{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}
صفحة 1 من اصل 1
{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}
[الكاتب: عبد الله بن ناصر الرشيد]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يعدوا لعدوه ما يستطيعون، فقال عز وجل: {وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتُم لا تُظلمون}.
وقد أمر الله في الآية بنوعين من الإعداد: إعداد القوة، وإعداد رباط الخيل.
والذي يظهر في معنى الآية أنَّه أراد بالقوة؛ السلاح وآلة الحرب وعدته ورأسه الرمي، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي).
وأراد برباط الخيل؛ ما يدخل في معناها من المركب.
فخصَّ الله الخيل من بين المراكب بلفظ الآية، وخص النبي صلى الله عليه وسلم الرمي من بين القوة في تفسيرها.
ورجّح إمام المفسرين ابن جرير الطبري في معنى "الآخرين الَّذين من دونهم" أنَّهم الجنّ، واستند إلى أنَّ القوم "الآخرين" غيرهم؛ إمَّا يعلمهم المسلمون كبني قريظة، وإمَّا لا يُعلمون لاستتارهم كالمنافقين، ولكنّهم ليسوا مرادين بالآية، بقرينةِ أنَّ المنافقين لا يخشون السلاح والإعداد وكثرته ولا يرهبونه، وإنَّما يخشون أن يُطَّلَع على سرائرهم لأنّهم في الظاهر من المسلمين والإعداد ليس لهم أصلاً.
والإعدادُ فرضٌ على المسلمين، وينقسمُ قسمين:
إعداد عامٌّ للأمة؛ يدخل فيه بناء الحصون، وبثّ العيون، وتوفير السلاح للمسلمين، وإعداد ما يدخل في اسم "السلاح الثقيل"، وكلُّ ما يرهب العدوَّ ويُحتاج إليه في الحرب مما ليس بمقدور الواحد من الناس أن يعدَّه.
وهذا النوع فرضُ كفايةٍ على المسلمين، لدخوله في عموم الأمر في الآيةِ، وحصول الكفاية إذا قام به بعضُ المسلمين، والمخاطب به ابتداءً وليُّ أمر المسلمين، لأنه هو الناظر في مصالحهم، فإن لم يكُن لهم حاكمٌ - كما هو الحال اليوم - فعلى طائفةٍ من المسلمين أن تعدّ منه ما استطاعت، فإن لم يقم بذلك أحدٌ؛ أثمَ كلُّ مستطيعٍ لم يفعَل.
وإعداد خاصٌّ للرجل في خاصة نفسه؛ بمعرفة حمل السلاح، وتعلم فنون الحرب التي لا غنى للمقاتل عنها، وهذا النوع - في حالِ ضعف المسلمين وما نحن فيه اليوم - فرضُ عينٍ على كل مسلمٍ لا تبرأ ذمَّتُهُ إلاَّ به، لعموم الأمر في الآيةِ، ودخوله في الاستطاعة، ولأنَّ الجهاد متعيّن، وإن لم يتعيّن فتعيّنه محتمل في كل وقت؛ إما بعدوٍّ يدهم المسلمين، وإمَّا بإعلان الإمام النفير، وما لا يتم الواجب إلا به واجبٌ.
وأما في أحوالِ قوَّةِ الأُمَّةِ وامتناعِها من عدوِّها، فإعداد ما يُرهب العدوَّ، وإعداد الرجل لنفسه فرضُ كفايةٍ، ولا دليل على التعيُّنِ.
أما ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا)، أو قال: (فقد عصى)، فهو كالتشديد في نسيان القرآن بعد تعلمه [1]، المرادُ به النقص الحاصل بعد الكمال، والحور الكائن بعد الكور، بقرينة الرواية الأخرى للحديث: (فهي نعمةٌ كَفَرَها).
وأما في وقتنا هذا؛ فلا شكَّ أن إعداد الرجل بتدريبه وتسلحه في نفسه فرض عينٍ على القادر، وأنَّ إعداد القوة للأمَّة فرضٌ على من يستطيعه من المسلمين، لانعدام ولاةِ الأمر المسلمين في حكام البلاد، والقاعد في مثل هذه الحالة كالمنافقين الذين قال الله عز وجل فيهم: {ولو أرادوا الخروج لأعدُّوا له عدةً ولكن كره الله انبعاثَهُم فثبَّطهُم وقيل اقعدوا مع القاعدين}.
ولا يُستأذنُ وليُّ الأمرِ في فرضِ الإعدادِ متى كانَ فرضَ عينٍ، ولا يُطاعُ لو نهَى عنهُ ولو كانَ أصلحَ النَّاس وأنصحهم للأُمَّةِ.
وأمَّا حين يكون الإعداد فرض كفايةٍ؛ فإن نهى عنه الإمام الكافر فلا طاعة له، لأنَّ الإعداد واجب لقتالِه، فكيف يُنتظر إذنه فيه؟!
وإن نهَى عنه الإمام المسلم فله حالانِ:
أن يكونَ النَّهيُ مع عدمِ حصولِ الكفايةِ، وعدمِ قيامِ من يكفي أو وجودِ ما يكفي لإرهاب العدوِّ؛ فلا طاعةَ للإمامِ فيهِ.
وأن يكون النهيُ بعد حصولِ ما فيهِ كفايةٌ، فللإمام حالانِ:
أن يكونَ صالحًا، فيُطاع ولو لم تظهرِ المصلحةُ في فعلِه.
وأن يكون فاجرًا لا يُبالي بأمر المسلمين، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "السياسة الشرعية"؛ أنَّ الإمام الفاسِقَ لا يُطاعُ حتَّى تظهرَ المصلحة في فعلهِ، وهو قولٌ قويٌّ، فإنَّ الإمام منوطٌ تصرُّفه بالمصلحة اتفاقًا، فإذا كان صالحًا ثقةً سلِّم النظر في المصلحة إليه، وإن كان فاسقًا غير عدلٍ لم يصحَّ أن تُوكل مصالح المسلمين إليه وتُجعل بيده.
وأما في عصرنا هذا؛
فإعداد ما يستطيعه المسلم، من علوم عسكرية وتدريبٍ بدنيٍّ، وأسلحة متنوعة، وذخائر للأسلحة، ومتفجرات وما يدخل في تصنيعها، كل ذلِك من أوجب الواجبات على المسلمين في كل بلدٍ، فالبلاد ما بين محتلٍّ تحت حكم الصليبيين، ومحتلٍّ تحت حكم المرتدّين العملاء، وما لم يحتلَّه العدوّ الصليبي والكافر الأصلي احتلالاً مباشرًا ينتظر هجمة العدوِّ عليه بين عشيةٍ وضُحاها.
والإعداد الواجب للعدة والعتادِ يحصل بالشراءِ والتهريبِ والتصنيعِ، وكلُّ ذلك من أعظم القرباتِ وأوجبِ الواجباتِ.
وقد رأيتُ "نشرةَ البتَّار"ِ التي تكتبُها "اللجنة العسكرية لمجاهدي تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين" - أسد الشرى وأبطال الوغى - فحمدتُ الله أن تهيَّأ بها بابٌ للتدريبِ لمن عجز عن اللحوق بالمجاهدين وتلقي التدريب عند ذوي الخبرات من المدربين، أسأل الله أن لا يحرم القائمين عليها فضلَه وثواب عملهم، وأن يوفقهم لما هم فيه من إعلاءٍ لكلمة الله، ورفعٍ لرايةِ التوحيدِ.
فحريٌّ بمن صدقَ اللهَ، وعزم على نصرِ دينِ الله، إن عجزَ عن اللحوق بالمجاهدين والاتصال بهم؛ أن لا يفوته الإعداد الواجب عليه بقراءة هذه النشرة والتدرُّبِ على ما فيها، حتى ييسر الله له إلى الجهاد في بلاد الحرمين سبيلاً.
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه؛ عبد الله بن ناصرٍ الرشيد
ليلةَ التاسع عشر من ذي القعدة
عام أربعة وعشرين وأربعمائة وألف
عن نشر البتار، العدد الثاني
ذو القعدة/ 1424 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
1) جاء فيه حديثان مرفوعان ضعيفان عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود، وبعض المراسيل والآثار عن السلف، ومجموعها يدلُّ على كراهة نسيان القرآن بعد تعلُّمه وإن كان يقصر عن إثبات التحريم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يعدوا لعدوه ما يستطيعون، فقال عز وجل: {وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيءٍ في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتُم لا تُظلمون}.
وقد أمر الله في الآية بنوعين من الإعداد: إعداد القوة، وإعداد رباط الخيل.
والذي يظهر في معنى الآية أنَّه أراد بالقوة؛ السلاح وآلة الحرب وعدته ورأسه الرمي، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي).
وأراد برباط الخيل؛ ما يدخل في معناها من المركب.
فخصَّ الله الخيل من بين المراكب بلفظ الآية، وخص النبي صلى الله عليه وسلم الرمي من بين القوة في تفسيرها.
ورجّح إمام المفسرين ابن جرير الطبري في معنى "الآخرين الَّذين من دونهم" أنَّهم الجنّ، واستند إلى أنَّ القوم "الآخرين" غيرهم؛ إمَّا يعلمهم المسلمون كبني قريظة، وإمَّا لا يُعلمون لاستتارهم كالمنافقين، ولكنّهم ليسوا مرادين بالآية، بقرينةِ أنَّ المنافقين لا يخشون السلاح والإعداد وكثرته ولا يرهبونه، وإنَّما يخشون أن يُطَّلَع على سرائرهم لأنّهم في الظاهر من المسلمين والإعداد ليس لهم أصلاً.
والإعدادُ فرضٌ على المسلمين، وينقسمُ قسمين:
إعداد عامٌّ للأمة؛ يدخل فيه بناء الحصون، وبثّ العيون، وتوفير السلاح للمسلمين، وإعداد ما يدخل في اسم "السلاح الثقيل"، وكلُّ ما يرهب العدوَّ ويُحتاج إليه في الحرب مما ليس بمقدور الواحد من الناس أن يعدَّه.
وهذا النوع فرضُ كفايةٍ على المسلمين، لدخوله في عموم الأمر في الآيةِ، وحصول الكفاية إذا قام به بعضُ المسلمين، والمخاطب به ابتداءً وليُّ أمر المسلمين، لأنه هو الناظر في مصالحهم، فإن لم يكُن لهم حاكمٌ - كما هو الحال اليوم - فعلى طائفةٍ من المسلمين أن تعدّ منه ما استطاعت، فإن لم يقم بذلك أحدٌ؛ أثمَ كلُّ مستطيعٍ لم يفعَل.
وإعداد خاصٌّ للرجل في خاصة نفسه؛ بمعرفة حمل السلاح، وتعلم فنون الحرب التي لا غنى للمقاتل عنها، وهذا النوع - في حالِ ضعف المسلمين وما نحن فيه اليوم - فرضُ عينٍ على كل مسلمٍ لا تبرأ ذمَّتُهُ إلاَّ به، لعموم الأمر في الآيةِ، ودخوله في الاستطاعة، ولأنَّ الجهاد متعيّن، وإن لم يتعيّن فتعيّنه محتمل في كل وقت؛ إما بعدوٍّ يدهم المسلمين، وإمَّا بإعلان الإمام النفير، وما لا يتم الواجب إلا به واجبٌ.
وأما في أحوالِ قوَّةِ الأُمَّةِ وامتناعِها من عدوِّها، فإعداد ما يُرهب العدوَّ، وإعداد الرجل لنفسه فرضُ كفايةٍ، ولا دليل على التعيُّنِ.
أما ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من علم الرمي ثم تركه فليس منا)، أو قال: (فقد عصى)، فهو كالتشديد في نسيان القرآن بعد تعلمه [1]، المرادُ به النقص الحاصل بعد الكمال، والحور الكائن بعد الكور، بقرينة الرواية الأخرى للحديث: (فهي نعمةٌ كَفَرَها).
وأما في وقتنا هذا؛ فلا شكَّ أن إعداد الرجل بتدريبه وتسلحه في نفسه فرض عينٍ على القادر، وأنَّ إعداد القوة للأمَّة فرضٌ على من يستطيعه من المسلمين، لانعدام ولاةِ الأمر المسلمين في حكام البلاد، والقاعد في مثل هذه الحالة كالمنافقين الذين قال الله عز وجل فيهم: {ولو أرادوا الخروج لأعدُّوا له عدةً ولكن كره الله انبعاثَهُم فثبَّطهُم وقيل اقعدوا مع القاعدين}.
ولا يُستأذنُ وليُّ الأمرِ في فرضِ الإعدادِ متى كانَ فرضَ عينٍ، ولا يُطاعُ لو نهَى عنهُ ولو كانَ أصلحَ النَّاس وأنصحهم للأُمَّةِ.
وأمَّا حين يكون الإعداد فرض كفايةٍ؛ فإن نهى عنه الإمام الكافر فلا طاعة له، لأنَّ الإعداد واجب لقتالِه، فكيف يُنتظر إذنه فيه؟!
وإن نهَى عنه الإمام المسلم فله حالانِ:
أن يكونَ النَّهيُ مع عدمِ حصولِ الكفايةِ، وعدمِ قيامِ من يكفي أو وجودِ ما يكفي لإرهاب العدوِّ؛ فلا طاعةَ للإمامِ فيهِ.
وأن يكون النهيُ بعد حصولِ ما فيهِ كفايةٌ، فللإمام حالانِ:
أن يكونَ صالحًا، فيُطاع ولو لم تظهرِ المصلحةُ في فعلِه.
وأن يكون فاجرًا لا يُبالي بأمر المسلمين، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "السياسة الشرعية"؛ أنَّ الإمام الفاسِقَ لا يُطاعُ حتَّى تظهرَ المصلحة في فعلهِ، وهو قولٌ قويٌّ، فإنَّ الإمام منوطٌ تصرُّفه بالمصلحة اتفاقًا، فإذا كان صالحًا ثقةً سلِّم النظر في المصلحة إليه، وإن كان فاسقًا غير عدلٍ لم يصحَّ أن تُوكل مصالح المسلمين إليه وتُجعل بيده.
وأما في عصرنا هذا؛
فإعداد ما يستطيعه المسلم، من علوم عسكرية وتدريبٍ بدنيٍّ، وأسلحة متنوعة، وذخائر للأسلحة، ومتفجرات وما يدخل في تصنيعها، كل ذلِك من أوجب الواجبات على المسلمين في كل بلدٍ، فالبلاد ما بين محتلٍّ تحت حكم الصليبيين، ومحتلٍّ تحت حكم المرتدّين العملاء، وما لم يحتلَّه العدوّ الصليبي والكافر الأصلي احتلالاً مباشرًا ينتظر هجمة العدوِّ عليه بين عشيةٍ وضُحاها.
والإعداد الواجب للعدة والعتادِ يحصل بالشراءِ والتهريبِ والتصنيعِ، وكلُّ ذلك من أعظم القرباتِ وأوجبِ الواجباتِ.
وقد رأيتُ "نشرةَ البتَّار"ِ التي تكتبُها "اللجنة العسكرية لمجاهدي تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين" - أسد الشرى وأبطال الوغى - فحمدتُ الله أن تهيَّأ بها بابٌ للتدريبِ لمن عجز عن اللحوق بالمجاهدين وتلقي التدريب عند ذوي الخبرات من المدربين، أسأل الله أن لا يحرم القائمين عليها فضلَه وثواب عملهم، وأن يوفقهم لما هم فيه من إعلاءٍ لكلمة الله، ورفعٍ لرايةِ التوحيدِ.
فحريٌّ بمن صدقَ اللهَ، وعزم على نصرِ دينِ الله، إن عجزَ عن اللحوق بالمجاهدين والاتصال بهم؛ أن لا يفوته الإعداد الواجب عليه بقراءة هذه النشرة والتدرُّبِ على ما فيها، حتى ييسر الله له إلى الجهاد في بلاد الحرمين سبيلاً.
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه؛ عبد الله بن ناصرٍ الرشيد
ليلةَ التاسع عشر من ذي القعدة
عام أربعة وعشرين وأربعمائة وألف
عن نشر البتار، العدد الثاني
ذو القعدة/ 1424 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
1) جاء فيه حديثان مرفوعان ضعيفان عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود، وبعض المراسيل والآثار عن السلف، ومجموعها يدلُّ على كراهة نسيان القرآن بعد تعلُّمه وإن كان يقصر عن إثبات التحريم.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى