حوار بين عساكر التوحيد وعساكر الشرك والتنديد "2"
صفحة 1 من اصل 1
حوار بين عساكر التوحيد وعساكر الشرك والتنديد "2"
حوار بين عساكر التوحيد وعساكر الشرك والتنديد "2"
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
(1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال لي سجين: اليوم زارني أهلي، وذهب وقت زيارتهم وأنا نائم وهم ينتظرون دون أن يخبرني بذلك أحد، لكن "فلان" [1] جزاه الله خيرا سمح لهم بتكرار الزيارة.
فقلت: الحمد لله، الله كريم.
فتدخل الأمن الوقائي في الحديث موجها كلامه لي: وأنا مش كريم؟
يقصد لأنه كرر الزيارة لأهل السجين.
فقلت: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم) [2] فكثير من الناس يسخرهم الله تعالى لخدمة هذا الدين وأهله دون نية منهم لنصر دين الله، وهذا إنما يحمد عليه الله وحده، وهم لا ينالون بذلك أجرا... أنظر إلى فهد بن عبد العزيز قد طبع مئات الملايين من المصحف الشريف، فهذا سخره الله لخدمة هذا الدين، وليس له من عمله هذا عند الله أجرا مادام على شركه وتوليه للكفار، قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
فقال: كيف تعلم وتجزم بهذا؟ فهذا علمه عند الله!!
قلت: قد أعلمناه الله في كتابه، فقال عن أعمال المشركين: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، يعني قد يبني المشرك المستشفيات والمساجد ويعمل كثيرا من أعمال البر والخير، ولكن مادام ذلك غير مبني على قاعدة الإيمان والتوحيد - أول شرط من شروط صحة العمل وقبوله - فعمله يكون بذلك باطلا مردودا غير متقبل، فمن يشرك بالله أو يوالي المشركين ويتابع تشريعاتهم الباطلة أو يحرسها ويحميها ويحارب الموحدين المبغضين لها، فليس من الله في شيء، ولا تقبل أعماله حتى يبرأ إلى الله من الشرك والطواغيت.
قال: والله يا شيخ أنت ثلاثة أرباع كلامك حلو، إلا الربع الذي فيه الطواغيت... والطواغيت.
قلت: هذا هو أهم وأحسن ربع عندي.
ثم مضيت معرضا عنه إلى زياراتي.
* * *
(2)
سألني سجان يوما عن حدود عورة الرجل وذكر في ذلك بعض الأحاديث التي ظاهرها عنده التعارض، ولأنه يسمع منا كثيرا تكفير طواغيته ومن ناصرهم ومن شايعهم فقد أورد علينا إضافة إلى ذلك بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تذكر الصلاة على أنها عاصم للدم، وأراد الجواب على ذلك.
فقلت:
أولا؛ بالنسبة لسؤال حدود العورة:
اعلم هداك الله... أن نصوص الشريعة لا تتعارض، فإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم فعل شيئاً خلافه، فللعلماء في هذا الباب مسالك؛
أولها: الجمع بين النصوص ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ بأن يقال أن العورة المغلظة هي السوأتين، والعورة المخففة - غير المغلظة - الفخذين.
أو يقال؛ بأن الأمر مقدم على الفعل، أي أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم عند التعارض على فعله، لأن الفعل قد يكون أحيانا خاصا به صلى الله عليه وسلم، أما الأمر فهو لعموم الأمة، وبالتالي يقال إن الفخذ عورة للأمر بتغطيته، وهذا مقدم على الفعل.
أو يقال بالنسخ، فيكون أمره ناسخ لفعله وهذا يحتاج لإثباته دليل يحدد تاريخ الأمر، وتأخره على الفعل ليعرف الناسخ والمنسوخ.
ونحن نقول كما قال البخاري رحمه الله: (حديث جرهد - حديث الأمر بتغطية الفخذ [3] - أورع، وحديث أنس - الذي فيه كشف الفخذ – أسند).
فالخلاصة؛ أن تغطية الفخذ من كمال وتمام الورع، وهو عورة، ولكنه ليس عورة مغلظة كالسوأتين.
ثانيا:
اعلم هداك الله أن كشف التوحيد وتعرية الدين وخذلانه أعظم من كشف الفخذين وغيره، ولذلك فعلى المرء أن يحافظ على توحيده ودينه من الشرك ومن موالاة المرتدين أشد وأعظم من محافظته على عورته.
وبالنسبة للأحاديث التي ذكرت الصلاة كمانع من القتل وكعاصم للدم، كحديث مسلم في حق الأمراء: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة). فإنه إشارة كما قال العلماء إلى إقامة الدين والتوحيد، ومثله حديث ذي الخويصرة التميمي، إذ الصلاة بدون التوحيد لا قيمة لها.
فالتوحيد شرط من شروط العبادة ولا تقبل العبادة أبدا إذا انخرم هذا الشرط أو انتقض، فهو أخطر من سائر الشروط وأهم.
أرأيت لو صلى رجل من غير وضوء، فهل تقبل صلاته أو تصح؟
قال: لا... صلاته باطلة.
قلت: طبعا صلاته باطلة، لأنّ الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، والشرط كما عرفه العلماء؛ "ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود"، فكيف بأعظم شرط؛ التوحيد الذي بعث الله به كافة أنبيائه وأنزل من أجله كافة كتبه، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال تعالى: {لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، فبين الله أن من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فإنه هو الناجي الذي تقبل عبادته، أما من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت - كمن صلى وصام وهو في الوقت نفسه يحرس الطاغوت وقانونه ويظهر موالاته وحبه ونصرته - فمثل هذا ظاهره أنه غير مستمسك بالعروة الوثقى التي عليها مدار النجاة وقبول العبادات.
فأعظم شروط قبول العبادة هو؛ التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد، ومن هدم هذا الشرط لم تنفعه صلاته أو صيامه أو غيره، قال تعالى عمن جاء بأعمال وعبادات غير مقرونة بهذا الشرط العظيم - التوحيد -: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، وقال سبحانه: {أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه}.
وقال عز وجل: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة} أي؛ ناصبة في الدنيا بالعبادة ومع هذا فقد أخبر تعالى أن مصيرها: {تصلى نارا حامية} لأن نصبها بالعبادة كان دون تحقيق شرط التوحيد، ولذلك لم يكن من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أن يدعون الناس إلى الصلاة قبل تحقيق هذا الشرط العظيم - التوحيد - بل كانوا يدعونهم أول ما يدعونهم إلى تحقيق التوحيد، فإن حققوه بينوا لهم أن عليهم صلاة وزكاة وغير ذلك من الشرائع التي لا تقبل بدون شرط التوحيد.
ومن أوضح الأدلة على هذا؛ حديث معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، أوصاه فقال: (فإذا جئتهم فادعهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله - وفي رواية: فليكن أول ماتدعوهم إليه أن يوحدوا الله - فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم... الحديث) [4].
فاعلم أنه بدون توحيد، لا تقبل صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولذلك توضح وتبين الأحاديث المسؤول عنها بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أقاموا الصلاة)؛ أي: مع التوحيد، لأن الصلاة لا تقبل بدون وضوء... فلو سألتك: هل في هذه الأحاديث ذكر للوضوء، وأنه شرط؟
قال: لا!!
قلت: فمن أين لك أن الوضوء شرط ومطلوب؟
قال: من أحاديث أخرى.
قلت: وكذلك الأمر بالنسبة للتوحيد، فإنه أعظم الشروط والفرائض.
هدانا الله وإياك إلى الحق المبين، ونجاك مما أنت فيه من الباطل العظيم.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين
آخر شهر ربيع الأول لسنة 1416 هـ
* * *
(3)
زار السجن في 15 شوال سنة 1416 هـ الموافق 5/3/1996م رئيس لجنة الحريات العامة في مجلس التشريع "ذيب عبد الله" وذلك بعد يوم واحد من إعطائه الثقة للحكومة الكباريتية، فتلقفه السجناء بمطالبهم واسترحاماتهم وأوراقهم، ولم يسلم من ذلك للأسف حتى بعض أصحاب القضايا الإسلامية، وفي خاتمة جولته قبل أن يغادر السجن، كان لنا معه بفضل الله تعالى هذا الموقف أمام مرتب إدارة السجن:
قلت: نحن لم نأت لمقابلتك كي نطلب منك مطالب كغيرنا أو نشكوا لك أحوال السجن وممارسات إدارته مع ذوينا وزوارنا ونحو ذلك، فإن الصليب الأحمر وغيره من الهيئات يأتون دوما لأجل ذلك فلا نخرج لهم، ولا نشكوا لهم شيئا، فالله هو مولانا وهو يتولانا سبحانه، ولن يخرجنا من هذا السجن لا أنتم ولا غيركم ولا حتى ملككم، لكن عندما يأذن الله بذلك سنخرج بإرادة الله رغماً عن أنف كل أحد؛ وإنما جئنا نذكرك في الله وندعوك إلى الله، فنحن نعلم ولا نشك أنك جئت هنا حرصاً علينا وتتمنى لو تتمكن من إخراجنا من هذا السجن.
قال: نعم والله...
قلت: ونحن والله الذي لا إله إلا هو كذلك حريصون عليك وعلى هؤلاء الناس - وأشرت إلى الضباط وأفراد الأمن الوقائي - أن نخرجكم من السجن الذي وضعتكم فيه هذه الحكومة التي لا تحكم بما أنزل الله... والسجن الذي أدخلت نفسك فيه بمشاركتك في البرلمان التشريعي، فإن سجننا هذا لا شيء مقابل سجن جهنم، قال تعالى: {إن كتاب الفجّار لفي سجّين}، وقال عز وجل: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}، أي؛ سجناً، نريد أن نخرجكم من سجن الشرك و ظلماته إلى سعة ونور الإسلام.
قال: أنت من الناس الذين لا يسلّمون علي؟
قلت: نعم أنا لا أسلم عليك لأنك؛
تشارك في السلطة التشريعية.
ولأنك أقسمت على احترام الدستور الوضعي.
ولأنك أعطيت بالأمس الثقة لحكومة لا تحكم بما أنزل الله.
قال: التشريع في البرلمان، إما موافق للشرع وإما معارض، ونحن ننكر المعارض ونؤيد الموافق.
قلت: هذا كلام يحتاج إلى رد طويل، وتشريعكم كيفما كان لا يكون إلا وفق نصوص الدستور الوضعي، وكذلك معارضتكم فإنها لا تكون إلا من خلال الدستور. ونحن نريد أن نعطيك هدية في تفاصيل هذا الموضوع وأمثلة من كفريات هذا الدستور، نرجو أن تقرأها بإمعان وتتدبرها، وسنعطي الأمن الوقائي كذلك منها نسخة، فنسأل الله لنا ولك الهداية.
وناولته نسخة من رسالة "كشف الزور في إفك نصوص الدستور" [5].
قال: نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأنا أتمنى أن يفرج الله عنكم عن قريب ونلتقي في الخارج ونناقش هذه المسألة بتفصيل.
قلت: وأنا لا مانع عندي من ذلك، وأسأل الله أن يهدي الجميع لما يحبه ويرضاه.
أبو محمد عاصم المقدسي
المسجون ظلماً وعدواناً
سجن سواقة / الأردن
1416 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أحد أفراد الأمن الوقائي وكان واقفاً بالقرب، يستمع إلى حديثنا.
[2] رواه النسائي وروى مثله أحمد ، وجاء في مسلم وغيره: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
[3] حديث جرهد رضي الله عنه، رواه وأحمد الترمذي وابو داود والبيهقي والدارقطني وغيرهم.
[4] رواه البخاري وغيره.
[5] أو "مختصر كشف النقاب عن شريعة الغاب" - الدستور الأردني - وكنت قد كتبتها قبل شهر من تاريخه فرددت فيها على شبه المشاركين في المجالس التشريعية، وعلى مقالة النائب المذكور: "أحلوا لنا ما أحل الله ليوسف"، يقصد المشاركة في الوزارة، فجاءت في وقتها المناسب وكأنما جهزت له.
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
(1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال لي سجين: اليوم زارني أهلي، وذهب وقت زيارتهم وأنا نائم وهم ينتظرون دون أن يخبرني بذلك أحد، لكن "فلان" [1] جزاه الله خيرا سمح لهم بتكرار الزيارة.
فقلت: الحمد لله، الله كريم.
فتدخل الأمن الوقائي في الحديث موجها كلامه لي: وأنا مش كريم؟
يقصد لأنه كرر الزيارة لأهل السجين.
فقلت: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم) [2] فكثير من الناس يسخرهم الله تعالى لخدمة هذا الدين وأهله دون نية منهم لنصر دين الله، وهذا إنما يحمد عليه الله وحده، وهم لا ينالون بذلك أجرا... أنظر إلى فهد بن عبد العزيز قد طبع مئات الملايين من المصحف الشريف، فهذا سخره الله لخدمة هذا الدين، وليس له من عمله هذا عند الله أجرا مادام على شركه وتوليه للكفار، قال تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
فقال: كيف تعلم وتجزم بهذا؟ فهذا علمه عند الله!!
قلت: قد أعلمناه الله في كتابه، فقال عن أعمال المشركين: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، يعني قد يبني المشرك المستشفيات والمساجد ويعمل كثيرا من أعمال البر والخير، ولكن مادام ذلك غير مبني على قاعدة الإيمان والتوحيد - أول شرط من شروط صحة العمل وقبوله - فعمله يكون بذلك باطلا مردودا غير متقبل، فمن يشرك بالله أو يوالي المشركين ويتابع تشريعاتهم الباطلة أو يحرسها ويحميها ويحارب الموحدين المبغضين لها، فليس من الله في شيء، ولا تقبل أعماله حتى يبرأ إلى الله من الشرك والطواغيت.
قال: والله يا شيخ أنت ثلاثة أرباع كلامك حلو، إلا الربع الذي فيه الطواغيت... والطواغيت.
قلت: هذا هو أهم وأحسن ربع عندي.
ثم مضيت معرضا عنه إلى زياراتي.
* * *
(2)
سألني سجان يوما عن حدود عورة الرجل وذكر في ذلك بعض الأحاديث التي ظاهرها عنده التعارض، ولأنه يسمع منا كثيرا تكفير طواغيته ومن ناصرهم ومن شايعهم فقد أورد علينا إضافة إلى ذلك بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تذكر الصلاة على أنها عاصم للدم، وأراد الجواب على ذلك.
فقلت:
أولا؛ بالنسبة لسؤال حدود العورة:
اعلم هداك الله... أن نصوص الشريعة لا تتعارض، فإذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ثم فعل شيئاً خلافه، فللعلماء في هذا الباب مسالك؛
أولها: الجمع بين النصوص ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ بأن يقال أن العورة المغلظة هي السوأتين، والعورة المخففة - غير المغلظة - الفخذين.
أو يقال؛ بأن الأمر مقدم على الفعل، أي أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مقدم عند التعارض على فعله، لأن الفعل قد يكون أحيانا خاصا به صلى الله عليه وسلم، أما الأمر فهو لعموم الأمة، وبالتالي يقال إن الفخذ عورة للأمر بتغطيته، وهذا مقدم على الفعل.
أو يقال بالنسخ، فيكون أمره ناسخ لفعله وهذا يحتاج لإثباته دليل يحدد تاريخ الأمر، وتأخره على الفعل ليعرف الناسخ والمنسوخ.
ونحن نقول كما قال البخاري رحمه الله: (حديث جرهد - حديث الأمر بتغطية الفخذ [3] - أورع، وحديث أنس - الذي فيه كشف الفخذ – أسند).
فالخلاصة؛ أن تغطية الفخذ من كمال وتمام الورع، وهو عورة، ولكنه ليس عورة مغلظة كالسوأتين.
ثانيا:
اعلم هداك الله أن كشف التوحيد وتعرية الدين وخذلانه أعظم من كشف الفخذين وغيره، ولذلك فعلى المرء أن يحافظ على توحيده ودينه من الشرك ومن موالاة المرتدين أشد وأعظم من محافظته على عورته.
وبالنسبة للأحاديث التي ذكرت الصلاة كمانع من القتل وكعاصم للدم، كحديث مسلم في حق الأمراء: (أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة). فإنه إشارة كما قال العلماء إلى إقامة الدين والتوحيد، ومثله حديث ذي الخويصرة التميمي، إذ الصلاة بدون التوحيد لا قيمة لها.
فالتوحيد شرط من شروط العبادة ولا تقبل العبادة أبدا إذا انخرم هذا الشرط أو انتقض، فهو أخطر من سائر الشروط وأهم.
أرأيت لو صلى رجل من غير وضوء، فهل تقبل صلاته أو تصح؟
قال: لا... صلاته باطلة.
قلت: طبعا صلاته باطلة، لأنّ الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، والشرط كما عرفه العلماء؛ "ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود"، فكيف بأعظم شرط؛ التوحيد الذي بعث الله به كافة أنبيائه وأنزل من أجله كافة كتبه، قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال تعالى: {لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، فبين الله أن من يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فإنه هو الناجي الذي تقبل عبادته، أما من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت - كمن صلى وصام وهو في الوقت نفسه يحرس الطاغوت وقانونه ويظهر موالاته وحبه ونصرته - فمثل هذا ظاهره أنه غير مستمسك بالعروة الوثقى التي عليها مدار النجاة وقبول العبادات.
فأعظم شروط قبول العبادة هو؛ التوحيد والبراءة من الشرك والتنديد، ومن هدم هذا الشرط لم تنفعه صلاته أو صيامه أو غيره، قال تعالى عمن جاء بأعمال وعبادات غير مقرونة بهذا الشرط العظيم - التوحيد -: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}، وقال سبحانه: {أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه}.
وقال عز وجل: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة} أي؛ ناصبة في الدنيا بالعبادة ومع هذا فقد أخبر تعالى أن مصيرها: {تصلى نارا حامية} لأن نصبها بالعبادة كان دون تحقيق شرط التوحيد، ولذلك لم يكن من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أن يدعون الناس إلى الصلاة قبل تحقيق هذا الشرط العظيم - التوحيد - بل كانوا يدعونهم أول ما يدعونهم إلى تحقيق التوحيد، فإن حققوه بينوا لهم أن عليهم صلاة وزكاة وغير ذلك من الشرائع التي لا تقبل بدون شرط التوحيد.
ومن أوضح الأدلة على هذا؛ حديث معاذ بن جبل لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، أوصاه فقال: (فإذا جئتهم فادعهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله - وفي رواية: فليكن أول ماتدعوهم إليه أن يوحدوا الله - فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم... الحديث) [4].
فاعلم أنه بدون توحيد، لا تقبل صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولذلك توضح وتبين الأحاديث المسؤول عنها بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أقاموا الصلاة)؛ أي: مع التوحيد، لأن الصلاة لا تقبل بدون وضوء... فلو سألتك: هل في هذه الأحاديث ذكر للوضوء، وأنه شرط؟
قال: لا!!
قلت: فمن أين لك أن الوضوء شرط ومطلوب؟
قال: من أحاديث أخرى.
قلت: وكذلك الأمر بالنسبة للتوحيد، فإنه أعظم الشروط والفرائض.
هدانا الله وإياك إلى الحق المبين، ونجاك مما أنت فيه من الباطل العظيم.
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على خاتم الأنبياء والمرسلين
آخر شهر ربيع الأول لسنة 1416 هـ
* * *
(3)
زار السجن في 15 شوال سنة 1416 هـ الموافق 5/3/1996م رئيس لجنة الحريات العامة في مجلس التشريع "ذيب عبد الله" وذلك بعد يوم واحد من إعطائه الثقة للحكومة الكباريتية، فتلقفه السجناء بمطالبهم واسترحاماتهم وأوراقهم، ولم يسلم من ذلك للأسف حتى بعض أصحاب القضايا الإسلامية، وفي خاتمة جولته قبل أن يغادر السجن، كان لنا معه بفضل الله تعالى هذا الموقف أمام مرتب إدارة السجن:
قلت: نحن لم نأت لمقابلتك كي نطلب منك مطالب كغيرنا أو نشكوا لك أحوال السجن وممارسات إدارته مع ذوينا وزوارنا ونحو ذلك، فإن الصليب الأحمر وغيره من الهيئات يأتون دوما لأجل ذلك فلا نخرج لهم، ولا نشكوا لهم شيئا، فالله هو مولانا وهو يتولانا سبحانه، ولن يخرجنا من هذا السجن لا أنتم ولا غيركم ولا حتى ملككم، لكن عندما يأذن الله بذلك سنخرج بإرادة الله رغماً عن أنف كل أحد؛ وإنما جئنا نذكرك في الله وندعوك إلى الله، فنحن نعلم ولا نشك أنك جئت هنا حرصاً علينا وتتمنى لو تتمكن من إخراجنا من هذا السجن.
قال: نعم والله...
قلت: ونحن والله الذي لا إله إلا هو كذلك حريصون عليك وعلى هؤلاء الناس - وأشرت إلى الضباط وأفراد الأمن الوقائي - أن نخرجكم من السجن الذي وضعتكم فيه هذه الحكومة التي لا تحكم بما أنزل الله... والسجن الذي أدخلت نفسك فيه بمشاركتك في البرلمان التشريعي، فإن سجننا هذا لا شيء مقابل سجن جهنم، قال تعالى: {إن كتاب الفجّار لفي سجّين}، وقال عز وجل: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}، أي؛ سجناً، نريد أن نخرجكم من سجن الشرك و ظلماته إلى سعة ونور الإسلام.
قال: أنت من الناس الذين لا يسلّمون علي؟
قلت: نعم أنا لا أسلم عليك لأنك؛
تشارك في السلطة التشريعية.
ولأنك أقسمت على احترام الدستور الوضعي.
ولأنك أعطيت بالأمس الثقة لحكومة لا تحكم بما أنزل الله.
قال: التشريع في البرلمان، إما موافق للشرع وإما معارض، ونحن ننكر المعارض ونؤيد الموافق.
قلت: هذا كلام يحتاج إلى رد طويل، وتشريعكم كيفما كان لا يكون إلا وفق نصوص الدستور الوضعي، وكذلك معارضتكم فإنها لا تكون إلا من خلال الدستور. ونحن نريد أن نعطيك هدية في تفاصيل هذا الموضوع وأمثلة من كفريات هذا الدستور، نرجو أن تقرأها بإمعان وتتدبرها، وسنعطي الأمن الوقائي كذلك منها نسخة، فنسأل الله لنا ولك الهداية.
وناولته نسخة من رسالة "كشف الزور في إفك نصوص الدستور" [5].
قال: نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأنا أتمنى أن يفرج الله عنكم عن قريب ونلتقي في الخارج ونناقش هذه المسألة بتفصيل.
قلت: وأنا لا مانع عندي من ذلك، وأسأل الله أن يهدي الجميع لما يحبه ويرضاه.
أبو محمد عاصم المقدسي
المسجون ظلماً وعدواناً
سجن سواقة / الأردن
1416 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أحد أفراد الأمن الوقائي وكان واقفاً بالقرب، يستمع إلى حديثنا.
[2] رواه النسائي وروى مثله أحمد ، وجاء في مسلم وغيره: (إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).
[3] حديث جرهد رضي الله عنه، رواه وأحمد الترمذي وابو داود والبيهقي والدارقطني وغيرهم.
[4] رواه البخاري وغيره.
[5] أو "مختصر كشف النقاب عن شريعة الغاب" - الدستور الأردني - وكنت قد كتبتها قبل شهر من تاريخه فرددت فيها على شبه المشاركين في المجالس التشريعية، وعلى مقالة النائب المذكور: "أحلوا لنا ما أحل الله ليوسف"، يقصد المشاركة في الوزارة، فجاءت في وقتها المناسب وكأنما جهزت له.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى