أسباب النصر على الأعداء
صفحة 1 من اصل 1
أسباب النصر على الأعداء
[الكاتب: أبو عمر السيف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد...
فإن الأمة اليوم تشهد عدواناً صليبياً/يهوديا على الإسلام والمسلمين في العراق، حيث تحالفت الدول الصليبية - كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها - في هذا العدوان، كما انضمت إسرائيل إلى تحالف النصارى، حيث تشارك القوات الإسرائيلية إلى جانب القوات الأمريكية لخبرتها في المنطقة، ولسد الضعف الأمريكي في القتال البري.
وقد بدأوا عدوانهم على العراق بالتسابق إلى آبار البترول، وتدمير بغداد وغيرها من المدن العراقية بصواريخهم وقذائفهم، وقتل وجرح النساء والشيوخ والأطفال في بيوتهم.
وقد قال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}.
وهذه الحملة تستهدف محاربة الإسلام والمسلمين، وفرض الديمقراطية الكافرة على المنطقة، واحتلال العراق ونهب بتروله والسيطرة على المنطقة ودعم إسرائيل.
فقد أجمع العلماء؛ على وجوب الجهاد إذا دخل الكفار بلاد المسلمين، فيتعين الجهاد على أهل العراق ومن نحوهم لنصرتهم ومعاونتهم على جهاد المتآمرين المتحالفين من النصارى و اليهود والمرتدين.
فيجب على المجاهدين في جزيرة العرب وفي الشام وفي مصر وفي تركيا وفي غيرها من بلاد المسلمين؛ النفير إلى العراق لنصرة ومعاونة المسلمين في العراق، حتى تحصل الكفاية، وتدفع الحشود والقوى المتحالفة، التي لا يجوز إسلام الشعب العراقي لها وخذلانه.
كما أن هذه المعركة في العراق؛ ليست دفاعاً عن العراق فقط، بل هي معركة الدفاع عن الإسلام، وعن الأمة المستهدفة من الصليبيين واليهود.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين؛ فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد، بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق، لم يأذن الله في تركه لأحد).
وقال: (وأما قتال الدفع؛ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجبٌ إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب - بعد الإيمان - من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان)، انتهى كلامه.
كما يجب على من توفرت عنده القوة؛ استهداف القوات الأمريكية والحليفة المتمركزة في الدول المجاورة للعراق، التي تنطلق من قواعدها لضرب العراق.
فإن هذه القوات جاءت لمحاربة الإسلام والمسلمين، ولم تأت معاهدة مسالمة.
ودعوى المعاهدات معها؛ كدعوى المعاهدات مع اليهود في داخل فلسطين.
كما أن هذه المعاهدات التي تحتوي على فتح القواعد لضرب العراق؛ هي من نواقض الإسلام، والأمة ليست ملزمة بها.
كما أن الحكام العملاء لا يملكون تعطيل الجهاد الواجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وعلى المجاهدين في العراق وفي غيرها أن يتخلقوا بالأخلاق والأعمال التي جعلها الله تعالى سبباً للنصر وأن يتمسكوا بها...
وأول هذه الأسباب؛ إخلاص النية لله تبارك وتعالى:
فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو من أعظم العبادات، فلا يجوز صرف العبادة لغير الله، فلا يجوز القتال للقومية، أو للقبيلة، أو ل "حزب البعث"، أو لرجل معين.
فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
فالواجب على المسلم؛ أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، ولِيحكمَ الإسلامُ في الأرض، كما قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمور}.
والثاني؛ طاعةُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتركُ الذنوبِ والمعاصي:
فإن الذنوب سبب للهزيمة وتسلط الأعداء، فقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
الصحابة رضي الله عنهم حققوا الإيمان التام والعمل الصالح التام، فحصل لهم التمكين التام في الأرض، وحينما نقص إيمان من بعدهم؛ نقص تمكينهم بحسب ما نقص من إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه) [رواه الترمذي وأحمد].
والثالث؛ الإكثار من ذكر الله تعالى ومن الدعاء.
والرابع؛ الثبات عند التقاء الصفوف:
فإن التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله - إلا بالحق - وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) [متفق عليه].
والخامس؛ اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترك التنازع والتفرق.
والسادس؛ الصبر:
كما قال الله جل وعلا في كتابه العزيز: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئة قط إلا نصرت، وإن قلت وكثر عدوها.
أحدها؛ الثبات.
الثاني؛ كثرة ذكره سبحانه وتعالى.
الثالث؛ طاعته وطاعة رسوله.
الرابع؛ اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منها وحده؛ كسرها كلها.
الخامس؛ ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه، وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضاً، وصار لهم أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت في من بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، انتهى كلامه.
والسابع؛ التوكل على الله تعالى والتصديق بوعده ونصره:
وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
وأما التكذيب بوعد الله ونصره؛ فهو من صفات المنافقين، الذين قال الله تعالى عنهم: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُورا}، وقال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}.
والثامن؛ التحريض على الجهاد، والحذر من تخذيل الكافرين والمنافقين، ومن حربهم النفسية:
فإن الحرب النفسية هي من أهم أسلحة الولايات المتحدة في حروبها مع المسلمين، ويساعدها في هذا كثرة وسائلها الإعلامية، ووسائل إعلام الدول المتحالفة معها.
فلا يزالون ينشرون الأراجيف والأكاذيب، وادعاء الانتصارات، ويبالغون في خسائر المسلمين، ويكتمون خسائرهم، وينشرون الإشاعات الكاذبة، لإدخال الضعف على نفوس المسلمين؛ بأن الجنود بدأوا بالاستسلام، أو أن معنوياتهم منخفضة، أو أن السيطرة على العراق سوف تتم في مدة قصيرة، وأن النصر سوف يكون حليفهم في هذه الحرب بزعمهم، أو أن هناك اتصالات ورسائل سرية مع بعض القيادات العسكرية العراقية للاستسلام... وغيرها من الإشاعات التي تذيعها وسائل الإعلام الصليبية لإدخال الضعف على النفوس.
كما يجب على المجاهدين أن يحذروا من بعض المحللين من سياسيين أو عسكريين، الذين يغلب على حديثهم ضعف الإيمان، والإرجاف والتخويف من قوة العدو وتخذيل المسلمين.
فهؤلاء المثبطون المعوقون المُبَطّئون عن الجهاد؛ قد حذر الله تعالى منهم في كتابه، فقال تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}، فهم يبطئون أنفسهم عن الجهاد، ويبطئون ويخذلون غيرهم عن النفير.
وقال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلا}، وقال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً}.
فهؤلاء يرجفون ويخوفون من الأعداء ومن قوتهم وأسلحتهم، ويدخلون الضعف في قلوب المسلمين بأراجيفهم.
فإن الله تعالى أمر بالتحريض على الجهاد والتشجيع عليه، والحث على الثبات والقوة والغلظة والشدة على الكافرين والإثخان فيهم، وقد ضاد المرجفون المخذلون الله تعالى في أمره، فأخذوا بنشر الإشاعات والأراجيف لإضعاف نفوس المسلمين، فقد أصبحوا عدواً للمسلين من داخلهم، يناصرون الأمريكان وحلفائهم في حربهم الإعلامية والنفسية.
يتبع الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد...
فإن الأمة اليوم تشهد عدواناً صليبياً/يهوديا على الإسلام والمسلمين في العراق، حيث تحالفت الدول الصليبية - كالولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها - في هذا العدوان، كما انضمت إسرائيل إلى تحالف النصارى، حيث تشارك القوات الإسرائيلية إلى جانب القوات الأمريكية لخبرتها في المنطقة، ولسد الضعف الأمريكي في القتال البري.
وقد بدأوا عدوانهم على العراق بالتسابق إلى آبار البترول، وتدمير بغداد وغيرها من المدن العراقية بصواريخهم وقذائفهم، وقتل وجرح النساء والشيوخ والأطفال في بيوتهم.
وقد قال الله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}.
وهذه الحملة تستهدف محاربة الإسلام والمسلمين، وفرض الديمقراطية الكافرة على المنطقة، واحتلال العراق ونهب بتروله والسيطرة على المنطقة ودعم إسرائيل.
فقد أجمع العلماء؛ على وجوب الجهاد إذا دخل الكفار بلاد المسلمين، فيتعين الجهاد على أهل العراق ومن نحوهم لنصرتهم ومعاونتهم على جهاد المتآمرين المتحالفين من النصارى و اليهود والمرتدين.
فيجب على المجاهدين في جزيرة العرب وفي الشام وفي مصر وفي تركيا وفي غيرها من بلاد المسلمين؛ النفير إلى العراق لنصرة ومعاونة المسلمين في العراق، حتى تحصل الكفاية، وتدفع الحشود والقوى المتحالفة، التي لا يجوز إسلام الشعب العراقي لها وخذلانه.
كما أن هذه المعركة في العراق؛ ليست دفاعاً عن العراق فقط، بل هي معركة الدفاع عن الإسلام، وعن الأمة المستهدفة من الصليبيين واليهود.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين؛ فإنه يصير دفعه واجباً على المقصودين كلهم، وعلى غير المقصودين لإعانتهم، كما قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد، بنفسه وماله، مع القلة والكثرة، والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق، لم يأذن الله في تركه لأحد).
وقال: (وأما قتال الدفع؛ فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجبٌ إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب - بعد الإيمان - من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان)، انتهى كلامه.
كما يجب على من توفرت عنده القوة؛ استهداف القوات الأمريكية والحليفة المتمركزة في الدول المجاورة للعراق، التي تنطلق من قواعدها لضرب العراق.
فإن هذه القوات جاءت لمحاربة الإسلام والمسلمين، ولم تأت معاهدة مسالمة.
ودعوى المعاهدات معها؛ كدعوى المعاهدات مع اليهود في داخل فلسطين.
كما أن هذه المعاهدات التي تحتوي على فتح القواعد لضرب العراق؛ هي من نواقض الإسلام، والأمة ليست ملزمة بها.
كما أن الحكام العملاء لا يملكون تعطيل الجهاد الواجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.
وعلى المجاهدين في العراق وفي غيرها أن يتخلقوا بالأخلاق والأعمال التي جعلها الله تعالى سبباً للنصر وأن يتمسكوا بها...
وأول هذه الأسباب؛ إخلاص النية لله تبارك وتعالى:
فالجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو من أعظم العبادات، فلا يجوز صرف العبادة لغير الله، فلا يجوز القتال للقومية، أو للقبيلة، أو ل "حزب البعث"، أو لرجل معين.
فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله) [متفق عليه].
فالواجب على المسلم؛ أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا، ولِيحكمَ الإسلامُ في الأرض، كما قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمور}.
والثاني؛ طاعةُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتركُ الذنوبِ والمعاصي:
فإن الذنوب سبب للهزيمة وتسلط الأعداء، فقد قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
الصحابة رضي الله عنهم حققوا الإيمان التام والعمل الصالح التام، فحصل لهم التمكين التام في الأرض، وحينما نقص إيمان من بعدهم؛ نقص تمكينهم بحسب ما نقص من إيمانهم وأعمالهم الصالحة.
وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه) [رواه الترمذي وأحمد].
والثالث؛ الإكثار من ذكر الله تعالى ومن الدعاء.
والرابع؛ الثبات عند التقاء الصفوف:
فإن التولي يوم الزحف من كبائر الذنوب، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله - إلا بالحق - وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) [متفق عليه].
والخامس؛ اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترك التنازع والتفرق.
والسادس؛ الصبر:
كما قال الله جل وعلا في كتابه العزيز: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال تبارك وتعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئة قط إلا نصرت، وإن قلت وكثر عدوها.
أحدها؛ الثبات.
الثاني؛ كثرة ذكره سبحانه وتعالى.
الثالث؛ طاعته وطاعة رسوله.
الرابع؛ اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منها وحده؛ كسرها كلها.
الخامس؛ ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه، وهو الصبر.
فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضاً، وصار لهم أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت في من بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، انتهى كلامه.
والسابع؛ التوكل على الله تعالى والتصديق بوعده ونصره:
وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
وأما التكذيب بوعد الله ونصره؛ فهو من صفات المنافقين، الذين قال الله تعالى عنهم: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُورا}، وقال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}.
والثامن؛ التحريض على الجهاد، والحذر من تخذيل الكافرين والمنافقين، ومن حربهم النفسية:
فإن الحرب النفسية هي من أهم أسلحة الولايات المتحدة في حروبها مع المسلمين، ويساعدها في هذا كثرة وسائلها الإعلامية، ووسائل إعلام الدول المتحالفة معها.
فلا يزالون ينشرون الأراجيف والأكاذيب، وادعاء الانتصارات، ويبالغون في خسائر المسلمين، ويكتمون خسائرهم، وينشرون الإشاعات الكاذبة، لإدخال الضعف على نفوس المسلمين؛ بأن الجنود بدأوا بالاستسلام، أو أن معنوياتهم منخفضة، أو أن السيطرة على العراق سوف تتم في مدة قصيرة، وأن النصر سوف يكون حليفهم في هذه الحرب بزعمهم، أو أن هناك اتصالات ورسائل سرية مع بعض القيادات العسكرية العراقية للاستسلام... وغيرها من الإشاعات التي تذيعها وسائل الإعلام الصليبية لإدخال الضعف على النفوس.
كما يجب على المجاهدين أن يحذروا من بعض المحللين من سياسيين أو عسكريين، الذين يغلب على حديثهم ضعف الإيمان، والإرجاف والتخويف من قوة العدو وتخذيل المسلمين.
فهؤلاء المثبطون المعوقون المُبَطّئون عن الجهاد؛ قد حذر الله تعالى منهم في كتابه، فقال تعالى: {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ}، فهم يبطئون أنفسهم عن الجهاد، ويبطئون ويخذلون غيرهم عن النفير.
وقال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلا}، وقال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً}.
فهؤلاء يرجفون ويخوفون من الأعداء ومن قوتهم وأسلحتهم، ويدخلون الضعف في قلوب المسلمين بأراجيفهم.
فإن الله تعالى أمر بالتحريض على الجهاد والتشجيع عليه، والحث على الثبات والقوة والغلظة والشدة على الكافرين والإثخان فيهم، وقد ضاد المرجفون المخذلون الله تعالى في أمره، فأخذوا بنشر الإشاعات والأراجيف لإضعاف نفوس المسلمين، فقد أصبحوا عدواً للمسلين من داخلهم، يناصرون الأمريكان وحلفائهم في حربهم الإعلامية والنفسية.
يتبع الجزء الثاني
عدل سابقا من قبل في الخميس نوفمبر 01, 2007 10:17 am عدل 1 مرات
الجزء الثاني
فهذه الحرب النفسية؛ هي أخطر الأسلحة التي يجب على المجاهدين أن يحذروا منها، وأن لا تضعفهم أقوال الكافرين والمنافقين، وأن يتيقنوا؛ أن هؤلاء الكفار لن يثبتوا أمام المجاهدين إذا قام المجاهدون بما أوجب الله عليهم من العبادات التي جعلها الله سبباً للنصر، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.
والله تعالى في كتابه الكريم يحرض المسلمين ويقوي عزائمهم، ويأمرهم بالثبات ويشجعهم على مواصلة الجهاد، ومصابرة الأعداء والمرابطة على الثغور، ويحذرهم من مداخل الضعف والخذلان على النفس، كما في قول الله تعالى عن معركة أحد: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
فبين تعالى في قوله: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}، أن هذا القرآن الكريم لا ينتفع بمواعظه ولا يهتدي بهداه إلا من اتقى الله تعالى، فإن الحق ظاهر لا خفاء فيه، ومن ذلك الجهاد في سبيل الله.
فإن حكم الجهاد؛ ليس من الأمور الخفية، أو من مسائل الخلاف، بل الآيات القرآنية في الجهاد كثيرة ترغب فيه وترهب من تَركِه، ولا خلاف بين العلماء في أن العدو إذا دخل بلاد المسلمين؛ فإن الجهاد يصبح فرض عين.
فالكثير لا يحتاجون إلى تبيين حكم الجهاد لهم، لأنه بين، ولكنهم يحتاجون إلى قلوب تقية تنتفع بالموعظة وتتمسك بالهدى، وتستجيب لأمر القرآن بالجهاد.
ثم نهى الله تعالى عباده المجاهدين؛ عن الوهن والضعف في الأبدان، والحزن في النفوس، لأن الضعف في الأبدان والحزن في النفوس؛ عون للعدو في حربه العسكرية والنفسية، فلا يليق بكم الضعف والحزن وأنتم الأعلون بإيمانكم وبِنِيّتكم وبأهدافكم، وأنتم الأعلون بأخلاقكم وبمنهجكم، فإن المؤمن المجاهد ينبغي أن يصاحبه الشعور بالعزة والاستعلاء على الأمريكان وحلفائهم، فلا تخيفه قوتهم العسكرية ولا تضعف نفسه حربهم الإعلامية والنفسية.
ثم قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}، إي إن أصابكم قتل وجراح فقد أصاب الكافرين مثل ما أصابكم، فلا يضعفكم ما أصابكم في سبيل الله، كما قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}.
أي فلا تضعفوا في طلب الأمريكان وحلفائهم وجهادهم وتعقبهم وتتبعهم للقضاء عليهم، فإن تكونوا تألمون بالجراح والقتل والمشاق، فإن الأمريكان وحلفائهم يألمون كما تألمون، ولكن عندكم من الرجاء بثواب الله تعالى ونصره ما ليس عند الأمريكان، فأنتم أحرى بالصبر على الآلام وتحمل المشاق، فإن الإيمان بالله ورجاء ما عنده من الثواب من أعظم ما يعين على تحمل هذه الآلام.
وهذا العامل الإيماني والنفسي؛ هو ما يفقده الأمريكان وحلفاؤهم، الذين يتشبثون بالحياة الدنيا ويخافون من فواتها، فليس عندهم الرغبة الحقيقية في مواصلة القتال.
ثم ذكر الله تعالى أن الأيام يداولها بين الناس فيحصل النصر للمؤمنين، وفي مرة أخرى قد يكون النصر في واقعة معينة للكافرين، وإن كانت العاقبة والنصر في نهاية الأمر للمؤمنين، ولله في ذلك من الحكم ما ذكرها بعد ذلك في قوله: {لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.
فإن بالابتلاء والهزيمة للمؤمنين في واقعة معينة - وإن كانت العاقبة لهم - يميز الله بين المؤمنين والمنافقين، فالمؤمنون يصبرون في السراء والضراء، ويوقنون بأن النصر في نهاية الحرب لهم، فلا يضعفهم نصر العدو في اشتباكات معينة، أو سيطرته على بعض المدن، بل يمضون في جهادهم وهم على يقين بوعد الله ونصره.
بخلاف أهل النفاق؛ فإنهم إذا رأوا الأمريكان وحلفاءهم قد سيطروا على عدة قرى، ظنوا أن المعركة قد حسمت لهم، لتكذيبهم وشكهم بوعد الله تعالى.
ثم بين الله تعالى الحكمة الثانية في قوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}، فإن الشهادة اصطفاء واختيار من الله تعالى، ولا تتحقق إلا بتحقق سببها، وهو قتل المجاهد في المعركة.
ثم ذكر الحكمة الثالثة؛ وهي تمحيص المؤمنين بتكفير ذنوبهم وتمييز صفوفهم من المنافقين.
وأما الحكمة الرابعة؛ فهي محق الكافرين، فإن الكفار إذا حصل لهم نصر محدود في واقعة معينة، أو سيطرة على عدة مدن، بغوا وطغوا وزاد كبرهم وعتوهم في الأرض, مما يكون سبباً لعقوبتهم من الله واستئصالهم، وتطهير بلاد المسلمين من رجسهم.
فهذه بعض الحكم يزداد بها المسلم المجاهد يقيناً بوعد الله ونصره لعباده المؤمنين، ولا يدخل إلى نفسه ضعف أو شك بنصر الله إذا غلب الأعداء في واقعة معينة، أو استولوا على قرية أو أكثر.
ثم أنكر الله تعالى بصيغة الاستفهام الإنكاري؛ الظن بدخول الجنة من غير جهاد في سبيل الله، وصبرٍ على المكاره والابتلاآت، فقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
قال ابن كثير: (لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء)، انتهى كلامه.
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}؛ أي كنتم تتمنون لقاء العدو وقتاله، فقد تحقق لكم ما تمنيتم ورأيتموه بأعينكم فأنجزوا أمنيتكم.
ومثل هذا تمني الكثير من المسلمين فتح الحدود مع فلسطين لجهاد اليهود، فقد حقق الله تعالى لهم أمنيتهم، فهاهم اليهود وحاميتهم الولايات المتحدة يدمرون العراق، ويقتلون الشيوخ والنساء والأطفال من المسلمين؛ فعليهم أن ينفروا لجهادهم وينصروا إخوانهم ويحققوا أمنيتهم.
ثم ذكر الله تعالى صورة من صور الحرب النفسية، وهي إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فحصل لبعض الصحابة رضي الله عنهم بسبب هذه الإشاعة ضعف، وتأخر عن القتال، فقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}.
ومثل هذا ما يستخدمه الأمريكان في حروبهم مع المسلمين من إشاعة مقتل قائد من القادة، لإضعاف نفوس المسلمين.
والمجاهد لا يقاتل من أجل أمير من الأمراء، بل هو يقاتل في سبيل الله الحي الذي لا يموت، فلا يؤثر به مقتل أميره، لأن الذي يقاتل من أجله ولنصرة دينه هو الله تعالى، فلا تضعف نفسه ولا يستسلم للأعداء، بل يثبت ويصبر ويصابر، ويمضي في طرق الجهاد.
ثم بين تعالى؛ أن الآجال مكتوبة، فلا يقدم الأجل شجاعة المجاهد، ولا يؤخره قعود المنافق، فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
ثم ذكر الله تعالى المجاهدين المحسنين، للتأسي بثباتهم وصبرهم، والحث على أن يفعل كل مجاهد كفعلهم، فقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}.
فكم من نبي قاتل معه جماعات كثيرة، فما وهنت أبدانهم لما أصابهم في سبيل الله من آلام وقتل وجراح، وما ضعفت نفوسهم بسبب الحرب العسكرية والنفسية، ولم يستكينوا ويذلوا لعدوهم، ولم يستسلموا له ولم يضعوا السلاح.
فإن المجاهدين يتطلعون لإحدى الحسنيين - النصر أو الشهادة - وليس هناك خيار ثالث، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ}.
ثم ذكر الله تعالى دعاءهم، وسؤال النصر من الله، فبدءوا باستغفار الذنوب، لأن الذنوب سبب للهزيمة، وسألوا الله الثبات عند لقاء الأعداء، والنصر عليهم، فآتاهم الله ثواب الدنيا من نصر وتمكين في الأرض وغيرها، وثواب الآخرة بالنعيم المقيم جزاء إحسانهم وصدقهم وثباتهم، الذي لم تزلزله حرب الكفار والمرتدين العسكرية والنفسية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
والله تعالى في كتابه الكريم يحرض المسلمين ويقوي عزائمهم، ويأمرهم بالثبات ويشجعهم على مواصلة الجهاد، ومصابرة الأعداء والمرابطة على الثغور، ويحذرهم من مداخل الضعف والخذلان على النفس، كما في قول الله تعالى عن معركة أحد: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
فبين تعالى في قوله: {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}، أن هذا القرآن الكريم لا ينتفع بمواعظه ولا يهتدي بهداه إلا من اتقى الله تعالى، فإن الحق ظاهر لا خفاء فيه، ومن ذلك الجهاد في سبيل الله.
فإن حكم الجهاد؛ ليس من الأمور الخفية، أو من مسائل الخلاف، بل الآيات القرآنية في الجهاد كثيرة ترغب فيه وترهب من تَركِه، ولا خلاف بين العلماء في أن العدو إذا دخل بلاد المسلمين؛ فإن الجهاد يصبح فرض عين.
فالكثير لا يحتاجون إلى تبيين حكم الجهاد لهم، لأنه بين، ولكنهم يحتاجون إلى قلوب تقية تنتفع بالموعظة وتتمسك بالهدى، وتستجيب لأمر القرآن بالجهاد.
ثم نهى الله تعالى عباده المجاهدين؛ عن الوهن والضعف في الأبدان، والحزن في النفوس، لأن الضعف في الأبدان والحزن في النفوس؛ عون للعدو في حربه العسكرية والنفسية، فلا يليق بكم الضعف والحزن وأنتم الأعلون بإيمانكم وبِنِيّتكم وبأهدافكم، وأنتم الأعلون بأخلاقكم وبمنهجكم، فإن المؤمن المجاهد ينبغي أن يصاحبه الشعور بالعزة والاستعلاء على الأمريكان وحلفائهم، فلا تخيفه قوتهم العسكرية ولا تضعف نفسه حربهم الإعلامية والنفسية.
ثم قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}، إي إن أصابكم قتل وجراح فقد أصاب الكافرين مثل ما أصابكم، فلا يضعفكم ما أصابكم في سبيل الله، كما قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}.
أي فلا تضعفوا في طلب الأمريكان وحلفائهم وجهادهم وتعقبهم وتتبعهم للقضاء عليهم، فإن تكونوا تألمون بالجراح والقتل والمشاق، فإن الأمريكان وحلفائهم يألمون كما تألمون، ولكن عندكم من الرجاء بثواب الله تعالى ونصره ما ليس عند الأمريكان، فأنتم أحرى بالصبر على الآلام وتحمل المشاق، فإن الإيمان بالله ورجاء ما عنده من الثواب من أعظم ما يعين على تحمل هذه الآلام.
وهذا العامل الإيماني والنفسي؛ هو ما يفقده الأمريكان وحلفاؤهم، الذين يتشبثون بالحياة الدنيا ويخافون من فواتها، فليس عندهم الرغبة الحقيقية في مواصلة القتال.
ثم ذكر الله تعالى أن الأيام يداولها بين الناس فيحصل النصر للمؤمنين، وفي مرة أخرى قد يكون النصر في واقعة معينة للكافرين، وإن كانت العاقبة والنصر في نهاية الأمر للمؤمنين، ولله في ذلك من الحكم ما ذكرها بعد ذلك في قوله: {لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.
فإن بالابتلاء والهزيمة للمؤمنين في واقعة معينة - وإن كانت العاقبة لهم - يميز الله بين المؤمنين والمنافقين، فالمؤمنون يصبرون في السراء والضراء، ويوقنون بأن النصر في نهاية الحرب لهم، فلا يضعفهم نصر العدو في اشتباكات معينة، أو سيطرته على بعض المدن، بل يمضون في جهادهم وهم على يقين بوعد الله ونصره.
بخلاف أهل النفاق؛ فإنهم إذا رأوا الأمريكان وحلفاءهم قد سيطروا على عدة قرى، ظنوا أن المعركة قد حسمت لهم، لتكذيبهم وشكهم بوعد الله تعالى.
ثم بين الله تعالى الحكمة الثانية في قوله: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}، فإن الشهادة اصطفاء واختيار من الله تعالى، ولا تتحقق إلا بتحقق سببها، وهو قتل المجاهد في المعركة.
ثم ذكر الحكمة الثالثة؛ وهي تمحيص المؤمنين بتكفير ذنوبهم وتمييز صفوفهم من المنافقين.
وأما الحكمة الرابعة؛ فهي محق الكافرين، فإن الكفار إذا حصل لهم نصر محدود في واقعة معينة، أو سيطرة على عدة مدن، بغوا وطغوا وزاد كبرهم وعتوهم في الأرض, مما يكون سبباً لعقوبتهم من الله واستئصالهم، وتطهير بلاد المسلمين من رجسهم.
فهذه بعض الحكم يزداد بها المسلم المجاهد يقيناً بوعد الله ونصره لعباده المؤمنين، ولا يدخل إلى نفسه ضعف أو شك بنصر الله إذا غلب الأعداء في واقعة معينة، أو استولوا على قرية أو أكثر.
ثم أنكر الله تعالى بصيغة الاستفهام الإنكاري؛ الظن بدخول الجنة من غير جهاد في سبيل الله، وصبرٍ على المكاره والابتلاآت، فقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.
قال ابن كثير: (لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء)، انتهى كلامه.
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}؛ أي كنتم تتمنون لقاء العدو وقتاله، فقد تحقق لكم ما تمنيتم ورأيتموه بأعينكم فأنجزوا أمنيتكم.
ومثل هذا تمني الكثير من المسلمين فتح الحدود مع فلسطين لجهاد اليهود، فقد حقق الله تعالى لهم أمنيتهم، فهاهم اليهود وحاميتهم الولايات المتحدة يدمرون العراق، ويقتلون الشيوخ والنساء والأطفال من المسلمين؛ فعليهم أن ينفروا لجهادهم وينصروا إخوانهم ويحققوا أمنيتهم.
ثم ذكر الله تعالى صورة من صور الحرب النفسية، وهي إشاعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، فحصل لبعض الصحابة رضي الله عنهم بسبب هذه الإشاعة ضعف، وتأخر عن القتال، فقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}.
ومثل هذا ما يستخدمه الأمريكان في حروبهم مع المسلمين من إشاعة مقتل قائد من القادة، لإضعاف نفوس المسلمين.
والمجاهد لا يقاتل من أجل أمير من الأمراء، بل هو يقاتل في سبيل الله الحي الذي لا يموت، فلا يؤثر به مقتل أميره، لأن الذي يقاتل من أجله ولنصرة دينه هو الله تعالى، فلا تضعف نفسه ولا يستسلم للأعداء، بل يثبت ويصبر ويصابر، ويمضي في طرق الجهاد.
ثم بين تعالى؛ أن الآجال مكتوبة، فلا يقدم الأجل شجاعة المجاهد، ولا يؤخره قعود المنافق، فقال تعالى: {مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
ثم ذكر الله تعالى المجاهدين المحسنين، للتأسي بثباتهم وصبرهم، والحث على أن يفعل كل مجاهد كفعلهم، فقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}.
فكم من نبي قاتل معه جماعات كثيرة، فما وهنت أبدانهم لما أصابهم في سبيل الله من آلام وقتل وجراح، وما ضعفت نفوسهم بسبب الحرب العسكرية والنفسية، ولم يستكينوا ويذلوا لعدوهم، ولم يستسلموا له ولم يضعوا السلاح.
فإن المجاهدين يتطلعون لإحدى الحسنيين - النصر أو الشهادة - وليس هناك خيار ثالث، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ}.
ثم ذكر الله تعالى دعاءهم، وسؤال النصر من الله، فبدءوا باستغفار الذنوب، لأن الذنوب سبب للهزيمة، وسألوا الله الثبات عند لقاء الأعداء، والنصر عليهم، فآتاهم الله ثواب الدنيا من نصر وتمكين في الأرض وغيرها، وثواب الآخرة بالنعيم المقيم جزاء إحسانهم وصدقهم وثباتهم، الذي لم تزلزله حرب الكفار والمرتدين العسكرية والنفسية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى