رسالة إلى الشيخ الشعيبي
صفحة 1 من اصل 1
رسالة إلى الشيخ الشعيبي
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
بسم الله الرحمن الرحيم
نص الرسالة التي أرسلها الشيخ الى للشيخ حمود قبل وفاته ببضعة أشهر... رحمه الله رحمة واسعة...
* * *
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إلى سماحة الشيخ الوالد حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله تعالى ونصر به الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛
فأسأل الله تعالى أن تصلكم رسالتي هذه وأنتم في أحسن حال وأطيبه وأن يبارك الله في صحتكم ويمد في عمركم وينفع بكم ويجعلكم ذخرا لدينه.
فلا يخفى على فضيلتكم - شيخنا ووالدنا الحبيب - أن من أعظم ما يفتقده شباب الأمة في زماننا هذا القدوة الحسنة من العلماء الربانيين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، وذلك بعد أن خذل أكثر الخلق دين الله وتخاذل أكثر المنتسبين الى العلم المتصدرين للفتوى عن نصرة هذا الدين وسكتوا، بل رقعوا بفتاواهم لأعداء الأمة وداروا في الفتوى مع طواغيت الحكام حيث داروا.
مما حدا بكثير من شباب الأمة إلى فقد الثقة بعلماء دينهم بل والزهد بالعلم ومجالسه، وجعل آخرين يتابعون أولئك العلماء في أخطائهم ثقة بما أوتوا من العلم ويقلدونهم في كل ما يصدر عنهم بعجره وبجره.
ولا شك أن الشباب إذا صاروا بمعزل عن علمائهم الربانيين بعيدا عن علوم الشريعة فهم تائهون لا محالة في فيافي الإفراط أوالتفريط.
ونصرة دين الله لا تقوم على الجهل أبدا، والشباب يتطلع دوما إلى من يتقدم صفوفه من العلماء الربانيين والإئمة المجاهدين.
والناظر في أحوال الأمة وأسباب ذلها في زماننا؛ يعلم علم اليقين أن من أهم هذه الأسباب تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق فيها حين قال: (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [متفق عليه].
فالمتأمل في تاريخ أمتنا وما قدمته من مواقف عز ونصر وفداء يرى العلماء دوما في مقدمة الصفوف والناس من ورائهم؛ فإذا تراجع علماؤهم فهم متراجعون أو منحرفون متخبطون لا محالة.
والله يعلم وحده - فضيلة الشيخ الوالد الحبيب - كم أدخلتم علينا وعلى شباب الأمة من سرور واعتزاز وأعدتم الأمل إلى قلوبنا بإعزاز هذا الدين وجلاد أعدائه بمواقفكم المشرفة التي تصلنا أخبارها دوما وبفتاواكم التي لا تأخذكم فيها لومة لائم مادامت ترضي الرب تبارك وتعالى وتنصر دينه.
وكم - والله - أتمنى لو أكون قريبا منكم فأصير لكم أنا وأولادي وأهل بيتي - لا أقول طلبة وحسب - بل خدما مخلصين نتشرف بخدمتكم وخدمة أمثالكم من العلماء حقا، كما نحسبكم والله حسيبكم.
فنحن - فضيلة الشيخ - نحفظ لعلمائنا الربانيين حقهم ونعرف فضلهم، ونتشوّق إلى أن نضع ركبنا إلى ركبهم في مجالس العلم والدين، وليس كما يرمينا خصومنا بأننا أكلة لحوم العلماء، وذلك لشدتنا وعدم تسامحنا في الإنكار على علماء الحكومات الذين شوّهوا هذا الدين وأذلوه على أبواب السلاطين، فما أولئك عندنا بالعلماء ولو حازوا كثيرا من الألقاب وجمعوا من أبواب العلم والفقه والإفتاء؛ فإنما العلم الخشية، {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء}.
أما أولئك العملاء فكتاباتهم وفتاواهم التي يرقعون فيها للباطل ويجادلون فيها عن الذين يختانون أنفسهم من الطواغيت وأنصارهم - لا لحومهم - هي المسمومة، وعادة الله في فضحهم وكشف باطلهم ولو بعد حين معلومة.
ووالله لولا هذه الحال التي وصلت إليها أمتنا بتخاذل أولئك المنتسبين للعلم، وندرة العلماء الربانيين أمثالكم كما نحسبكم والله حسيبكم؛ لما جاز لأمثالي إلا أن يجلسوا في حلق العلم ويتعلموا، لا أن يعلموا ويتصدروا لمثل هذه المعوصات التي اضطررنا للخوض والكتابة فيها، والتي لا تصلح إلا للجهابذة والأسود من أهل العلم، فما الأمر إلا كما قال العلامة حمد بن عتيق رحمه الله، وقوله والله يصدق فيّ وفي أمثالى لا فيه وفي أمثاله من العلماء الربانيين:
ولما أتى مثلي إلى الجو خاليا من العلم أضحى مُعلِنا متكلّما
كغابٍ خلا من أسدِه فتواثبتْ ثعالبُ ما كانت تَطَا في فِنَا الحِما
فيا سامع النجوى ويا عالم الخَفا سألتك غفرانا يكون مُعمّما
فما جَرّني إلا اضطرارٌ رأيتُه تخوّفت كوني إن توقّفتُ كاتما
فأبديتُ من جَرّاهُ مُزْجَا بِضاعَتي وأَمّلتُ عفوا من إلهي ومَرْحَما
أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم على الحق المبين، وأن يستعملنا في نصرة دينه وجلاد أعدائه وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله.
وكلي أمل أن لا تنسونا من نصحكم وتوجيهكم وإرشادكم مادام ذلك ممكنا لكم ميسرا، فستجدوننا إن شاء الله آذانا صاغية وقلوبا واعية لما تدعون إليه وتذكّرون به من الحق المبين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد على آله وأصحابه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولدكم؛ أبو محمد المقدسي
عاصم بن محمد بن طاهر العتيبي
ربيع الثاني 1422 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نص الرسالة التي أرسلها الشيخ الى للشيخ حمود قبل وفاته ببضعة أشهر... رحمه الله رحمة واسعة...
* * *
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
إلى سماحة الشيخ الوالد حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله تعالى ونصر به الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛
فأسأل الله تعالى أن تصلكم رسالتي هذه وأنتم في أحسن حال وأطيبه وأن يبارك الله في صحتكم ويمد في عمركم وينفع بكم ويجعلكم ذخرا لدينه.
فلا يخفى على فضيلتكم - شيخنا ووالدنا الحبيب - أن من أعظم ما يفتقده شباب الأمة في زماننا هذا القدوة الحسنة من العلماء الربانيين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله، وذلك بعد أن خذل أكثر الخلق دين الله وتخاذل أكثر المنتسبين الى العلم المتصدرين للفتوى عن نصرة هذا الدين وسكتوا، بل رقعوا بفتاواهم لأعداء الأمة وداروا في الفتوى مع طواغيت الحكام حيث داروا.
مما حدا بكثير من شباب الأمة إلى فقد الثقة بعلماء دينهم بل والزهد بالعلم ومجالسه، وجعل آخرين يتابعون أولئك العلماء في أخطائهم ثقة بما أوتوا من العلم ويقلدونهم في كل ما يصدر عنهم بعجره وبجره.
ولا شك أن الشباب إذا صاروا بمعزل عن علمائهم الربانيين بعيدا عن علوم الشريعة فهم تائهون لا محالة في فيافي الإفراط أوالتفريط.
ونصرة دين الله لا تقوم على الجهل أبدا، والشباب يتطلع دوما إلى من يتقدم صفوفه من العلماء الربانيين والإئمة المجاهدين.
والناظر في أحوال الأمة وأسباب ذلها في زماننا؛ يعلم علم اليقين أن من أهم هذه الأسباب تحقق ما أخبر به الصادق المصدوق فيها حين قال: (إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [متفق عليه].
فالمتأمل في تاريخ أمتنا وما قدمته من مواقف عز ونصر وفداء يرى العلماء دوما في مقدمة الصفوف والناس من ورائهم؛ فإذا تراجع علماؤهم فهم متراجعون أو منحرفون متخبطون لا محالة.
والله يعلم وحده - فضيلة الشيخ الوالد الحبيب - كم أدخلتم علينا وعلى شباب الأمة من سرور واعتزاز وأعدتم الأمل إلى قلوبنا بإعزاز هذا الدين وجلاد أعدائه بمواقفكم المشرفة التي تصلنا أخبارها دوما وبفتاواكم التي لا تأخذكم فيها لومة لائم مادامت ترضي الرب تبارك وتعالى وتنصر دينه.
وكم - والله - أتمنى لو أكون قريبا منكم فأصير لكم أنا وأولادي وأهل بيتي - لا أقول طلبة وحسب - بل خدما مخلصين نتشرف بخدمتكم وخدمة أمثالكم من العلماء حقا، كما نحسبكم والله حسيبكم.
فنحن - فضيلة الشيخ - نحفظ لعلمائنا الربانيين حقهم ونعرف فضلهم، ونتشوّق إلى أن نضع ركبنا إلى ركبهم في مجالس العلم والدين، وليس كما يرمينا خصومنا بأننا أكلة لحوم العلماء، وذلك لشدتنا وعدم تسامحنا في الإنكار على علماء الحكومات الذين شوّهوا هذا الدين وأذلوه على أبواب السلاطين، فما أولئك عندنا بالعلماء ولو حازوا كثيرا من الألقاب وجمعوا من أبواب العلم والفقه والإفتاء؛ فإنما العلم الخشية، {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء}.
أما أولئك العملاء فكتاباتهم وفتاواهم التي يرقعون فيها للباطل ويجادلون فيها عن الذين يختانون أنفسهم من الطواغيت وأنصارهم - لا لحومهم - هي المسمومة، وعادة الله في فضحهم وكشف باطلهم ولو بعد حين معلومة.
ووالله لولا هذه الحال التي وصلت إليها أمتنا بتخاذل أولئك المنتسبين للعلم، وندرة العلماء الربانيين أمثالكم كما نحسبكم والله حسيبكم؛ لما جاز لأمثالي إلا أن يجلسوا في حلق العلم ويتعلموا، لا أن يعلموا ويتصدروا لمثل هذه المعوصات التي اضطررنا للخوض والكتابة فيها، والتي لا تصلح إلا للجهابذة والأسود من أهل العلم، فما الأمر إلا كما قال العلامة حمد بن عتيق رحمه الله، وقوله والله يصدق فيّ وفي أمثالى لا فيه وفي أمثاله من العلماء الربانيين:
ولما أتى مثلي إلى الجو خاليا من العلم أضحى مُعلِنا متكلّما
كغابٍ خلا من أسدِه فتواثبتْ ثعالبُ ما كانت تَطَا في فِنَا الحِما
فيا سامع النجوى ويا عالم الخَفا سألتك غفرانا يكون مُعمّما
فما جَرّني إلا اضطرارٌ رأيتُه تخوّفت كوني إن توقّفتُ كاتما
فأبديتُ من جَرّاهُ مُزْجَا بِضاعَتي وأَمّلتُ عفوا من إلهي ومَرْحَما
أسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم على الحق المبين، وأن يستعملنا في نصرة دينه وجلاد أعدائه وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله.
وكلي أمل أن لا تنسونا من نصحكم وتوجيهكم وإرشادكم مادام ذلك ممكنا لكم ميسرا، فستجدوننا إن شاء الله آذانا صاغية وقلوبا واعية لما تدعون إليه وتذكّرون به من الحق المبين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد على آله وأصحابه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولدكم؛ أبو محمد المقدسي
عاصم بن محمد بن طاهر العتيبي
ربيع الثاني 1422 هـ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى