أماه.. "ابكي لدين ما عليه بواكي"
صفحة 1 من اصل 1
أماه.. "ابكي لدين ما عليه بواكي"
أوراق من دفتر سجين
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
إن أنسى .. فلن أنس ما حييت ، دموعك التي لم تجف أبدا منذ اعتقالي ..
وفي كل زيارة تذرفين المزيد على شبك الزيارة .. رغم ابتسامتي التي لا تغيب عند لقياك ..
أماه لا يخطر ببالك لحظة .. أن دموعك هينة علي أو ليست بعزيزة لدي .. كلا ..
فقد عرف البعيد والقريب حبي لك وبري بك ..
ولكن قد عرفّتك يا أماه مرارا أن دين الله أعز علينا .. وتوحيد الله أحب إلينا جميعا .. وهذا يا أماه هو عذري إن كنت سببا في المزيد من دموعك وأحزانك .. فاصبري .. فقد قلت لك مرارا وتكرارا ، أنني خلف هذه القضبان لأجل دعوة غالية .. هي دين الله وتوحيده ..
وكفى بهذا وسام فخار على جبينك يا أماه ..
أراك تقطعين الفيافي لأجل زيارتي بين الفينة والأخرى .. وعندما يطول انتظارك خلف أسوار السجن ، تسمعين ثرثرة النساء حول قضايا أبنائهن أو أزواجهن أو إخوانهن .. أكثرها يدور بين السرقة والاغتصاب والمخدرات ، والسلب والقتل وغيرها .. فتأملي كم هي حقيرة ساقطة تلك القضايا الدنيوية التي تزج بأهلها سنينا طوالا ، فتقطع الأرحام ، وتفرق بين الأحباب ، وتستجلب الفتن العظام .. لأجل دنيا فانية .. أو شهوة ساقطة زائلة ..
أما نحن يا أماه .. فقد عرفتك مرارا بطبيعة قضيتنا وتهمتنا ، تهمة عز ورفعة وفخار ، في زمان جثا فيه أكثر الناس ، وتخاذلوا عن نصرة الدين ، وطأطؤوا الرؤوس لجلاديهم ، وقنعوا بعيش ذليل ، ورضوا بصمت يخلصهم من تكاليف هذه الطريق .. فلا بد أن تشمخي وتفخري بهذه المنحة التي اصطفانا الله لها .. وتسأليه سبحانه الثبات والقبول وحسن الختام .. لقد أفهمتك أننا نعني ما نقول حين نسمي قضيتنا ب( لا إله إلا الله ) .. إذ عندنا ما نقول على ذلك ..
وكثيرا ما تعمدنا أن نعلن ذلك أو نخطه على أبواب مهجعنا ، أو في أوراق السجن وبطاقاته .. لجعله مدخلا لدعوة من يستغرب هذه التهمة ويستهجنها من عساكر السجن وضباطه وغيرهم .. حين يبادر بالقول .. وهل ( لا إله إلا الله ) تهمة ؟؟
كلنا نقول ( لا اله إلا الله ) .. كذا يزعمون ..
فنشرح لهم أن لهذه الكلمة العظيمة تكاليف ولوازم وشروط .. وأنها تحوي أمورا عظيمة تثبتها وأخرى تنفيها .. وأن الشأن ليس في قولها .. بل في تحقيق ذلك ..
ثم نبين لهم كيف أنهم يعملون ليل نهار على هدم هذه الكلمة وما تحويه من أركان عظام .. وكيف أنهم جند لأعدائها ، حرب عليها وعلى أهلها وأوليائها فأنا ينفعهم مع ذلك التلفظ بها .. فهذه الكلمة العظيمة .. لها جند يجاهدون من أجلها ، ويبذلون لها مهجهم وأعمارهم .. من أجلها يسجنون ، وفي سبيلها وسبيل تحقيقها وإقامة شرعها ، يبتلون ويعذبون .. ونحن نحتسب أنفسنا أن يجعلنا الله منهم ..
كما أن لها أعداءا وخصوما ؛ ينصرون ما ناقضها وعارضها من شرع الطاغوت ودين الكفار .. والحرب مذ خلق الله الخلق بين الطائفتين مستعرة .. فهم فريقان يختصمون .. خصمان اختصموا في ربهم ..
فمنهم من يطأطئ رأسه حين يسمع هذا ونحوه .. ويعترف بالواقع المرير .. ثم يتعذر بالرزق والأولاد ونحوها من الأعذار .. فننكر عليهم بإبطال تلكم الأعذار .. التي يقارفون بسببها الشرك وينصرونه .. ألم يحذر الله تبارك تعالى ويقول : (( إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم )) …؟ أولم يقل سبحانه وتعالى : (( قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) .
ومنهم من تأخذه العزة بالإثم ويستكبر ويصر على باطله .. ولا عجب أن يضيق أعداء الله ذرعا بهذه الدعوة العظيمة ، التي تعريهم وتعري أربابهم الزائفين ..
فقد قال تعالى : (( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ))
ولا عجب أن يغتاظوا إذا شرحنا لهم تهمتنا كذلك .. فقد قال تعالى : ((إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )) .
سلام عليك يا أماه ..
لقد شرحت لك كثيرا عن طبيعة هذه الطريق وأنها طريق الرسل وأتباعهم وحواريهم .. فعلام تكرار البكاء وذرف الدموع ..؟؟
لن أنس دموعك وأنت تودعينني في زيارتك لي في عيد الأضحى المبارك .. من خلف شبك الزيارة فلا تظني يا أمّ أني لابتسامتي الدائمة، لا أقدر أحزانك أو أستشعر أشجانك .. كلا فليس الأمر كذلك ..
بل أمنيتي أن تتناسي أمر سجني ، وأن توجه تلك الدموع والأحزان والأشجان لما هو أغلى وأسمى .. ويومها أخرجت لك قصيدتي التي مطلعها :
لا تـبكني أمـاه وابـك بلوعة ديـناً جـريحاً ما عليه بــواكيا
ما كنت يومـا رغم حبسي جاثيا فلأجل ربـي أستطـيب عـذابيا
فالسجن خير من حيـاة مذلـةٍ وأنا لـربي قـد نـذرت حياتـيا
والسجن ليس بحابسٍ لي دعـوتي والقيد ليـس بمطفـئ أنواريـا
أنا هـاهنا حر برغم سلاسـلي ورنينها يشـجي ربوع فؤاديـا
أنا هـاهنا حـر ودون قيودنـا شـعبٌ يُطأطئ للخيانة جاثيـا
إلى آخر الأبيات ..
تذكرت دموعك على شبك الزيارة .
وانا أراوغ في أسئلتي يمينا وشمالا .. عن والدي تارة وعن شجيراته .. وعن صغاري ومشاغباتهم وأحيد .. هنا وهناك .. كي أنسيك شجون الحبس . فإذا ما حدت إلى الطاغوت أو بعض أذنابه ، عضضت على شفتيك وأشرت ؛ أن كف لا يسمعوك !!
أماه من أي شيء نخشى .. أو نحاذر .. ؟؟
أوما أخبرتك أننا قد أشبعناهم سماعا..؟
فلم يبقى ما لم يسمعوه فلله در ابتسامتك .. بين تلك الدموع ..
واسلمي لابنك المحب الأسير … عاصم .
وهذه أبيات أهديها إليك ..
" أتعرفين جريمتي "
(من عتمة السجن بل من نور إيماني)(1) ومن فؤادي بل من نزف شرياني
أخـط دعوتي بدمي على ورق (أعددته في غد الأيام أكفاني)
أتعرفـين جـريمتي يا أم أو تهمي تلك التي من أجلها زجوا بجثماني
ومزقوا جسدي من بعد ما يئسوا عن دحر دعوتي أو من نزع إيماني
لأنني عشـت لا أرضـى بطاغية ولا أذل لطـاغوت وخوان
لأنني لـم أرتض صمـتا يخلصني من بطش جلادهم أو ظلم سجان
جريمتي أنني لا زلـت أعلـنها براءتي من كفرهم جهرا بأوطاني
فلا تقـولي أضعت العمـر في محن فإنها منح من فضـل رحـمن
ولا تقولي صغـارك لست ترحمهم فالله يرحـمهم والله يـرعاني
فقـرّ عيـنا ولا تبكي على محني إني رضيت بعـيش العـز ديداني
(زنزانتي خير من صاحبت في زمن) الحاكمون به عـبدوا كأوثان
وإن أودعـها يوما وأهجرها فبندقيتي يا أم : الصـاحب الثاني
أبو محمد
سجن البلقاء –1418هـ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مطلع هذه القصيدة مقتبس من أبيات لصديقنا في السجن الشاعر أيمن العتوم
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
إن أنسى .. فلن أنس ما حييت ، دموعك التي لم تجف أبدا منذ اعتقالي ..
وفي كل زيارة تذرفين المزيد على شبك الزيارة .. رغم ابتسامتي التي لا تغيب عند لقياك ..
أماه لا يخطر ببالك لحظة .. أن دموعك هينة علي أو ليست بعزيزة لدي .. كلا ..
فقد عرف البعيد والقريب حبي لك وبري بك ..
ولكن قد عرفّتك يا أماه مرارا أن دين الله أعز علينا .. وتوحيد الله أحب إلينا جميعا .. وهذا يا أماه هو عذري إن كنت سببا في المزيد من دموعك وأحزانك .. فاصبري .. فقد قلت لك مرارا وتكرارا ، أنني خلف هذه القضبان لأجل دعوة غالية .. هي دين الله وتوحيده ..
وكفى بهذا وسام فخار على جبينك يا أماه ..
أراك تقطعين الفيافي لأجل زيارتي بين الفينة والأخرى .. وعندما يطول انتظارك خلف أسوار السجن ، تسمعين ثرثرة النساء حول قضايا أبنائهن أو أزواجهن أو إخوانهن .. أكثرها يدور بين السرقة والاغتصاب والمخدرات ، والسلب والقتل وغيرها .. فتأملي كم هي حقيرة ساقطة تلك القضايا الدنيوية التي تزج بأهلها سنينا طوالا ، فتقطع الأرحام ، وتفرق بين الأحباب ، وتستجلب الفتن العظام .. لأجل دنيا فانية .. أو شهوة ساقطة زائلة ..
أما نحن يا أماه .. فقد عرفتك مرارا بطبيعة قضيتنا وتهمتنا ، تهمة عز ورفعة وفخار ، في زمان جثا فيه أكثر الناس ، وتخاذلوا عن نصرة الدين ، وطأطؤوا الرؤوس لجلاديهم ، وقنعوا بعيش ذليل ، ورضوا بصمت يخلصهم من تكاليف هذه الطريق .. فلا بد أن تشمخي وتفخري بهذه المنحة التي اصطفانا الله لها .. وتسأليه سبحانه الثبات والقبول وحسن الختام .. لقد أفهمتك أننا نعني ما نقول حين نسمي قضيتنا ب( لا إله إلا الله ) .. إذ عندنا ما نقول على ذلك ..
وكثيرا ما تعمدنا أن نعلن ذلك أو نخطه على أبواب مهجعنا ، أو في أوراق السجن وبطاقاته .. لجعله مدخلا لدعوة من يستغرب هذه التهمة ويستهجنها من عساكر السجن وضباطه وغيرهم .. حين يبادر بالقول .. وهل ( لا إله إلا الله ) تهمة ؟؟
كلنا نقول ( لا اله إلا الله ) .. كذا يزعمون ..
فنشرح لهم أن لهذه الكلمة العظيمة تكاليف ولوازم وشروط .. وأنها تحوي أمورا عظيمة تثبتها وأخرى تنفيها .. وأن الشأن ليس في قولها .. بل في تحقيق ذلك ..
ثم نبين لهم كيف أنهم يعملون ليل نهار على هدم هذه الكلمة وما تحويه من أركان عظام .. وكيف أنهم جند لأعدائها ، حرب عليها وعلى أهلها وأوليائها فأنا ينفعهم مع ذلك التلفظ بها .. فهذه الكلمة العظيمة .. لها جند يجاهدون من أجلها ، ويبذلون لها مهجهم وأعمارهم .. من أجلها يسجنون ، وفي سبيلها وسبيل تحقيقها وإقامة شرعها ، يبتلون ويعذبون .. ونحن نحتسب أنفسنا أن يجعلنا الله منهم ..
كما أن لها أعداءا وخصوما ؛ ينصرون ما ناقضها وعارضها من شرع الطاغوت ودين الكفار .. والحرب مذ خلق الله الخلق بين الطائفتين مستعرة .. فهم فريقان يختصمون .. خصمان اختصموا في ربهم ..
فمنهم من يطأطئ رأسه حين يسمع هذا ونحوه .. ويعترف بالواقع المرير .. ثم يتعذر بالرزق والأولاد ونحوها من الأعذار .. فننكر عليهم بإبطال تلكم الأعذار .. التي يقارفون بسببها الشرك وينصرونه .. ألم يحذر الله تبارك تعالى ويقول : (( إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم )) …؟ أولم يقل سبحانه وتعالى : (( قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )) .
ومنهم من تأخذه العزة بالإثم ويستكبر ويصر على باطله .. ولا عجب أن يضيق أعداء الله ذرعا بهذه الدعوة العظيمة ، التي تعريهم وتعري أربابهم الزائفين ..
فقد قال تعالى : (( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ))
ولا عجب أن يغتاظوا إذا شرحنا لهم تهمتنا كذلك .. فقد قال تعالى : ((إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )) .
سلام عليك يا أماه ..
لقد شرحت لك كثيرا عن طبيعة هذه الطريق وأنها طريق الرسل وأتباعهم وحواريهم .. فعلام تكرار البكاء وذرف الدموع ..؟؟
لن أنس دموعك وأنت تودعينني في زيارتك لي في عيد الأضحى المبارك .. من خلف شبك الزيارة فلا تظني يا أمّ أني لابتسامتي الدائمة، لا أقدر أحزانك أو أستشعر أشجانك .. كلا فليس الأمر كذلك ..
بل أمنيتي أن تتناسي أمر سجني ، وأن توجه تلك الدموع والأحزان والأشجان لما هو أغلى وأسمى .. ويومها أخرجت لك قصيدتي التي مطلعها :
لا تـبكني أمـاه وابـك بلوعة ديـناً جـريحاً ما عليه بــواكيا
ما كنت يومـا رغم حبسي جاثيا فلأجل ربـي أستطـيب عـذابيا
فالسجن خير من حيـاة مذلـةٍ وأنا لـربي قـد نـذرت حياتـيا
والسجن ليس بحابسٍ لي دعـوتي والقيد ليـس بمطفـئ أنواريـا
أنا هـاهنا حر برغم سلاسـلي ورنينها يشـجي ربوع فؤاديـا
أنا هـاهنا حـر ودون قيودنـا شـعبٌ يُطأطئ للخيانة جاثيـا
إلى آخر الأبيات ..
تذكرت دموعك على شبك الزيارة .
وانا أراوغ في أسئلتي يمينا وشمالا .. عن والدي تارة وعن شجيراته .. وعن صغاري ومشاغباتهم وأحيد .. هنا وهناك .. كي أنسيك شجون الحبس . فإذا ما حدت إلى الطاغوت أو بعض أذنابه ، عضضت على شفتيك وأشرت ؛ أن كف لا يسمعوك !!
أماه من أي شيء نخشى .. أو نحاذر .. ؟؟
أوما أخبرتك أننا قد أشبعناهم سماعا..؟
فلم يبقى ما لم يسمعوه فلله در ابتسامتك .. بين تلك الدموع ..
واسلمي لابنك المحب الأسير … عاصم .
وهذه أبيات أهديها إليك ..
" أتعرفين جريمتي "
(من عتمة السجن بل من نور إيماني)(1) ومن فؤادي بل من نزف شرياني
أخـط دعوتي بدمي على ورق (أعددته في غد الأيام أكفاني)
أتعرفـين جـريمتي يا أم أو تهمي تلك التي من أجلها زجوا بجثماني
ومزقوا جسدي من بعد ما يئسوا عن دحر دعوتي أو من نزع إيماني
لأنني عشـت لا أرضـى بطاغية ولا أذل لطـاغوت وخوان
لأنني لـم أرتض صمـتا يخلصني من بطش جلادهم أو ظلم سجان
جريمتي أنني لا زلـت أعلـنها براءتي من كفرهم جهرا بأوطاني
فلا تقـولي أضعت العمـر في محن فإنها منح من فضـل رحـمن
ولا تقولي صغـارك لست ترحمهم فالله يرحـمهم والله يـرعاني
فقـرّ عيـنا ولا تبكي على محني إني رضيت بعـيش العـز ديداني
(زنزانتي خير من صاحبت في زمن) الحاكمون به عـبدوا كأوثان
وإن أودعـها يوما وأهجرها فبندقيتي يا أم : الصـاحب الثاني
أبو محمد
سجن البلقاء –1418هـ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مطلع هذه القصيدة مقتبس من أبيات لصديقنا في السجن الشاعر أيمن العتوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى