حتى لا تسمع للجهاد منادياً
صفحة 1 من اصل 1
حتى لا تسمع للجهاد منادياً
[الكاتب: حمد بن عبد الله الحميدي]
أحمد الله القائل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الانبياء: 105).
وأحمده سبحانه إذ كشف عنا بالجهاد في سبيله كلَّ فتنةِ مدلَهِمَّةِ، وأشكره إذ هدانا للإسلام وجعلنا من خير أمة، وأشهد ألا إله إلا الله القائل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 6).
والصلاة والسلام على النبي القائل: ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أحمد. والقائل:
هل أنت إلا إِصْبَعٌ دَمِيْتِ وفي سبيل الله ما لَقِيْتِ
وبعد:
فهذه كلمات أوجهها إلى المجاهدين في سبيل الله والمرابطين في ثغورهم في بلاد الأفغان وفلسطين والشيشان وغيرها من البلدان وإلى عموم المسلمين في كل مكان. فأوصي الجميع بتقوى الله ومراقبته في السر والعلانية وصدق الالتجاء إليه وتحقيق العبودية والذلة والضراعة والمسكنة بين يديه.
أيها المسلمون:
إن السائر على طريق الحق والهدى ونور الكتاب والسنة لا يستوحش من قلة السالكين ولا يخاف من إرجاف المرجفين ولا من كثرة عَدَد وعُدَد الكافرين فإن الله جل وعلا كتب العزة والنصر والتمكين لعباده الموحدين فالله عز وجل هو الذي أنجى نوحاً والمؤمنين من الغرق كما أنجى خليله إبراهيم من النار وأنقذ موسى ومن معه من فرعون وجنوده وحفظ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من قريش واليهود وسائر الكفرة أجمعين، فقد حاولوا قتله واغتياله ومحاصرته، وألَّبُوا الأحزاب وجمعوا الجموع لاستئصاله والفئة المؤمنة معه، فـ {رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (الأحزاب: 25).
وقد حمل تاريخ الأمة الإسلامية طوال تاريخها الماضي صوراً وضَّاءَةً لنصر عباده المؤمنين وتاييده لهم وتسيير أمورهم على خلاف ما جرت به العادة كجعل البحر الهائج كالطريق المعبد تسير عليه الإبل والخيل كسيرها على الأرض اليابسة، فثقوا بنصر الله وأخلصوا النية وأحسنوا العمل واصدقوا في الضراعة والالتجاء إليه فما خاف من اتصل به ولا ضل من تمسك بحبله ولا هزم من نصره ولا انتصر من عاداه.
كما أوجه ندائي إلى علماء المسلمين: بأنه يجب عليكم الصدع بالحق وحث المسلمين على مناصرة إخوانكم قياماً بالميثاق الذي أخذه الله عليكم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه} (آل عمران: آية187). واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: آية187).
كما أوجه ندائي إلى المسلمين عموماً: بأنه يجب عليكم دعمُ إخوانكم ومساندتهُم والوقوفُ في صفهم والذبُ عن أعراضهم، وإمدادُهم بالمال والرجال والدعاء كلٌ بحسب قدرته واستطاعته.
واعلموا حقيقة الخطر المحدق بكم من قوى الشر وخاصةً دولة أمريكا فإن خطرها عليكم عظيم وذلك بالتطلع على العورات والمقدرات ومعرفة الأسرار العسكرية وغيرها فكونوا منهم على حذر وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه ذلك. واعلموا أن الجهاد بأنواعه باقٍ ما بقيت الدنيا، والمسلمون مطالبون به ما داموا مسلمين.
وإن مما أضعف الجهاد والسماع به والإعداد له بل واستنكاره من البعض إلا بسبب التعايش مع الكفار لأن الجهاد يتناقض مع ميثاق هيئة الأمم حيث أن من أعظم ماقامت عليه هيئة الأمم هو منع الجهاد ولهذا فكل من دخل في هذه الهيئة الطاغوتية أو أراد التعايش مع أعداء الله أو كان منغمساً في النفاق فإنه لا يريد الجهاد في سبيل الله ويحاربه؛ لأن أشد ما يكون عليهم هو إحياء هذه الشعيرة العظيمة. فإن في الجهاد صيانةً لحَمَلَةِ الإسلام من المهانة والذلة ليبلغوا دعوة الله إلى البشرية، وليستمروا في أداء الأمانة حتى يكون الدين كله لله. فكل من لم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو ولم يعد نفسه للغزو فليس على الجادة السوية.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق)) رواه مسلم.
بل ذم الشارع الحكيم من تعلم شيئاً من أمور الجهاد ثم تركه جاء ذلك في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى)) رواه مسلم.
والمقصود من مشروعية الجهاد هو ألا يعبد أحدٌ إلا الله وهذه غاية من أشرف الغايات وأنبلها لأن فيه إزالةً للكفر وإزاحةً للظلم قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة: آية 193).
ومن بواعث الجهاد تحرير الإنسان من عبادة الطواغيت المسيطرين على أبدانهم وعقولهم، ومطاردة شياطين الإنس من الطواغيت وأعوانهم وتحطيم سلطانهم الذي فرضوه على الناس وتقرير ألوهية الله وحده في الأرض، وألا يحكمهم أحد من البشر بأهوائه ونزواته التي يفرضها بلا برهان من الله.
ومن بواعث الجهاد ومقصوده هدم الجاهلية التي كانت عند العرب وعند فارس والروم والفراعنة وتحطيم أصنامهم الحجرية الصامتة، ليُعْلِمَهم تحطيم الأصنام الناطقة كأصنام المجد الكاذبة، وليعطي الأمم المستعبدة حرية الحياة في ظل معبود واحد وهو الله وحده لا شريك له.
ولذا جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)).
وكفى بهذا القتال غايةً وكفى بهذا الدليل رداً على المنهزمين المنحرفين عن الصراط المستقيم القائلين بعدم جهاد الطلب فقد جاءت هذه الشريعة الكاملة بقتال الكفار حيث وجدوا إذا لم يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أذلاء قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 5).
فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك، فلذلك سلط الله رسوله وأتباعه على من كفر به وأشرك فانتزع أموالهم وجعل رزق رسوله من هذا المال لأنه أَحَلُّ الأموال كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} (لأنفال: آية 69).
وهذا مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته فإنهم أهل الغنائم.
فالمشركون والكفار ليسوا أهلاً لهذا المال ولا ليكونوا سكاناً للأرض ولا يستحقون منها شبراً لأن الأرض لله كما قال جل وعلا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
فالمشركون والكفار هم أعداء الله المنابذون له ولرسوله صلى الله عليه وسلم الذين يدينون بغير دين الإسلام، فقتال هؤلاء قد شرعه ربنا وقام به نبيُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وربَّى عليه أصحابه وأمر به أمتَه قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29). وقد أرشدنا ربنا لما فيه عزُنا ونصرُنا على أعدائنا بأمره لنا بقتالهم قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (محمد: 4).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أنِّيَ أُقتلُ في سبيل الله ثم أُحيا ثم أُقتلُ ثم أُحيا ثم أُقتلُ ثم أُحيا ثم أُقتل)) وهذا لفظ البخاري.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغَّبَ في جهاد الأعداء والإقدام في ذلك فعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر وهو يحث المسلمين: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض؟)) قال: يقول: عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟! قال: ((نعم)) قال: بخٍ بخْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قولك بخٍ بخْ)) قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاءةَ أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل) رواه مسلم.
وهؤلاء أصحاب رسول الله يحثون الناس من بعده على قتال أعدائهم فعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: (سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الجنة تحت ظلال السيوف))، فقام رجل رث الهيئة، فقال يا أبا موسى ءأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، قال: فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل) رواه مسلم.
وهذا عمر رضي الله عنه كما في صلح الحديبية وثب مع أبي جندل فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: (اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب) رواه أحمد.
وحتى البيعة كان يبايعهم على الجهاد ولذا كان الأنصار والمهاجرون يقولون مجيبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فيجيبونه بقولهم:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
كما جاء في الصحيحين.
وفي الصحيحين عن مجاشع بن مسعود السلمي قال: جئت بأخي، أبي معبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة قال: ((قد مضت الهجرة بأهلها)) قلت: فبأي شيء تبايعه؟ قال: ((على الإسلام والجهاد والخير)) وهذا لفظ مسلم.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أن الشيطان قاعد في طريق المجاهد يحذره من الجهاد وأن هذا سبب لذهاب نفسك ومالك ويذكره عند خروجه للجهاد بأنك تقتل وتنكح امرأتك وأن مالك يقسم وهكذا دعاة التعايش يثبطون.
أخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِوَل فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمن فعل ذلك كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)).
يالها من كرامة الله لعبده حينما يعصي عدوه ويستجيب لأمر ربه بالقيام بما أوجب الله عليه من جهاد عدوه، وذلك بأن أي موتة تكون له فإنه يصير إلى الجنة.
بل بين الشارع الحكيم بأن من فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهرباً.
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((أنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى غرف الجنة من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهرباً يموت حيث شاء أن يموت)) أخرجه النسائي.
أحمد الله القائل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الانبياء: 105).
وأحمده سبحانه إذ كشف عنا بالجهاد في سبيله كلَّ فتنةِ مدلَهِمَّةِ، وأشكره إذ هدانا للإسلام وجعلنا من خير أمة، وأشهد ألا إله إلا الله القائل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 6).
والصلاة والسلام على النبي القائل: ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أحمد. والقائل:
هل أنت إلا إِصْبَعٌ دَمِيْتِ وفي سبيل الله ما لَقِيْتِ
وبعد:
فهذه كلمات أوجهها إلى المجاهدين في سبيل الله والمرابطين في ثغورهم في بلاد الأفغان وفلسطين والشيشان وغيرها من البلدان وإلى عموم المسلمين في كل مكان. فأوصي الجميع بتقوى الله ومراقبته في السر والعلانية وصدق الالتجاء إليه وتحقيق العبودية والذلة والضراعة والمسكنة بين يديه.
أيها المسلمون:
إن السائر على طريق الحق والهدى ونور الكتاب والسنة لا يستوحش من قلة السالكين ولا يخاف من إرجاف المرجفين ولا من كثرة عَدَد وعُدَد الكافرين فإن الله جل وعلا كتب العزة والنصر والتمكين لعباده الموحدين فالله عز وجل هو الذي أنجى نوحاً والمؤمنين من الغرق كما أنجى خليله إبراهيم من النار وأنقذ موسى ومن معه من فرعون وجنوده وحفظ نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من قريش واليهود وسائر الكفرة أجمعين، فقد حاولوا قتله واغتياله ومحاصرته، وألَّبُوا الأحزاب وجمعوا الجموع لاستئصاله والفئة المؤمنة معه، فـ {رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} (الأحزاب: 25).
وقد حمل تاريخ الأمة الإسلامية طوال تاريخها الماضي صوراً وضَّاءَةً لنصر عباده المؤمنين وتاييده لهم وتسيير أمورهم على خلاف ما جرت به العادة كجعل البحر الهائج كالطريق المعبد تسير عليه الإبل والخيل كسيرها على الأرض اليابسة، فثقوا بنصر الله وأخلصوا النية وأحسنوا العمل واصدقوا في الضراعة والالتجاء إليه فما خاف من اتصل به ولا ضل من تمسك بحبله ولا هزم من نصره ولا انتصر من عاداه.
كما أوجه ندائي إلى علماء المسلمين: بأنه يجب عليكم الصدع بالحق وحث المسلمين على مناصرة إخوانكم قياماً بالميثاق الذي أخذه الله عليكم {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَه} (آل عمران: آية187). واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: آية187).
كما أوجه ندائي إلى المسلمين عموماً: بأنه يجب عليكم دعمُ إخوانكم ومساندتهُم والوقوفُ في صفهم والذبُ عن أعراضهم، وإمدادُهم بالمال والرجال والدعاء كلٌ بحسب قدرته واستطاعته.
واعلموا حقيقة الخطر المحدق بكم من قوى الشر وخاصةً دولة أمريكا فإن خطرها عليكم عظيم وذلك بالتطلع على العورات والمقدرات ومعرفة الأسرار العسكرية وغيرها فكونوا منهم على حذر وقوموا بما أوجب الله عليكم تجاه ذلك. واعلموا أن الجهاد بأنواعه باقٍ ما بقيت الدنيا، والمسلمون مطالبون به ما داموا مسلمين.
وإن مما أضعف الجهاد والسماع به والإعداد له بل واستنكاره من البعض إلا بسبب التعايش مع الكفار لأن الجهاد يتناقض مع ميثاق هيئة الأمم حيث أن من أعظم ماقامت عليه هيئة الأمم هو منع الجهاد ولهذا فكل من دخل في هذه الهيئة الطاغوتية أو أراد التعايش مع أعداء الله أو كان منغمساً في النفاق فإنه لا يريد الجهاد في سبيل الله ويحاربه؛ لأن أشد ما يكون عليهم هو إحياء هذه الشعيرة العظيمة. فإن في الجهاد صيانةً لحَمَلَةِ الإسلام من المهانة والذلة ليبلغوا دعوة الله إلى البشرية، وليستمروا في أداء الأمانة حتى يكون الدين كله لله. فكل من لم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو ولم يعد نفسه للغزو فليس على الجادة السوية.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق)) رواه مسلم.
بل ذم الشارع الحكيم من تعلم شيئاً من أمور الجهاد ثم تركه جاء ذلك في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى)) رواه مسلم.
والمقصود من مشروعية الجهاد هو ألا يعبد أحدٌ إلا الله وهذه غاية من أشرف الغايات وأنبلها لأن فيه إزالةً للكفر وإزاحةً للظلم قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (البقرة: آية 193).
ومن بواعث الجهاد تحرير الإنسان من عبادة الطواغيت المسيطرين على أبدانهم وعقولهم، ومطاردة شياطين الإنس من الطواغيت وأعوانهم وتحطيم سلطانهم الذي فرضوه على الناس وتقرير ألوهية الله وحده في الأرض، وألا يحكمهم أحد من البشر بأهوائه ونزواته التي يفرضها بلا برهان من الله.
ومن بواعث الجهاد ومقصوده هدم الجاهلية التي كانت عند العرب وعند فارس والروم والفراعنة وتحطيم أصنامهم الحجرية الصامتة، ليُعْلِمَهم تحطيم الأصنام الناطقة كأصنام المجد الكاذبة، وليعطي الأمم المستعبدة حرية الحياة في ظل معبود واحد وهو الله وحده لا شريك له.
ولذا جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)).
وكفى بهذا القتال غايةً وكفى بهذا الدليل رداً على المنهزمين المنحرفين عن الصراط المستقيم القائلين بعدم جهاد الطلب فقد جاءت هذه الشريعة الكاملة بقتال الكفار حيث وجدوا إذا لم يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون أذلاء قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 5).
فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك، فلذلك سلط الله رسوله وأتباعه على من كفر به وأشرك فانتزع أموالهم وجعل رزق رسوله من هذا المال لأنه أَحَلُّ الأموال كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} (لأنفال: آية 69).
وهذا مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته فإنهم أهل الغنائم.
فالمشركون والكفار ليسوا أهلاً لهذا المال ولا ليكونوا سكاناً للأرض ولا يستحقون منها شبراً لأن الأرض لله كما قال جل وعلا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
فالمشركون والكفار هم أعداء الله المنابذون له ولرسوله صلى الله عليه وسلم الذين يدينون بغير دين الإسلام، فقتال هؤلاء قد شرعه ربنا وقام به نبيُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وربَّى عليه أصحابه وأمر به أمتَه قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29). وقد أرشدنا ربنا لما فيه عزُنا ونصرُنا على أعدائنا بأمره لنا بقتالهم قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} (محمد: 4).
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أنِّيَ أُقتلُ في سبيل الله ثم أُحيا ثم أُقتلُ ثم أُحيا ثم أُقتلُ ثم أُحيا ثم أُقتل)) وهذا لفظ البخاري.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغَّبَ في جهاد الأعداء والإقدام في ذلك فعن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر وهو يحث المسلمين: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض؟)) قال: يقول: عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟! قال: ((نعم)) قال: بخٍ بخْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قولك بخٍ بخْ)) قال: لا، والله يا رسول الله إلا رجاءةَ أن أكون من أهلها، قال: ((فإنك من أهلها)) فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل) رواه مسلم.
وهؤلاء أصحاب رسول الله يحثون الناس من بعده على قتال أعدائهم فعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: (سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الجنة تحت ظلال السيوف))، فقام رجل رث الهيئة، فقال يا أبا موسى ءأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، قال: فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو، فضرب به حتى قتل) رواه مسلم.
وهذا عمر رضي الله عنه كما في صلح الحديبية وثب مع أبي جندل فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: (اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب) رواه أحمد.
وحتى البيعة كان يبايعهم على الجهاد ولذا كان الأنصار والمهاجرون يقولون مجيبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
فيجيبونه بقولهم:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
كما جاء في الصحيحين.
وفي الصحيحين عن مجاشع بن مسعود السلمي قال: جئت بأخي، أبي معبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة قال: ((قد مضت الهجرة بأهلها)) قلت: فبأي شيء تبايعه؟ قال: ((على الإسلام والجهاد والخير)) وهذا لفظ مسلم.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته أن الشيطان قاعد في طريق المجاهد يحذره من الجهاد وأن هذا سبب لذهاب نفسك ومالك ويذكره عند خروجه للجهاد بأنك تقتل وتنكح امرأتك وأن مالك يقسم وهكذا دعاة التعايش يثبطون.
أخرج الإمام أحمد والنسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك فعصاه فأسلم ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِوَل فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فجاهد))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمن فعل ذلك كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله عز وجل أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)).
يالها من كرامة الله لعبده حينما يعصي عدوه ويستجيب لأمر ربه بالقيام بما أوجب الله عليه من جهاد عدوه، وذلك بأن أي موتة تكون له فإنه يصير إلى الجنة.
بل بين الشارع الحكيم بأن من فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهرباً.
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((أنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة وببيت في وسط الجنة وببيت في أعلى غرف الجنة من فعل ذلك فلم يدع للخير مطلباً ولا من الشر مهرباً يموت حيث شاء أن يموت)) أخرجه النسائي.
رد: حتى لا تسمع للجهاد منادياً
فليسمع ذلك دعاة التعايش مع الكفار ومن لذَّ لهم العيش بالذل والهوان والخزي والعار وهذا لاستحباب الحياة الدنيا على الآخرة، فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة حصل له من الذل.
كما قال ذلك أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما رأى سكة وشيئاً من آلة الحرث، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)) رواه البخاري.
ولذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة، فإنها تشغل عن الجهاد، ولذا قال بعضهم لبعض: لو اتخذت مزرعة للعيال؟ فقال: (ما جئنا زارعين ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم)، أي جئنا مجاهدين ننشر دين الله ونخرج الناس من الظلمات إلى النور فمن أبى الاستجابة ورفض الجزية وأصر على الكفر قاتلناه وغنمنا ماله.
فإذا كان ذلك في الإقبال على الزرع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) كما جاء في الصحيحين من حديث أنس فما بالك بغيره؛ لأن في إقباله على الزرع تجده لا يشتغل في أمور الإعداد للعدو التي جاءت النصوص على الحث عليها.
وإن من رحمة الله لهذه الأمة بأنه لم يأمرها من الإعداد إلا على قدر الطاقة والوسع والإمكان مهما قلَّ ما عندهم وعظم ما عند عدوهم، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (لأنفال: 60).
جاء في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ((وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)).
وجاء عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان)) قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مالكم لا ترمون)) قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا فأنا معكم كلكم)). وقد بوب البخاري عليه باب التحريض على الرمي.
ولأن للرمي خصوصية في آلات الحرب لكونه أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة وهكذا جاءت الأحاديث في الحث على الرمي وبيان فضيلته والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله.
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستفتح عليكم أَرَضُون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه)) رواه مسلم.
وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يربي صحابته على الإعداد فكان يجعل لهم السبق في الخيل كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تُضَمَّر وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق، وسابق بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع).
وهؤلاء صحابته يقتدون من بعده بإعداد العدة والتدريب على القتال، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: (أن علموا غلمانكم العوم، ومُقَاتِلَتكم الرمي) أخرجه الإمام أحمد.
وأيضاً حث صلى الله عليه وسلم على احتباس العدة والعتاد التي للجهاد في سبيل الله وأن له أجراً خاصاً لا يكون إلا لمن احتبسه في سبيل الله.
جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من احتبس فرساً في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقاً بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامه)) أخرجه البخاري.
فهذه أجور عظيمة تكون في ميزان العبد ولذا حض على اكتساب الخيل وندب إلى ربطها في سبيل الله فالخيل المعدة في سبيل الله هي التي في نواصيها الخير وكذا الأجر والمغنم وكذلك آلات الحرب يعدها ويحتبسها في سبيل الله.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر لخالد بن الوليد ويرفع عنه التهمة في منع الزكاة ويخبر بأنه ممن حبس ماله وجعله سلاحاً وعدة لجهاد الكفار، فقال: ((وأما خالد؛ فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
إذاً علينا أن نربي أنفسنا ومن تحت أيدينا وهذا النشء على حب الجهاد في سبيل الله والتطلع إلى نيل أشرف أنواع الموت وهو الشهادة في سبيل الله وأن العبد إذا تمنى الشهادة وهبه الله ذلك وإن مات على فراشه.
جاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)).
فاعلم يا مسلم: أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: آية52).
فمن عاش من المجاهدين عاش كريماً عزيزاً له ثواب الدنيا وعزها وحسن ثواب الآخرة وشرفها ومن قتل منهم فقد نال من الله الكرامة والمنزلة العالية والدرجة الرفيعة مالم ينله غيره من العالمين إلا نبيٌّ أو صديقٌ وفي ترك الجهاد والتثاقل عنه خسارةٌ في الدنيا والآخرة وقد توعد ربنا من فعل ذلك بالعذاب لأن تثاقله بسبب الإخلاد إلى الأرض، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٍ} (التوبة: 39).
وهذا والله عتابٌ وتوبيخٌ يقرأ إلى يوم القيامة وتوعدهم على التسويف بعد وجوب النفير بالاستبدال بغيرهم بعد تعذيبهم لأنهم أصروا على المماطلة وعدم النفير وهكذا يذم الله المتخلفين عن الجهاد في سبيله ويعيبهم كما قال تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} (الفتح: آية11).
فانظر إليهم كيف اعتذروا بالاشتغال بالأهل والأموال عن حضور الجهاد وهذا لسوء ظنهم بالله لأنهم ظنوا أنهم سيقتلون ويستأصلون، ولم يزل هذا الظن يزيد في قلوبهم ويطمئنون إليه حتى استحكم ذلك فيهم وسببه أمران:
أحدهما: أنهم كانوا قوماً بوراً: أي هلكى لا خير فيهم فلو كان فيهم خير لم يكن ذلك في قلوبهم.
ثانيهما: لضعف إيمانهم ويقينهم بوعد الله بنصر دينه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه قال تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} (الفتح: 12).
ولذا قال الله عن المنافقين في اعتذارهم عن الجهاد: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} (التوبة: آية49).
قيل نزلت في الجد بن قيس حين اعتذر عن ترك الجهاد لكي يطلب سلامته من الفتنة من نساء بني الأصفر وعلى تقدير صدقه في ذلك ؛ فإن في إعراضه عن الجهاد ونكوله عنه بسبب مرض قلبه الذي زين له ذلك فإن في ذلك مفسدة كبرى وفتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم يقع فيها بفتنة عظيمة أصابته والله يقول {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (لأنفال: آية39).
فمن ترك الجهاد - الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة - فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من مرض قلبه وضعف إيمانه وتركه ما أمر به ربه في قتال عدوه.
فتدبر هذا فإنه مقام خطير. فكم من الناس اليوم قاموا على المجاهدين بلمزهم وعيبهم كل ذلك محبةً للدنيا وكراهيةً للموت وحباً للرئاسة واللذة والشهوة فكم قدموا العاجل الذي حقيقته غرور وزهدوا في الآجل الذي فيه الجنة والسرور، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى: 17).
وهذا حال أهل النفاق يقومون بتخذيل وتثبيط أهل الإيمان عن الجهاد في سبيل الله قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة: 81).
فهكذا جعلوا النفير مشقة عليهم بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة. وحذروا من الحر الذي تقي منه الظلال، وتذهبه البكور والآصال، على الحر الذي لا يُقدر قدره، وهو النار الحامية التي لا طاقة لهم بها ولا خروج لهم منها، إذ لا يتخلف عن الجهاد إذا دعي إليه إلا منافق معلوم النفاق.
فالحذر كل الحذر من الإصغاء والالتفات إلى المخذلين والمثبطين، وما يلقونه من الشكوك والريب وإساءة الظن بأهل الجهاد في سبيل الله بلمزهم أو النيل منهم وخاصة المجاهدين في بلاد الأفغان.
فحذار حذار من تخلف الأمة عن مواطن عزها وكرامتها بتركها للجهاد وركونها إلى الدنيا كما هو الواقع اليوم فأذلنا عدونا باستخفافه بديننا، وتشكيكه في عقيدتنا، وانتهاكه لحرمتنا، وإهانته مقدساتنا، وهدمه لمساجدنا، وسفكه لدمائنا، وسلبه لأموالنا، واغتصابه أراضينا، فكم تصرف عدونا بأمورنا، وحتى تمكن من رقابنا، بل ربما تصرف بنا أعداؤنا في أمورنا الخاصة فإلى الله نشكوا ما حلَّ بنا في هذا الزمان وهذا كله بما كسبت أيدينا وما ربك بظلام للعبيد.
كفى حزنا للدين أن حماته إذا خذلوه قل لنا: كيف ينصر
متى يسلم الإسلام مما أصابه إذا كان من يرجى يخاف ويحذر
فينبغي لأهل الإسلام أن يفيقوا من رقادهم ويهبوا من غفلتهم بتصحيح عقائدهم وتحكيم شرع ربهم والعودة إلى دينهم ونبذ الشرك والخرافة والبدعة وما يخالف الشرع المطهر ويقوموا بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، واعلموا أن من أعظم ما مَنَّ الله به على هذه الأمة وأسداه عليها من فضله وإحسانه إليها، هو الجهاد في سبيل الله والحراسة والرباط فيه وإغاظة أعداء الله وإنزال الضرر والضيق بهم، فيالها من مرتبة ما أعلاها ومواهب ما أعظمها وأشرفها وأسناها، فالواجب علينا مجاهدة عدونا والتشمير للجهاد عن ساق الاجتهاد، والنفير إلى ذوي العناد، وتجهيز الجيوش والسرايا، وبذل الصلات والنفقات والعطايا، وإقراض الأموال لمن يضاعفها وينميها.
جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلها مخطومة)) رواه مسلم.
وعلينا بدفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 111). وهذه مناداة من الرب لعباده المؤمنين لأعظم تجارة وأجلَّ مطلوب وأعلى مرغوب يحصل به النجاة من العذاب والفوز بأعظم نعيم وأطيب مسكن.
ما هذه التجارة التي هذا قدرها إيمان بالله وبرسوله وبذل النفوس رخيصة في سبيل هذا الإله المعبود بحق وهو الله؟ فابذلوا نفوسكم ومهجكم لمصارمة أعدائكم وإعلاء دين ربكم تلتمسون بذلك رضى ربكم فإذا قمتم بذلك فهذه البشارة من ربكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف: 11).
فلله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذباً لها وتسييراً إلى ربها وما ألطف موقعها من قلب كل محب وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشه حين تباشره معانيها وتشتاق النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التي دلَّ عليها رب العالمين.
لتقوموا بالدعوة لجهاد اعداء الله ركباناً ورجالاً، وأن تنفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً. وأن تتطهروا بإراقة دماء الكفار والمشركين من أدناس الذنوب وأنجاس الأوزار فمن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد، قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف: 13).
فهذا الله يعدهم بما يحبون نصر على الكفار وفتح للديار وهذا كله مبشرات لأهل الإيمان، لقد حرك الداعي إلى الله، وإلى دار السلام النفوس الأبية، والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حياً، فهزه السماع إلى منازل الأبرار، وحدا به في طريق سيره، فما حطت به رحاله إلا بدار القرار، ولا تظن ولا يخطر ببالك أن تدخل الجنة من دون مشقة، واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يدرك النعيم إلا بترك اللذة والنعيم.
وإن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله - عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول إليه - تنقلب عند أهل البصائر منحاً يسرون بها ولا يبالون بها {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 142).
واعلم أن من أعلى مايحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله فإنه سنام المحبة واللائمون عليه كثير، إذ أكثر النفوس تكرهه، واللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذِّل مُفَتِّر للهِمَّة، ومُرجف مُضعف للقوة والقدرة. ولذا لم يستجب لداعي الله في الجهاد إلا من جاء وصفهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: آية54). ولهذا كان الجهاد موجباً للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم كما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69).
كما قال ذلك أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه لما رأى سكة وشيئاً من آلة الحرث، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)) رواه البخاري.
ولذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة، فإنها تشغل عن الجهاد، ولذا قال بعضهم لبعض: لو اتخذت مزرعة للعيال؟ فقال: (ما جئنا زارعين ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم)، أي جئنا مجاهدين ننشر دين الله ونخرج الناس من الظلمات إلى النور فمن أبى الاستجابة ورفض الجزية وأصر على الكفر قاتلناه وغنمنا ماله.
فإذا كان ذلك في الإقبال على الزرع الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) كما جاء في الصحيحين من حديث أنس فما بالك بغيره؛ لأن في إقباله على الزرع تجده لا يشتغل في أمور الإعداد للعدو التي جاءت النصوص على الحث عليها.
وإن من رحمة الله لهذه الأمة بأنه لم يأمرها من الإعداد إلا على قدر الطاقة والوسع والإمكان مهما قلَّ ما عندهم وعظم ما عند عدوهم، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} (لأنفال: 60).
جاء في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ((وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)).
وجاء عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان)) قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مالكم لا ترمون)) قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارموا فأنا معكم كلكم)). وقد بوب البخاري عليه باب التحريض على الرمي.
ولأن للرمي خصوصية في آلات الحرب لكونه أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة وهكذا جاءت الأحاديث في الحث على الرمي وبيان فضيلته والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله.
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ستفتح عليكم أَرَضُون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه)) رواه مسلم.
وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يربي صحابته على الإعداد فكان يجعل لهم السبق في الخيل كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تُضَمَّر وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق، وسابق بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع).
وهؤلاء صحابته يقتدون من بعده بإعداد العدة والتدريب على القتال، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: (أن علموا غلمانكم العوم، ومُقَاتِلَتكم الرمي) أخرجه الإمام أحمد.
وأيضاً حث صلى الله عليه وسلم على احتباس العدة والعتاد التي للجهاد في سبيل الله وأن له أجراً خاصاً لا يكون إلا لمن احتبسه في سبيل الله.
جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من احتبس فرساً في سبيل الله، إيمانا بالله، وتصديقاً بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامه)) أخرجه البخاري.
فهذه أجور عظيمة تكون في ميزان العبد ولذا حض على اكتساب الخيل وندب إلى ربطها في سبيل الله فالخيل المعدة في سبيل الله هي التي في نواصيها الخير وكذا الأجر والمغنم وكذلك آلات الحرب يعدها ويحتبسها في سبيل الله.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذر لخالد بن الوليد ويرفع عنه التهمة في منع الزكاة ويخبر بأنه ممن حبس ماله وجعله سلاحاً وعدة لجهاد الكفار، فقال: ((وأما خالد؛ فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
إذاً علينا أن نربي أنفسنا ومن تحت أيدينا وهذا النشء على حب الجهاد في سبيل الله والتطلع إلى نيل أشرف أنواع الموت وهو الشهادة في سبيل الله وأن العبد إذا تمنى الشهادة وهبه الله ذلك وإن مات على فراشه.
جاء في صحيح مسلم من حديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)).
فاعلم يا مسلم: أن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التوبة: آية52).
فمن عاش من المجاهدين عاش كريماً عزيزاً له ثواب الدنيا وعزها وحسن ثواب الآخرة وشرفها ومن قتل منهم فقد نال من الله الكرامة والمنزلة العالية والدرجة الرفيعة مالم ينله غيره من العالمين إلا نبيٌّ أو صديقٌ وفي ترك الجهاد والتثاقل عنه خسارةٌ في الدنيا والآخرة وقد توعد ربنا من فعل ذلك بالعذاب لأن تثاقله بسبب الإخلاد إلى الأرض، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٍ} (التوبة: 39).
وهذا والله عتابٌ وتوبيخٌ يقرأ إلى يوم القيامة وتوعدهم على التسويف بعد وجوب النفير بالاستبدال بغيرهم بعد تعذيبهم لأنهم أصروا على المماطلة وعدم النفير وهكذا يذم الله المتخلفين عن الجهاد في سبيله ويعيبهم كما قال تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} (الفتح: آية11).
فانظر إليهم كيف اعتذروا بالاشتغال بالأهل والأموال عن حضور الجهاد وهذا لسوء ظنهم بالله لأنهم ظنوا أنهم سيقتلون ويستأصلون، ولم يزل هذا الظن يزيد في قلوبهم ويطمئنون إليه حتى استحكم ذلك فيهم وسببه أمران:
أحدهما: أنهم كانوا قوماً بوراً: أي هلكى لا خير فيهم فلو كان فيهم خير لم يكن ذلك في قلوبهم.
ثانيهما: لضعف إيمانهم ويقينهم بوعد الله بنصر دينه وإعلاء كلمته وقمع أعدائه قال تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} (الفتح: 12).
ولذا قال الله عن المنافقين في اعتذارهم عن الجهاد: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} (التوبة: آية49).
قيل نزلت في الجد بن قيس حين اعتذر عن ترك الجهاد لكي يطلب سلامته من الفتنة من نساء بني الأصفر وعلى تقدير صدقه في ذلك ؛ فإن في إعراضه عن الجهاد ونكوله عنه بسبب مرض قلبه الذي زين له ذلك فإن في ذلك مفسدة كبرى وفتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم يقع فيها بفتنة عظيمة أصابته والله يقول {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (لأنفال: آية39).
فمن ترك الجهاد - الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة - فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من مرض قلبه وضعف إيمانه وتركه ما أمر به ربه في قتال عدوه.
فتدبر هذا فإنه مقام خطير. فكم من الناس اليوم قاموا على المجاهدين بلمزهم وعيبهم كل ذلك محبةً للدنيا وكراهيةً للموت وحباً للرئاسة واللذة والشهوة فكم قدموا العاجل الذي حقيقته غرور وزهدوا في الآجل الذي فيه الجنة والسرور، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى: 17).
وهذا حال أهل النفاق يقومون بتخذيل وتثبيط أهل الإيمان عن الجهاد في سبيل الله قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة: 81).
فهكذا جعلوا النفير مشقة عليهم بسبب الحر، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة. وحذروا من الحر الذي تقي منه الظلال، وتذهبه البكور والآصال، على الحر الذي لا يُقدر قدره، وهو النار الحامية التي لا طاقة لهم بها ولا خروج لهم منها، إذ لا يتخلف عن الجهاد إذا دعي إليه إلا منافق معلوم النفاق.
فالحذر كل الحذر من الإصغاء والالتفات إلى المخذلين والمثبطين، وما يلقونه من الشكوك والريب وإساءة الظن بأهل الجهاد في سبيل الله بلمزهم أو النيل منهم وخاصة المجاهدين في بلاد الأفغان.
فحذار حذار من تخلف الأمة عن مواطن عزها وكرامتها بتركها للجهاد وركونها إلى الدنيا كما هو الواقع اليوم فأذلنا عدونا باستخفافه بديننا، وتشكيكه في عقيدتنا، وانتهاكه لحرمتنا، وإهانته مقدساتنا، وهدمه لمساجدنا، وسفكه لدمائنا، وسلبه لأموالنا، واغتصابه أراضينا، فكم تصرف عدونا بأمورنا، وحتى تمكن من رقابنا، بل ربما تصرف بنا أعداؤنا في أمورنا الخاصة فإلى الله نشكوا ما حلَّ بنا في هذا الزمان وهذا كله بما كسبت أيدينا وما ربك بظلام للعبيد.
كفى حزنا للدين أن حماته إذا خذلوه قل لنا: كيف ينصر
متى يسلم الإسلام مما أصابه إذا كان من يرجى يخاف ويحذر
فينبغي لأهل الإسلام أن يفيقوا من رقادهم ويهبوا من غفلتهم بتصحيح عقائدهم وتحكيم شرع ربهم والعودة إلى دينهم ونبذ الشرك والخرافة والبدعة وما يخالف الشرع المطهر ويقوموا بالجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، واعلموا أن من أعظم ما مَنَّ الله به على هذه الأمة وأسداه عليها من فضله وإحسانه إليها، هو الجهاد في سبيل الله والحراسة والرباط فيه وإغاظة أعداء الله وإنزال الضرر والضيق بهم، فيالها من مرتبة ما أعلاها ومواهب ما أعظمها وأشرفها وأسناها، فالواجب علينا مجاهدة عدونا والتشمير للجهاد عن ساق الاجتهاد، والنفير إلى ذوي العناد، وتجهيز الجيوش والسرايا، وبذل الصلات والنفقات والعطايا، وإقراض الأموال لمن يضاعفها وينميها.
جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة كلها مخطومة)) رواه مسلم.
وعلينا بدفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 111). وهذه مناداة من الرب لعباده المؤمنين لأعظم تجارة وأجلَّ مطلوب وأعلى مرغوب يحصل به النجاة من العذاب والفوز بأعظم نعيم وأطيب مسكن.
ما هذه التجارة التي هذا قدرها إيمان بالله وبرسوله وبذل النفوس رخيصة في سبيل هذا الإله المعبود بحق وهو الله؟ فابذلوا نفوسكم ومهجكم لمصارمة أعدائكم وإعلاء دين ربكم تلتمسون بذلك رضى ربكم فإذا قمتم بذلك فهذه البشارة من ربكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف: 11).
فلله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها بالقلوب وما أعظمها جذباً لها وتسييراً إلى ربها وما ألطف موقعها من قلب كل محب وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشه حين تباشره معانيها وتشتاق النفوس إلى هذه التجارة الرابحة التي دلَّ عليها رب العالمين.
لتقوموا بالدعوة لجهاد اعداء الله ركباناً ورجالاً، وأن تنفروا في سبيل الله خفافاً وثقالاً. وأن تتطهروا بإراقة دماء الكفار والمشركين من أدناس الذنوب وأنجاس الأوزار فمن كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد، قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف: 13).
فهذا الله يعدهم بما يحبون نصر على الكفار وفتح للديار وهذا كله مبشرات لأهل الإيمان، لقد حرك الداعي إلى الله، وإلى دار السلام النفوس الأبية، والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حياً، فهزه السماع إلى منازل الأبرار، وحدا به في طريق سيره، فما حطت به رحاله إلا بدار القرار، ولا تظن ولا يخطر ببالك أن تدخل الجنة من دون مشقة، واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يدرك النعيم إلا بترك اللذة والنعيم.
وإن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله - عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تؤول إليه - تنقلب عند أهل البصائر منحاً يسرون بها ولا يبالون بها {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 142).
واعلم أن من أعلى مايحبه الله ورسوله الجهاد في سبيل الله فإنه سنام المحبة واللائمون عليه كثير، إذ أكثر النفوس تكرهه، واللائمون عليه ثلاثة أقسام: منافق، ومخذِّل مُفَتِّر للهِمَّة، ومُرجف مُضعف للقوة والقدرة. ولذا لم يستجب لداعي الله في الجهاد إلا من جاء وصفهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} (المائدة: آية54). ولهذا كان الجهاد موجباً للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم كما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت: 69).
رد: حتى لا تسمع للجهاد منادياً
فدل على أن أحرص الناس بموافقة الصواب والهداية في جميع سبله تعالى هو المجاهد. ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل رحمة الله عليهما : (إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغور فإن الحق معهم؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} العنكبوت: 69)).
إذاً يتعين على العاقل التعرض لهذه الرتب ومساعدة القائم بها والانظمام إليه والانتظام في سلكه فتربحوا بذلك تجارة الآخرة وتسلموا على دينكم، فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهد بقوله: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى)) رواه مسلم.
وهذا من أجلَّ حديث روي في فضل الجهاد لأنه مَثَّلَ بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال، وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة، فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكباً وماشياً وراقداً ومتلذذاً بكثير ما أبيح له من حديث رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته، الصائم المجتهد. وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، بل وقد تقرر عند الصحابة أن الجهاد من أفضل الأعمال.
كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((لا تستطيعونه))، قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: ((لا تستطيعونه))، وقال في الثالثة: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)) وهذا لفظ مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) رواه البخاري.
والأحاديث في فضل الجهاد متواترة فمن ذلك:
أن من أفضل الناس مؤمناً مجاهداً في سبيل الله بنفسه وماله.
وأن الغدوة والروحة خير من الدنيا وما فيها. وأن في الجنة مائةَ درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض.
وأنه لا يكلم أحد في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك.
وأن من قاتل في سبيل الله فواق ناقة إلا وجبت له الجنة.
وتكفل الله للمجاهد في سبيله أن يتوفاه فيدخله الجنة أو يرجعه سالماً بما أصاب من أجر أو غنيمة.
وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. وأنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً.
وأن الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين.
وأن أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث تشاء. وأن الجهاد والإيمان بالله أفضل الأعمال وأن الجنة تحت ظلال السيوف.
وأنه ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة.
وأن الشهيد لا يحس بألم القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة.
وأن غزوة في سبيل الله أفضل من خمسين حجة.
وأن رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. وأن رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان.
والأحاديث في فضل الجهاد والترغيب فيه كثيرة شهيرة وهذا قليل من كثير تركنا ذكره لقصد الاختصار وعدم التطويل.
فسارعوا عباد الله إلى ما ندبكم الله إليه ورغبكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتنموا حضور المشاهد التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه وهذا باب واسع لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه وهو ظاهر عند الاعتبار، فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل على محبة الله والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له وغير ذلك من سائر الأعمال.
وأن القائم به بين إحدى الحسنيين، إما النصر والظفر، وإما الشهادة والدرجات العُلى في الجنة. إذاً فيه غاية سعادتهم في محياهم ومماتهم، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما.
واعلموا أن الأجل محتوم وأن الرزق مقسوم وأن ما أخطأ لا يصيب، وأن سهم المنية لكل أحد مصيب، وأنَّ كلَ نفس ذائقة الموت، وأن الريَّ الأعظم في شرب كؤوس الحتوف.
ولله در جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
وهذا ابن رواحة رضي الله عنه يقول:
يا نفس إن لاتقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صَلِيْتِ
وما تمنيت قد أعطيتِ إن تفعلي فعلهما هُدِيْتِ
وأصدق من ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158).
ولا تغتروا معاشر المسلمين - وخاصةً المجاهدين - بأهل الكفر وما أُعطوه من القوة والعدة فإنكم تقاتلون بأعمالكم، فإن أصلحتموها وصلحت وعلم الله منكم الصدق في معاملته وإخلاص النية له أعانكم عليهم وأذلهم فإنهم عبيده ونواصيهم بيده وهو الفعال لما يريد {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاد * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران: 197)، {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 151).
وهذه بشارة من ربكم حيث قال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتم الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139) فعليكم بما جاء عن ربكم حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).
وفي الختام: أشكر فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان على بيانه الذي أخرجه وسماه (دعنا نمت حتى ننال شهادة) فهو بيان شافٍ كافٍ أجاد فيه وأفاد فشكر الله سعيه ورفع درجته وثبتنا وإياه على منهاج الكتاب والسنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل المولى أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان وأن ينجح مخططاتهم ويمكنهم من رؤوس أعدائهم.
وأصلي وأسلم على أشرف من قهر الكفار وأذلهم، ورفع أهل الإسلام وأعزهم نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أسوداً بالنهار رهباناً بالليل وسلم تسليماً كثيراً.
[كتبها: حمد بن عبد الله بن إبراهيم الحميدي | 8 / 5 / 1423هـ]
إذاً يتعين على العاقل التعرض لهذه الرتب ومساعدة القائم بها والانظمام إليه والانتظام في سلكه فتربحوا بذلك تجارة الآخرة وتسلموا على دينكم، فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهد بقوله: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى)) رواه مسلم.
وهذا من أجلَّ حديث روي في فضل الجهاد لأنه مَثَّلَ بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال، وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة، فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكباً وماشياً وراقداً ومتلذذاً بكثير ما أبيح له من حديث رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته، الصائم المجتهد. وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، بل وقد تقرر عند الصحابة أن الجهاد من أفضل الأعمال.
كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((لا تستطيعونه))، قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: ((لا تستطيعونه))، وقال في الثالثة: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)) وهذا لفظ مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) رواه البخاري.
والأحاديث في فضل الجهاد متواترة فمن ذلك:
أن من أفضل الناس مؤمناً مجاهداً في سبيل الله بنفسه وماله.
وأن الغدوة والروحة خير من الدنيا وما فيها. وأن في الجنة مائةَ درجة أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض.
وأنه لا يكلم أحد في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك.
وأن من قاتل في سبيل الله فواق ناقة إلا وجبت له الجنة.
وتكفل الله للمجاهد في سبيله أن يتوفاه فيدخله الجنة أو يرجعه سالماً بما أصاب من أجر أو غنيمة.
وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار. وأنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً.
وأن الشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين.
وأن أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث تشاء. وأن الجهاد والإيمان بالله أفضل الأعمال وأن الجنة تحت ظلال السيوف.
وأنه ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة.
وأن الشهيد لا يحس بألم القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة.
وأن غزوة في سبيل الله أفضل من خمسين حجة.
وأن رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. وأن رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان.
والأحاديث في فضل الجهاد والترغيب فيه كثيرة شهيرة وهذا قليل من كثير تركنا ذكره لقصد الاختصار وعدم التطويل.
فسارعوا عباد الله إلى ما ندبكم الله إليه ورغبكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واغتنموا حضور المشاهد التي يترتب عليها إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه وهذا باب واسع لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها مثل ما ورد فيه وهو ظاهر عند الاعتبار، فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة فإنه مشتمل على محبة الله والإخلاص له والتوكل عليه وتسليم النفس والمال له وغير ذلك من سائر الأعمال.
وأن القائم به بين إحدى الحسنيين، إما النصر والظفر، وإما الشهادة والدرجات العُلى في الجنة. إذاً فيه غاية سعادتهم في محياهم ومماتهم، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما.
واعلموا أن الأجل محتوم وأن الرزق مقسوم وأن ما أخطأ لا يصيب، وأن سهم المنية لكل أحد مصيب، وأنَّ كلَ نفس ذائقة الموت، وأن الريَّ الأعظم في شرب كؤوس الحتوف.
ولله در جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
وهذا ابن رواحة رضي الله عنه يقول:
يا نفس إن لاتقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صَلِيْتِ
وما تمنيت قد أعطيتِ إن تفعلي فعلهما هُدِيْتِ
وأصدق من ذلك قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (آل عمران: 158).
ولا تغتروا معاشر المسلمين - وخاصةً المجاهدين - بأهل الكفر وما أُعطوه من القوة والعدة فإنكم تقاتلون بأعمالكم، فإن أصلحتموها وصلحت وعلم الله منكم الصدق في معاملته وإخلاص النية له أعانكم عليهم وأذلهم فإنهم عبيده ونواصيهم بيده وهو الفعال لما يريد {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاد * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران: 197)، {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 151).
وهذه بشارة من ربكم حيث قال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتم الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139) فعليكم بما جاء عن ربكم حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200).
وفي الختام: أشكر فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان على بيانه الذي أخرجه وسماه (دعنا نمت حتى ننال شهادة) فهو بيان شافٍ كافٍ أجاد فيه وأفاد فشكر الله سعيه ورفع درجته وثبتنا وإياه على منهاج الكتاب والسنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل المولى أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان وأن ينجح مخططاتهم ويمكنهم من رؤوس أعدائهم.
وأصلي وأسلم على أشرف من قهر الكفار وأذلهم، ورفع أهل الإسلام وأعزهم نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أسوداً بالنهار رهباناً بالليل وسلم تسليماً كثيراً.
[كتبها: حمد بن عبد الله بن إبراهيم الحميدي | 8 / 5 / 1423هـ]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى