كل الحدود، وهي مظهر من مظاهر الحقد الصليبي الذي لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة. ذلكم الحقد الذي لمسناه في ضراوة الحرب الوحشية التي شنتها أمريكا ضد المسلمين في أفغانستان، والذي نلمسه كل يوم في أي مواجهة يكون المسلمون طرفاً فيها، ويكفي أن نراجع موقف أمريكا من القضية الفلسطينية، وانحيازها المطلق للمجرمين الصهاينة؛ فإذا جرح علج يهودي قامت قيامة أمريكا ولم تقعد، متهمةً عرفات بأنه لا يقوم بواجبه في كبح جماح من تسميهم بـ "الإرهابيين"، أما ما يفعله شارون وزمرته من هدم للمنازل وقتل للأبرياء وتمثيل بجثث القتلى، فهو دفاع عن النفس مشروع. وها هو وسيط سلامهم المزعوم - انطوني زيني - يصف شارون بأنه الأب الحنون ويقول: (الكل حذرني من شارون، لكن عندما التقيته اكتشفت نوعاً من الأب الطيب، الذي كان إيجابياً بانتظام تجاهي، ومستعداً لمساعدتي على الفور)، وبينما يكيل زيني المديح لهذا السفاح شارون نجده يصف عرفات - الذي لم يأل جهداً في إرضاء اليهود والأمريكان – بأنه؛ "زعيم مافيا"، وأن محمد دحلان وجبريل الرجوب؛ هما مساعداه - أي في جرائمه ضد اليهود الأبرياء! - فالأول يحصي القتلى، والثاني يحصي أسلحته [2]. ولسنا بحاجة إلى استعراض تلك المواقف المتعجرفة لأمريكا ضد الإسلام والمسلمين، وذلك أن العليم الخبير قد أخبرنا خبراً صادقاً لا شك فيه ولا امتراء؛ بأن دأب الكافرين أنهم إن ظهروا على المسلمين يوماً فإنهم لا يرعون فيهم عهداً ولا ذمة، كما قال تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون} [التوبة: 8]. إن هذا النص الحكيم ليس مجرد إثبات لموقف تاريخي خاص بمشركي العرب في عهد الرسالة، فهو وإن كان يتحدث في الأصل عنهم، إلا أنه يشير إلى حقيقة ثابتة، وهي؛ أن أهل الكفر في كل زمان ومكان لا يعمدون إلى مصالحة المسلمين والوفاء بعهودهم معهم إلا حال ضعفهم وقدرة المسلمين عليهم، وهم في هذه الحالة يرضون المسلمين بأفواههم بينما تحمل قلوبهم الحقد كل الحقد والبغضاء كل البغضاء. أما في حال قوتهم وغلبتهم؛ فإنهم لا يحترمون عهداً ولا ميثاقاً، بل يعودون لمنطق القوة وما يمليه عليهم ذلك الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين. وعليه فإن تلك الحقيقة التي أشارت إليها الآية الكريمة لم تكن حالة وقتية طارئة خاصة بالمشركين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي كما يقول صاحب "الظلال": (الحالة الدائمة الطبيعية الحتمية، حيثما وجد مؤمنون يدينون بالعبودية لله وحده، ومشركون أو ملحدون يدينون بالعبودية لغير الله في كل مكان وزمان) [3]. وموقف أمريكا الحالي من الإسلام والمسلمين ما هو إلا ترجمة حقيقية لما أشارت إليه الآية الكريمة، ففي الوقت الذي تملأ فيه الدنيا ضجيجاً لما تسميه بـ "انتهاكات حقوق الإنسان" في بعض البلدان، نجدها - إذا ما كان الأمر يتعلق بالمسلمين - تدوس بالنعال كل ما تعارف عليه المجتمع الدولي من اتفاقيات، وما وقعت هي عليه من معاهدات. فهؤلاء الذين أسرتهم في حربها الظالمة على مسلمي أفغانستان؛ هم طبقاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف؛ "أسرى حرب"، لكنهم في العرف الأمريكي المتعجرف؛ ليسوا كذلك بل هم مجرمون إرهابيون. وعشرات القرارات الدولية الصادرة من أممهم المتحدة لا قيمة لها إذا كانت صادرة ضد دولة اليهود في فلسطين، أما المسلمون فهم وحدهم المطالبون بالإذعان لما يسمونه بـ "الشرعية الدولية"، ولا يحق لبلد من بلاد المسلمين أن يرفع صوته متأففاً من قرار ظالم صدر بحقه. وإن أكثر ما يدعو إلى الغيظ؛ هو موقف أولئك القادة العرب الذين لا يزالون يرون في أمريكا راعية لما يسمى بـ "عملية السلام في الشرق الأوسط"، ففي نفس اليوم الذي نشرت فيه تصريحات المدعو "زيني" - التي سبقت الإشارة إليها - وجهت السلطة الفلسطينية دعوة للرئيس الأميركي لإرسال الجنرال "زيني" إلى المنطقة؛ "لاستئناف التنسيق الأمني الثلاثي دون تأخير، ولاستئناف المفاوضات"، وكلنا نعلم أنه لا معنى للتنسيق الأمني إلا محاصرة الجهاد والمجاهدين في فلسطين، إرضاء لليهود والأمريكان. إن موقف الأنظمة العربية من العنجهية الأمريكية؛ يتراوح بين التأييد المطلق والصمت المطبق، والكل يشترك في خوف ذليل، ربما كان أصدق تعبير عنه ما صرح به وزير الخارجية القطري عند زيارته لأمريكا مؤخراً، حيث قال؛ "إنه أتى لكي يتوسل إلى أمريكا من أجل أن تضغط على إسرائيل لرفع المعاناة على الفلسطينيين". إننا بطبيعة الحال لا نقر مثل هذا الخطاب الذليل، ولكنا في نفس الوقت لا بد أن نقرر أن قائله قد أفصح عما لم يستطع غيره الإفصاح عنه من إذلال أمريكا لهؤلاء الحكام الذين لا يستأسدون إلا على أهليهم وبني أوطانهم. ففي الوقت الذي يلمس فيه كل متابع مدى الوحشية التي يعامل بها اليهود أهلنا في فلسطين - وبتأييد كامل من الولايات المتحدة - نجد التعاون على أشده بين أمريكا وهذه الأنظمة العربية، خصوصاً في المجال الاستخباراتي، وقد زار مدير المباحث الفدرالية الأمريكية مصر مؤخراً، وأعلن رضاه عن مستوى التعاون المصري ضد الإرهاب، ومقصوده مدى تعاونها في التضييق على الإسلاميين، ومد أمريكا بما تريده من معلومات عنهم. إن ذلك كله يلقي على عاتق الدعاة إلى الله والعاملين للإسلام مهمة لا بد منها؛ وهي تحذير الأمة من هؤلاء الأمريكان، وتعريف عوام المسلمين بمدى خطورة ما يفعله حكامهم من موالاتهم، وبيان التلبيس الذي يقع في أذهان المسلمين من جراء بعض المواقف غير المنضبطة التي تصدر عن بعض المنسوبين للعلم الشرعي، من مثل تلك الفتوى الباطلة التي أجاز فيها البعض للمسلمين الأمريكيين أن يقاتلوا إخوانهم المسلمين في أفغانستان، ومن مثل موقف البعض من التنديد المطلق بما حدث في الحادي عشر من سبتمبر في واشنطن ونيويورك، ثم الصمت الكامل عن الحملة الظالمة ضد المسلمين في أفغانستان. ويهمني في هذا الصدد أن أثبت اعتراضي الشديد؛ على محاولة بعض الإسلاميين استغلال الظروف الحالية لإظهار خلافهم مع إخوة لهم، هم اليوم في مواجهة مع هذا العدو الغادر، بحيث يظهر الأمر وكأنه محاولة لتصفية حسابات سابقة بينهم. وأشير على وجه الخصوص إلى كتاب صدر مؤخراً لبعض إخواننا الفضلاء عن الدكتور أيمن الظواهري، وفيه من الانتقاد له ما قد نقره لو كان الظرف غير الظرف والحال غير الحال، أما ونحن في مثل ما نحن فيه من الهجمة الأمريكية الشرسة على الإسلام وأهله بدعوى "محاربة الإرهاب"؛ فإني أعتقد أن مثل تلك الكتابات لا تصب إلا في مصلحة أعداء الأمة من اليهود والأمريكان ومن شايعهم. ولا شك أنهم يستغلون ذلك أسوأ استغلال، وإلا فمنذ متى كان المنظِّمون لمعرض القاهرة للكتاب يهتمون بعقد ندوة خاصة لكتاب يصدره أحد الإسلاميين؟! خصوصاً إذا كان الكتاب يتكلم عن الدكتور أيمن الظواهري وكاتبه من المحسوبين على ما يسمى بـ "التيار الجهادي". إننا لا ندعي العصمة لأحد من البشر بعد رسول الله صلى اله عليه وسلم، ولكنا نرى أنه مهما كانت المبررات؛ فإنه ليس من اللائق أن يختار أحدنا للحديث عن أخطاء أخيه وقتاً ينتظر فيه الأخ النصرة من إخوانه ولو بالدعاء له بظهر الغيب. نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين <hr align=right width="35%" color=blue SIZE=1> 1) جريدة الحياة، عدد: 21/1/2001. 2) نقلاً عن موقع قناة الجزيرة، بتاريخ 27/1/2002. 3) في ظلال القرآن: 3/1610. |
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى