أرغوا أهل الكفر يا أهل الجهاد
صفحة 1 من اصل 1
أرغوا أهل الكفر يا أهل الجهاد
[الكاتب: حمد بن عبد الله الحميدي]
الحمد لله الذي جعل عزة أهل الإسلام ورفعتهم بالتوحيد والجهاد، وجعل ذلة أهل الكفر وصغارهم بالإعراض والعناد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل يوم الفتح: (احصدوهم حصداً)، فأرغم الله به أنوف أهل الكفر حتى جاءوا بالجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن من أعظم ما يتقرب به إلى الله عز وجل هو الإرغام والتغليظ لأعداء الله من الشياطين والكفار والمرتدين والمنافقين.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
فهؤلاء أعداؤك أيها المسلم وأعداء الرسل، فكلما أظهرت التوحيد وأعلنت الجهاد أرغم الله أعداءك.
فهذا الأذان الذي هو من شعار أهل التوحيد؛ إذا سمعه عدوك الشيطان أرغمه.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر... الحديث).
قال ابن حجر رحمه الله: (ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك؛ إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يصنع ذلك استخفافاً كما يفعله السفهاء، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها).
فهذا فعل شياطين الجن عند الأذان.
وقد أخبر الله عن حال إخوانهم من شياطين الإنس عند مناداة الصلاة، فقال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}.
وكذا مما يغيظ أعداء الله الصدع بالتوحيد:
قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه)، قال: (وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: "إني أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية"، قال: كلمةً واحدةً؟! قال: "كلمةً واحدةً" فقال: "يا عم قولوا: لا إله إلا الله"، فقالوا: إلهاً واحداً؟! {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ})، قال: (فنزل فيهم القران: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، إلى قوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}) [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح].
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: "يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: ما لَكَ؟ قال: "رأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يُمَسِّيكم أما كنتم تصدقوني؟"، قالوا: بلى، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}).
وروى أحمد في مسنده عن ربيعة الدِّيلِيِّ قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يقول: "يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، ويدخل في فجاجها والناس مُتَقَصِّفُونَ عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، وهو لا يسكت يقول: "أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، إلا أَنَّ وَرَاءَهُ رجُلاً أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول: إنه صَابِئ كاذِبٌ، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت: من هذا الذي يكذبه؟ قالوا: عمه أبو لهب).
فدعوة التوحيد التي عليها منهاج النبوة من أعظم ما يغيظ أعداء الله، وكذلك سائر العبادات.
ولذا قالت قريش لابن الدَّغِنَة - لما أجار أبا بكرٍ مر أبا بكر -: (فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا)، فقال ذلك ابن الدَّغِنَة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش المشركين) [رواه البخاري].
وهكذا لما أعلن أبو ذر إسلامه؛ أغاظ الأعداء.
عن ابن عباس: (أن أبا ذر لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري"، فقال: والذي نفسي بيده! لأَصْرُخَنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه، وأتى العباس فأكب عليه قال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه) [متفق عليه].
ومما يغيظ أعداء الله؛ التقرب إلى الله بكثرة السجود:
فإن السجود قربة إلى الله، كما قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لأن السجود لله من أعظم العبادات ومن أعظم أسباب دخول الجنات ورفعة الدرجات.
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: (لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة)، أو قال: (قلت؛ بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئة")، قال معدان: (ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان).
وعن ربيعة ابن كعب الأسلمي قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سلْ"، فقلت: أسالك مرافقتك في الجنة. قال: "أَوْغَيْرَ ذلك؟" قلت: هو ذاك قال: "فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود") [رواهما مسلم].
فالسجود من أعظم ما يغيظ العدو الجني والإنسي.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد، فما بقي أحد إلا سجد، إلا رجل رأيته أخذ كفَّاً من حصى فرفعه فسجد عليه، وقال: هذا يكفيني، فلقد رأيته بعدُ قُتِل كافراً بالله) [متفق عليه].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله! أمر ابن آدم بالسجود، فسجد، فله الجَنَّةُ، وأمرت بالسجود، فأبيت، فلي النار).
وهكذا يرغم عدو الله من سجود السهو روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدْرِ كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجدُ سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً، شفعن له صلاته، وأن كان صلى إتماماً لأربع، كانتا ترغيماً للشيطان).
فهم - أي الكفرة - أهل حنق وحسد وبغض وعدواة لأهل الإسلام، كما قال تعالى {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
وهذا أشد الغيظ والعداوة وهذا يظهر من فلتات ألسنتهم وصفحات وجوههم مع ما تحمل صدورهم من البغضاء لكم، ولذا ما يصيب أهل الإسلام من العزة والرفعة وفي كل حال حسنة؛ إلا ويسوؤهم، {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا}، وقال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، وهذا يدل على شدة عداوة الكافرين، ليقطع المودة بيننا وبينهم.
وهذا ما تنطوي عليه ضمائرهم وتكنه سرائرهم من الحسد والغل لأهل الإيمان.
لكنه يغيظهم ويرغمهم بتعلق أهل الإيمان والجهاد بالصبر والتقوى والتوكل على الحي القيوم، لأن الله هو المحيط بأعدائكم ويرد كيدهم، قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
ومما يغيظ أعداء الله؛ الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام أو لديار تستطيع أن تتعبد الله عز وجل فيها بدون أذى:
قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
فإن هجرة المسلم فيها مراغمة لأهل الكفر، وإن من أشد ما يرغمهم هو مفارقتهم وهجر ديارهم.
وانظر لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة؛ جعل المشركون في ذلك ديةً لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، مائة من الإبل لمن يأتي به حياً أو ميتاً هو أو صاحبه.
وهكذا أرسل المشركون للنجاشي؛ بأن يسلّم من عنده من المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، وأعطوا النجاشي الهدايا لكي يسلمهم فقالوا: (أيها الملك؛ إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عَيْناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه) [رواه أحمد، بسند جيد].
إذاً دل فيما تقدم على أن الهجرة فيها إغاظة لأعداء الله، وأن كل ما يغيظ أعداء الله قربة يتقرب بها العبد إلى الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ومن أشد ما يغيظهم؛ قتالهم وتهديدهم بذلك:
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت: (يا معشر قريش أتسمعون؟! والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح)، فبعد ذلك أفزع أشراف قريش وتغيرت معاملتهم معه.
وقد جاءت النصوص بالشدة على الكفار والإغلاظ عليهم، وهذا من أعظم وصف أهل الإيمان.
بخلاف المنافقين أهل التعايش والانبطاح والتذلل لأهل الكفر.
قال تعالى في وصف نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، فهذا الوصف وكثرة الطاعات التي يقومون بها - كما ذكر الله في الآية - هي التي تغيظ العدو، فقال تعالى في آخر الآية: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}، وأن من قام بهذه الأمور فقد وعده الله وعداً عظيماً، كما قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
فوصف أهل الإيمان الكمّل هو؛ أن يكون شديداً عنيفاً غضوباً عبوساً مضيّقاً مقاتلاً للكفار، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وقال الله آمراً نبيه بمجاهدتهم والإغلاظ عليهم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
وكما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطرق).
فهذه حياة الكفار والمنافقين في الدنيا؛ قطعٌ لرؤوسهم، والتقرب إلى الله بذلك، وبإذلالهم بأخذ الجزية منهم عن يدٍ وهم صاغرون، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}.
وفي الحياة الأخروية؛ مآلهم جهنم، وبئس المصير، ومن يهن الله فماله من مكرم.
والنصوص تواطأت على وجوب قتالهم في كل موطن.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات حتى طهر الله به الجزيرة، فأرغم الله به أنوف الكفرة والملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين.
وهكذا صديق هذه الأمة؛ أبو بكر رضي الله عنه لما تولى، وقد مال الدين ميلةً كاد أن ينجفل، فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد وثبت الدعائم، ورد من شرد عن الدين وهو راغم، بقتاله للمرتدين عن الإسلام، فحينما قاتل أهل الردة؛ بين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، قائماً بسيف الردة على المرتدين، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس].
وهكذا أحل رسول الله دماء أهل الردة بقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث؛ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود].
وأخرج أهل السنن عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس).
وفي الباب عن عائشة وغيرها.
وكلما أظهرت - أيها المجاهد - العداوة والبغضاء وتكفيرهم وقتالهم والبراءة؛ منهم اشتدت الإغاظة لهم.
فيجب عليك - أيها المسلم - المجاهدة لهؤلاء الكفار، وتتبعهم في كل موطن، لكي ترفع لك الدرجات وتحط عنك السيئات، ويكون قتالهم سبباً لفكاك من النار، لأن الجنة تحت ظلال السيوف.
وإن قتلوك؛ فهنيئاً والله لك الشهادة واصطفاء الله لك موتةً تمناها سيد البشر، وهي والله أسرع طريق إلى الجنة والنجاة من النار وأهونها ميتة، إن قاتلتهم صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، لتكون كلمة الله هي العليا، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
وختاماً؛ من يرفع الذلة عن هذه الأمة؟
إنك لتعجب كل العجب أن تُربى أُمة وتُؤمر بنزع السلاح منها، والعدو في داخل ديارها ومحيطٌ بها!
هذا ما أمر به نايف بن عبد العزيز - أبو لهب هذا الزمان - وهدد كل من وجد عنده سلاحٌ بالغرامة المالية والسجن، ما سبب هذه الجريمة؟! إنه حوزة السلاح الذي أمر الله به عباده بالإعداد، ولكن تشريع بوش، وعبيده - عبد الله ونايف ومن على شاكلتهم - يخشون من وجود السلاح في أيدي عباد الله المؤمنين، لكي يدخل العدو وليس في أيديهم قوة يدافعون بها عن أنفسهم وأعراضهم.
يذكّرك ذلك ما ذكر أهل التاريخ بدخول التتار في بلاد المسلمين؛ حيث ذكروا من شدة ما حصل من الذلة ونزع السلاح من المسلمين، حيث أن الرجل أو المرأة من التتار يدخل في بيت من بيوت المسلمين فيجد فيه مجموعة من الرجال، فيقول: (انتظروا)! ثم يذهب ليأتي بسلاح ثم يقتلهم عن آخرهم.
هذا ما يريده هؤلاء الطواغيت اليوم؛ أن تستحل دماؤكم وتستباح أعراضكم.
فأفيقوا يا أهل الجزيرة من غفلتكم؛ بالعودة إلى الله بصدق، وتحديث النفس بالجهاد وإعداد العدة لملاقاة العدو، وأقل الأحوال أن تعدوا شيئاً من السلاح، لا تستذلوا، فما أُذلت الأُمم قبلكم إلا بتركها لدينها وعزوفها عن جهاد عدوها، إذا كان الله يأمرك بالاعداد بقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، فأمر الله بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الإمكان والاستطاعة.
الحمد لله الذي جعل عزة أهل الإسلام ورفعتهم بالتوحيد والجهاد، وجعل ذلة أهل الكفر وصغارهم بالإعراض والعناد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل يوم الفتح: (احصدوهم حصداً)، فأرغم الله به أنوف أهل الكفر حتى جاءوا بالجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن من أعظم ما يتقرب به إلى الله عز وجل هو الإرغام والتغليظ لأعداء الله من الشياطين والكفار والمرتدين والمنافقين.
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
فهؤلاء أعداؤك أيها المسلم وأعداء الرسل، فكلما أظهرت التوحيد وأعلنت الجهاد أرغم الله أعداءك.
فهذا الأذان الذي هو من شعار أهل التوحيد؛ إذا سمعه عدوك الشيطان أرغمه.
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر... الحديث).
قال ابن حجر رحمه الله: (ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك؛ إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يصنع ذلك استخفافاً كما يفعله السفهاء، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها).
فهذا فعل شياطين الجن عند الأذان.
وقد أخبر الله عن حال إخوانهم من شياطين الإنس عند مناداة الصلاة، فقال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}.
وكذا مما يغيظ أعداء الله الصدع بالتوحيد:
قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه)، قال: (وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ما تريد من قومك؟ قال: "إني أريد منهم كلمةً واحدةً تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية"، قال: كلمةً واحدةً؟! قال: "كلمةً واحدةً" فقال: "يا عم قولوا: لا إله إلا الله"، فقالوا: إلهاً واحداً؟! {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ})، قال: (فنزل فيهم القران: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}، إلى قوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}) [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح].
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: "يا صباحاه"، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: ما لَكَ؟ قال: "رأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يُمَسِّيكم أما كنتم تصدقوني؟"، قالوا: بلى، قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}).
وروى أحمد في مسنده عن ربيعة الدِّيلِيِّ قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يقول: "يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، ويدخل في فجاجها والناس مُتَقَصِّفُونَ عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، وهو لا يسكت يقول: "أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، إلا أَنَّ وَرَاءَهُ رجُلاً أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول: إنه صَابِئ كاذِبٌ، فقلت: من هذا؟ قالوا: محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت: من هذا الذي يكذبه؟ قالوا: عمه أبو لهب).
فدعوة التوحيد التي عليها منهاج النبوة من أعظم ما يغيظ أعداء الله، وكذلك سائر العبادات.
ولذا قالت قريش لابن الدَّغِنَة - لما أجار أبا بكرٍ مر أبا بكر -: (فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا)، فقال ذلك ابن الدَّغِنَة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش المشركين) [رواه البخاري].
وهكذا لما أعلن أبو ذر إسلامه؛ أغاظ الأعداء.
عن ابن عباس: (أن أبا ذر لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري"، فقال: والذي نفسي بيده! لأَصْرُخَنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه، وأتى العباس فأكب عليه قال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه) [متفق عليه].
ومما يغيظ أعداء الله؛ التقرب إلى الله بكثرة السجود:
فإن السجود قربة إلى الله، كما قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، لأن السجود لله من أعظم العبادات ومن أعظم أسباب دخول الجنات ورفعة الدرجات.
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: (لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة)، أو قال: (قلت؛ بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئة")، قال معدان: (ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان).
وعن ربيعة ابن كعب الأسلمي قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: "سلْ"، فقلت: أسالك مرافقتك في الجنة. قال: "أَوْغَيْرَ ذلك؟" قلت: هو ذاك قال: "فَأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود") [رواهما مسلم].
فالسجود من أعظم ما يغيظ العدو الجني والإنسي.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم فسجد، فما بقي أحد إلا سجد، إلا رجل رأيته أخذ كفَّاً من حصى فرفعه فسجد عليه، وقال: هذا يكفيني، فلقد رأيته بعدُ قُتِل كافراً بالله) [متفق عليه].
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله! أمر ابن آدم بالسجود، فسجد، فله الجَنَّةُ، وأمرت بالسجود، فأبيت، فلي النار).
وهكذا يرغم عدو الله من سجود السهو روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدْرِ كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجدُ سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً، شفعن له صلاته، وأن كان صلى إتماماً لأربع، كانتا ترغيماً للشيطان).
فهم - أي الكفرة - أهل حنق وحسد وبغض وعدواة لأهل الإسلام، كما قال تعالى {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
وهذا أشد الغيظ والعداوة وهذا يظهر من فلتات ألسنتهم وصفحات وجوههم مع ما تحمل صدورهم من البغضاء لكم، ولذا ما يصيب أهل الإسلام من العزة والرفعة وفي كل حال حسنة؛ إلا ويسوؤهم، {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا}، وقال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، وهذا يدل على شدة عداوة الكافرين، ليقطع المودة بيننا وبينهم.
وهذا ما تنطوي عليه ضمائرهم وتكنه سرائرهم من الحسد والغل لأهل الإيمان.
لكنه يغيظهم ويرغمهم بتعلق أهل الإيمان والجهاد بالصبر والتقوى والتوكل على الحي القيوم، لأن الله هو المحيط بأعدائكم ويرد كيدهم، قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.
ومما يغيظ أعداء الله؛ الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام أو لديار تستطيع أن تتعبد الله عز وجل فيها بدون أذى:
قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
فإن هجرة المسلم فيها مراغمة لأهل الكفر، وإن من أشد ما يرغمهم هو مفارقتهم وهجر ديارهم.
وانظر لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة؛ جعل المشركون في ذلك ديةً لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، مائة من الإبل لمن يأتي به حياً أو ميتاً هو أو صاحبه.
وهكذا أرسل المشركون للنجاشي؛ بأن يسلّم من عنده من المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، وأعطوا النجاشي الهدايا لكي يسلمهم فقالوا: (أيها الملك؛ إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عَيْناً، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه) [رواه أحمد، بسند جيد].
إذاً دل فيما تقدم على أن الهجرة فيها إغاظة لأعداء الله، وأن كل ما يغيظ أعداء الله قربة يتقرب بها العبد إلى الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ومن أشد ما يغيظهم؛ قتالهم وتهديدهم بذلك:
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت: (يا معشر قريش أتسمعون؟! والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح)، فبعد ذلك أفزع أشراف قريش وتغيرت معاملتهم معه.
وقد جاءت النصوص بالشدة على الكفار والإغلاظ عليهم، وهذا من أعظم وصف أهل الإيمان.
بخلاف المنافقين أهل التعايش والانبطاح والتذلل لأهل الكفر.
قال تعالى في وصف نبينا صلى الله عليه وسلم ومن معه: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}، فهذا الوصف وكثرة الطاعات التي يقومون بها - كما ذكر الله في الآية - هي التي تغيظ العدو، فقال تعالى في آخر الآية: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}، وأن من قام بهذه الأمور فقد وعده الله وعداً عظيماً، كما قال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
فوصف أهل الإيمان الكمّل هو؛ أن يكون شديداً عنيفاً غضوباً عبوساً مضيّقاً مقاتلاً للكفار، قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وقال الله آمراً نبيه بمجاهدتهم والإغلاظ عليهم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}.
وكما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطرق).
فهذه حياة الكفار والمنافقين في الدنيا؛ قطعٌ لرؤوسهم، والتقرب إلى الله بذلك، وبإذلالهم بأخذ الجزية منهم عن يدٍ وهم صاغرون، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه}.
وفي الحياة الأخروية؛ مآلهم جهنم، وبئس المصير، ومن يهن الله فماله من مكرم.
والنصوص تواطأت على وجوب قتالهم في كل موطن.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات حتى طهر الله به الجزيرة، فأرغم الله به أنوف الكفرة والملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين.
وهكذا صديق هذه الأمة؛ أبو بكر رضي الله عنه لما تولى، وقد مال الدين ميلةً كاد أن ينجفل، فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد وثبت الدعائم، ورد من شرد عن الدين وهو راغم، بقتاله للمرتدين عن الإسلام، فحينما قاتل أهل الردة؛ بين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله، قائماً بسيف الردة على المرتدين، استدلالاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس].
وهكذا أحل رسول الله دماء أهل الردة بقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث؛ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود].
وأخرج أهل السنن عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث؛ كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس).
وفي الباب عن عائشة وغيرها.
وكلما أظهرت - أيها المجاهد - العداوة والبغضاء وتكفيرهم وقتالهم والبراءة؛ منهم اشتدت الإغاظة لهم.
فيجب عليك - أيها المسلم - المجاهدة لهؤلاء الكفار، وتتبعهم في كل موطن، لكي ترفع لك الدرجات وتحط عنك السيئات، ويكون قتالهم سبباً لفكاك من النار، لأن الجنة تحت ظلال السيوف.
وإن قتلوك؛ فهنيئاً والله لك الشهادة واصطفاء الله لك موتةً تمناها سيد البشر، وهي والله أسرع طريق إلى الجنة والنجاة من النار وأهونها ميتة، إن قاتلتهم صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، لتكون كلمة الله هي العليا، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
وختاماً؛ من يرفع الذلة عن هذه الأمة؟
إنك لتعجب كل العجب أن تُربى أُمة وتُؤمر بنزع السلاح منها، والعدو في داخل ديارها ومحيطٌ بها!
هذا ما أمر به نايف بن عبد العزيز - أبو لهب هذا الزمان - وهدد كل من وجد عنده سلاحٌ بالغرامة المالية والسجن، ما سبب هذه الجريمة؟! إنه حوزة السلاح الذي أمر الله به عباده بالإعداد، ولكن تشريع بوش، وعبيده - عبد الله ونايف ومن على شاكلتهم - يخشون من وجود السلاح في أيدي عباد الله المؤمنين، لكي يدخل العدو وليس في أيديهم قوة يدافعون بها عن أنفسهم وأعراضهم.
يذكّرك ذلك ما ذكر أهل التاريخ بدخول التتار في بلاد المسلمين؛ حيث ذكروا من شدة ما حصل من الذلة ونزع السلاح من المسلمين، حيث أن الرجل أو المرأة من التتار يدخل في بيت من بيوت المسلمين فيجد فيه مجموعة من الرجال، فيقول: (انتظروا)! ثم يذهب ليأتي بسلاح ثم يقتلهم عن آخرهم.
هذا ما يريده هؤلاء الطواغيت اليوم؛ أن تستحل دماؤكم وتستباح أعراضكم.
فأفيقوا يا أهل الجزيرة من غفلتكم؛ بالعودة إلى الله بصدق، وتحديث النفس بالجهاد وإعداد العدة لملاقاة العدو، وأقل الأحوال أن تعدوا شيئاً من السلاح، لا تستذلوا، فما أُذلت الأُمم قبلكم إلا بتركها لدينها وعزوفها عن جهاد عدوها، إذا كان الله يأمرك بالاعداد بقوله: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، فأمر الله بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب الإمكان والاستطاعة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى