"الشرعية الدولية" ومناقضتها للشريعة الإسلامية
صفحة 1 من اصل 1
"الشرعية الدولية" ومناقضتها للشريعة الإسلامية
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
في أزمنة الردة المعاصرة والجاهليات الحديثة أمسينا نسمع كثيرا من المصطلحات التي لا يحل للمسلم أن يقبلها أويسلم بها تسليم سائمة الأنعام، فالمسلم يتميز عن غيره بأن له مرجعية معصومة يرد إليها كل نازلة أو مصطلح، فمتى عرض له شيء من ذلك لم يبادر إلى متابعته أوترديده والتغني به كالببغاوات؛ بل يعرف حقيقته وماهيته ثم يعرضه على شرع الله فإن وافقه فبها ونعمت وإلا فليس له إلا الرد..
إذ أن من القواعد الشرعية الأصيلة في ديننا أن؛ (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
ومن المصطلحات الحادثة التي تعمل أجهزة الإعلام الدولية العالمية على تكريسها وتابعها في بلادنا على ذلك كثير ممن لا خلاق لهم مصطلح "الشرعية الدولية"، فالجميع ينادي بترسيخ هذا المصطلح؛ "احترام الشرعية الدولية"، "تحريم الخروج على الشرعية الدولية"، و "الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية".
فهل هذه "الشرعية الدولية"؛ شرعية في ديننا؟
إن الشرعية الدولية؛ مصطلح يرمي إلى الإحتكام والإلتزام بشرع وضعي وضعته الدول الكبرى الكافرة يحكم علاقات الدول في عالمنا وفقا لتشريعاتهم ومعاييرهم وأعرافهم ومصالحهم هم.
ومعلوم في ديننا حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية - محلية كانت أم دولية - وحكم قبولها كتشريع وقانون.
وسميت "شرعية" مضاهاة بالشرع الإلهي ولتعطى صبغة القداسة التي لا يجوز انتهكاها، فالشرعة أو الشريعة هي الطريقة والمنهاج والدين المعظم الذي لا يجوز أن يخالف أو يعارض أو تنتهك حدوده وأوامره... وكذلك يريد هؤلاء المشركون للشرعية الدولية أن تكون... ولذلك تراهم يصفون القرارات التي تخرج من تحت مظلتها بأنها شرعية؛ وكل ما يخالفها أو يعارضها - ولو كان من صميم دين الله وشرعه - فليس بشرعي عندهم.
وكذلك يتعامل معها سائمة الأنعام الذين ينادون باحترامها وتطبيقها، وكذلك يفعلون مع شرعياتهم الدستورية المحلية فالقوانين والقرارات والمعاهدات والحكومات المنبثقة من دساتيرهم شرعية لا مطعن فيها في دينهم الشركي هذا!! أما شرع الله الحق فليس له في حكوماتهم ومحاكمهم وعلاقاتهم وسياساتهم مكان.. {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}؟!
الشرعية الدولية؛ هي القوانين التي وضعتها الدول الكافرة التي أسست "منظمة الأمم المتحدة"، إثر انتصارها في الحرب العالمية الثانية - أمريكا وبريطانيا وروسيا - ومعها بعد ذلك فرنسا والصين، وصاغت قوانينها طبقا لمصالحها ومصالح حلفاءها في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، فوضعت ما سمته بـ "ميثاق الأمم المتحدة"؛ لتكون له المرجعية الأولى في كل قضية من قضايا العالم، حيث تستمد "الشرعية الدولية" منه الأحكام والقرارات وتستند إليه في الخلافات والنازعات والإجراءات والتحركات [1] .
وليس عجيبا أن تسلم بهذا الميثاق وتصدق عليه كافة دول العالم المرتدة اليوم وفي مقدمتها الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، فمن انسلخ عن ملة التوحيد ودين الله لا يستغرب منه هذا؛ وإنما العجيب والغريب أن يثني على هذا الميثاق ويدعو إلى الالتزام به وينادي بتطبيق قراراته واحترام شرعيتها الدولية ويجرم كل من خالفها وخرج عليها؛ أناس ينتسبون إلى الدعوة إلى الله ويدّعون السعي لتحكيم شرع الله!!
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60].
يقول الحافظ ابن كثير تفسيره: (هذه الآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنّة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطّاغوت هاهنا) اهـ.
ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين: (من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم، فقد حكم الطّاغوت وتحاكم إليه) اهـ.
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتواه حول تحكيم القوانين: (كذَّب الله إيمانهم بقوله {يزعمون}، فكل من تحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد آمن بالطاغوت؛ الإيمان الموجب لكفره بالله) اهـ.
ويقول الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: (وكلّ تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاّغوت) أهـ من تفسير سورة الشّورى.
فلا شرع يحترم ويتحاكم إليه في دين المسلمين إلا شرع الله، ولا مشرع عندهم إلا الله الواحد القهار... وكل احتكام لغير شرع الله فيما لم يأذن به الله؛ فهو التحاكم للطاغوت الذي يناقض ملة التوحيد... فاحترام الشرعية الدولية وميثاقها والتحاكم إليه؛ هو تحاكم للطاغوت ورضى به لا يجادل في ذلك مسلم يعرف دينه.
بل إن ميثاق "الأمم المتحدة"؛ طاغوت وقانون ليس كأي قانون وضعي عادي وليس هو مجرد وثيقة تأسيسية لمنظمة الأمم المتحدة؛ فقد جعله واضعوه أكبر من ذلك بكثير، إن خبراء القانون الدولي وفقهاؤه يعلنون بوضوح وصراحة؛ أن الميثاق هو أعلى مراتب المعاهدات الدولية، وأعظم قواعد القانون الدولي مكانة! ولذلك نصت المادة (103) من هذا الميثاق نفسه على أنه: (إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي يرتبطون به، فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق).
ومعنى ذلك؛ أنه لا يجوز لأي دولة ملتزمة بهذا الميثاق أن تبرم أي اتفاق دولي أو تختار وتلتزم بشرع بينها وبين دولة أخرى تتعارض أحكامه مع القواعد والأحكام الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ولو كان شرع الله العزيز الجبار!
فكل من انتسب إلى هذه المنظمة الخبيثة وتعهد بالالتزام بميثاقها وكذا كل من ينادي بالشرعية الدولية والالتزام بها واحترام قراراتها؛ يقر بهذا الكفر البواح صراحة أو بالإلزام شاء أم أبى.
ومعلوم أنه لا يمكن لأي دولة الإنتساب لعضوية الأمم المتحدة حتى تعلن التزامها واحترامها لهذا الميثاق وتسلم له تسليما... إذ أن إجراءات الانضمام للأمم المتحدة تتلخص في أن تقدم الدولة التي ترغب في الانضمام للأمم المتحدة طلباً بذلك إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ويكون ذلك الطلب مصحوباً بإعلان قبول الإلتزام بميثاق الأمم المتحدة.
وكذلك الأمر بالنسبة للفصل من الأمم المتحدة، فإن "المادة السادسة" من الميثاق تنص على؛ أنّه يجوز للجمعية العامة أن تفصل عضواً من الأعضاء إذا أمعن في انتهاك مبادئ الميثاق.
طبعا هذا البند قد يطبق على أي أحد إلا الدول الكبرى التي وضعت الأمم المتحدة لرعاية مصالحها أصلا، ولذلك فهي تتمتع بحق الفيتو الذي يضمن لها ذلك، وعلى رأسها أمريكا التي ترعى مصالح حليفتها إسرائيل من خلاله؛ بل إن الميثاق وأممه المتحدة قد أمست شرطيا يحرس مصالح هاتين الدولتين على كل صعيد، ولا يجادل في هذا حتى العميان.
وعلى كل حال؛ فهيئة الأمم المتحدة منظمة خاضعة للنفوذ اليهودي الصليبي منذ تأسيسها، ومن يراجع أقسامها وإداراتها وأسماء القائمين عليها يعرف هذا معرفة اليقين… وهي التي أشرفت على تقسيم فلسطين عام 1947م، وطعن هذه المنظمة وطعن إداراتها ومنظماتها المختلفة في دين الإسلام وشرائع القرآن بيّن واضح مكشوف، واسمها "الأمم المتحدة" من أعظم الأدلة على اتحاد وتناصر وتعاضد وتعاون المائة والتسعة وخمسين دولة المشتركة فيها!! فكل دولة تشارك فيها فهي متحدة مع أمم الكفر الأخرى على اختلاف مللها ونحلها ملتزمة - ولا بد - بميثاقها الكفري.
فالذين يطنطنون ويهرفون بالشرعية الدولية ويدعون إلى الالتزام بها واحترامها وتنفيذ قراراتها والالتزام بها يتعامون عن هذه الحقائق الدامغة والدواهي المدهية.
يقول الله تعالى: {إن الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنُطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}
يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه القيم "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" في تفسير هذه الآيات: (اعلم؛ أن كل مسلم يجب عليه في هذا الزمان تأمّل هذه الآيات من سورة محمد وتدبّرها، والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد، لأن كثيراً ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد، لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة.
فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزل الله؛ سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في وعيد الآية، وأحرى من ذلك من يقول لهم؛ سنطيعكم في كل الأمر، كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزّل الله، فإن هؤلاء لاشك أنهم ممن تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، وأنّهم اتّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه وأنّه محبط أعمالهم) أهـ.
أبو محمد المقدسي
شعبان 1423هـ
في أزمنة الردة المعاصرة والجاهليات الحديثة أمسينا نسمع كثيرا من المصطلحات التي لا يحل للمسلم أن يقبلها أويسلم بها تسليم سائمة الأنعام، فالمسلم يتميز عن غيره بأن له مرجعية معصومة يرد إليها كل نازلة أو مصطلح، فمتى عرض له شيء من ذلك لم يبادر إلى متابعته أوترديده والتغني به كالببغاوات؛ بل يعرف حقيقته وماهيته ثم يعرضه على شرع الله فإن وافقه فبها ونعمت وإلا فليس له إلا الرد..
إذ أن من القواعد الشرعية الأصيلة في ديننا أن؛ (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).
ومن المصطلحات الحادثة التي تعمل أجهزة الإعلام الدولية العالمية على تكريسها وتابعها في بلادنا على ذلك كثير ممن لا خلاق لهم مصطلح "الشرعية الدولية"، فالجميع ينادي بترسيخ هذا المصطلح؛ "احترام الشرعية الدولية"، "تحريم الخروج على الشرعية الدولية"، و "الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية".
فهل هذه "الشرعية الدولية"؛ شرعية في ديننا؟
إن الشرعية الدولية؛ مصطلح يرمي إلى الإحتكام والإلتزام بشرع وضعي وضعته الدول الكبرى الكافرة يحكم علاقات الدول في عالمنا وفقا لتشريعاتهم ومعاييرهم وأعرافهم ومصالحهم هم.
ومعلوم في ديننا حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية - محلية كانت أم دولية - وحكم قبولها كتشريع وقانون.
وسميت "شرعية" مضاهاة بالشرع الإلهي ولتعطى صبغة القداسة التي لا يجوز انتهكاها، فالشرعة أو الشريعة هي الطريقة والمنهاج والدين المعظم الذي لا يجوز أن يخالف أو يعارض أو تنتهك حدوده وأوامره... وكذلك يريد هؤلاء المشركون للشرعية الدولية أن تكون... ولذلك تراهم يصفون القرارات التي تخرج من تحت مظلتها بأنها شرعية؛ وكل ما يخالفها أو يعارضها - ولو كان من صميم دين الله وشرعه - فليس بشرعي عندهم.
وكذلك يتعامل معها سائمة الأنعام الذين ينادون باحترامها وتطبيقها، وكذلك يفعلون مع شرعياتهم الدستورية المحلية فالقوانين والقرارات والمعاهدات والحكومات المنبثقة من دساتيرهم شرعية لا مطعن فيها في دينهم الشركي هذا!! أما شرع الله الحق فليس له في حكوماتهم ومحاكمهم وعلاقاتهم وسياساتهم مكان.. {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}؟!
الشرعية الدولية؛ هي القوانين التي وضعتها الدول الكافرة التي أسست "منظمة الأمم المتحدة"، إثر انتصارها في الحرب العالمية الثانية - أمريكا وبريطانيا وروسيا - ومعها بعد ذلك فرنسا والصين، وصاغت قوانينها طبقا لمصالحها ومصالح حلفاءها في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، فوضعت ما سمته بـ "ميثاق الأمم المتحدة"؛ لتكون له المرجعية الأولى في كل قضية من قضايا العالم، حيث تستمد "الشرعية الدولية" منه الأحكام والقرارات وتستند إليه في الخلافات والنازعات والإجراءات والتحركات [1] .
وليس عجيبا أن تسلم بهذا الميثاق وتصدق عليه كافة دول العالم المرتدة اليوم وفي مقدمتها الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، فمن انسلخ عن ملة التوحيد ودين الله لا يستغرب منه هذا؛ وإنما العجيب والغريب أن يثني على هذا الميثاق ويدعو إلى الالتزام به وينادي بتطبيق قراراته واحترام شرعيتها الدولية ويجرم كل من خالفها وخرج عليها؛ أناس ينتسبون إلى الدعوة إلى الله ويدّعون السعي لتحكيم شرع الله!!
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60].
يقول الحافظ ابن كثير تفسيره: (هذه الآية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنّة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطّاغوت هاهنا) اهـ.
ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين: (من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم، فقد حكم الطّاغوت وتحاكم إليه) اهـ.
ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتواه حول تحكيم القوانين: (كذَّب الله إيمانهم بقوله {يزعمون}، فكل من تحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد آمن بالطاغوت؛ الإيمان الموجب لكفره بالله) اهـ.
ويقول الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: (وكلّ تحاكم إلى غير شرع الله فهو تحاكم إلى الطاّغوت) أهـ من تفسير سورة الشّورى.
فلا شرع يحترم ويتحاكم إليه في دين المسلمين إلا شرع الله، ولا مشرع عندهم إلا الله الواحد القهار... وكل احتكام لغير شرع الله فيما لم يأذن به الله؛ فهو التحاكم للطاغوت الذي يناقض ملة التوحيد... فاحترام الشرعية الدولية وميثاقها والتحاكم إليه؛ هو تحاكم للطاغوت ورضى به لا يجادل في ذلك مسلم يعرف دينه.
بل إن ميثاق "الأمم المتحدة"؛ طاغوت وقانون ليس كأي قانون وضعي عادي وليس هو مجرد وثيقة تأسيسية لمنظمة الأمم المتحدة؛ فقد جعله واضعوه أكبر من ذلك بكثير، إن خبراء القانون الدولي وفقهاؤه يعلنون بوضوح وصراحة؛ أن الميثاق هو أعلى مراتب المعاهدات الدولية، وأعظم قواعد القانون الدولي مكانة! ولذلك نصت المادة (103) من هذا الميثاق نفسه على أنه: (إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي يرتبطون به، فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق).
ومعنى ذلك؛ أنه لا يجوز لأي دولة ملتزمة بهذا الميثاق أن تبرم أي اتفاق دولي أو تختار وتلتزم بشرع بينها وبين دولة أخرى تتعارض أحكامه مع القواعد والأحكام الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ولو كان شرع الله العزيز الجبار!
فكل من انتسب إلى هذه المنظمة الخبيثة وتعهد بالالتزام بميثاقها وكذا كل من ينادي بالشرعية الدولية والالتزام بها واحترام قراراتها؛ يقر بهذا الكفر البواح صراحة أو بالإلزام شاء أم أبى.
ومعلوم أنه لا يمكن لأي دولة الإنتساب لعضوية الأمم المتحدة حتى تعلن التزامها واحترامها لهذا الميثاق وتسلم له تسليما... إذ أن إجراءات الانضمام للأمم المتحدة تتلخص في أن تقدم الدولة التي ترغب في الانضمام للأمم المتحدة طلباً بذلك إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ويكون ذلك الطلب مصحوباً بإعلان قبول الإلتزام بميثاق الأمم المتحدة.
وكذلك الأمر بالنسبة للفصل من الأمم المتحدة، فإن "المادة السادسة" من الميثاق تنص على؛ أنّه يجوز للجمعية العامة أن تفصل عضواً من الأعضاء إذا أمعن في انتهاك مبادئ الميثاق.
طبعا هذا البند قد يطبق على أي أحد إلا الدول الكبرى التي وضعت الأمم المتحدة لرعاية مصالحها أصلا، ولذلك فهي تتمتع بحق الفيتو الذي يضمن لها ذلك، وعلى رأسها أمريكا التي ترعى مصالح حليفتها إسرائيل من خلاله؛ بل إن الميثاق وأممه المتحدة قد أمست شرطيا يحرس مصالح هاتين الدولتين على كل صعيد، ولا يجادل في هذا حتى العميان.
وعلى كل حال؛ فهيئة الأمم المتحدة منظمة خاضعة للنفوذ اليهودي الصليبي منذ تأسيسها، ومن يراجع أقسامها وإداراتها وأسماء القائمين عليها يعرف هذا معرفة اليقين… وهي التي أشرفت على تقسيم فلسطين عام 1947م، وطعن هذه المنظمة وطعن إداراتها ومنظماتها المختلفة في دين الإسلام وشرائع القرآن بيّن واضح مكشوف، واسمها "الأمم المتحدة" من أعظم الأدلة على اتحاد وتناصر وتعاضد وتعاون المائة والتسعة وخمسين دولة المشتركة فيها!! فكل دولة تشارك فيها فهي متحدة مع أمم الكفر الأخرى على اختلاف مللها ونحلها ملتزمة - ولا بد - بميثاقها الكفري.
فالذين يطنطنون ويهرفون بالشرعية الدولية ويدعون إلى الالتزام بها واحترامها وتنفيذ قراراتها والالتزام بها يتعامون عن هذه الحقائق الدامغة والدواهي المدهية.
يقول الله تعالى: {إن الذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سوَّل لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزَّل الله سنُطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم}
يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه القيم "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" في تفسير هذه الآيات: (اعلم؛ أن كل مسلم يجب عليه في هذا الزمان تأمّل هذه الآيات من سورة محمد وتدبّرها، والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد، لأن كثيراً ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد، لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة.
فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزل الله؛ سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في وعيد الآية، وأحرى من ذلك من يقول لهم؛ سنطيعكم في كل الأمر، كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزّل الله، فإن هؤلاء لاشك أنهم ممن تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، وأنّهم اتّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه وأنّه محبط أعمالهم) أهـ.
أبو محمد المقدسي
شعبان 1423هـ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى