هذه عقيدتنا
صفحة 1 من اصل 1
هذه عقيدتنا
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد...
فهذا مختصر لما نعتقده، وندين الله به في أهم أبواب الدين... كتبته في سجني بعد أن بلغني أن أناساً ينسبون إلينا، ويقوّلوننا ما لم نقله في يوم من الأيام، خصوصاً في أبواب الكفر والإيمان.
ولم أكن من قبل مهتماً بالكتابة في مثل هذا الموضوع، وذلك لأن علماءنا قد كَفَوْا فيه ووَفُّوا، ولأن طالب الحق المنصف بإمكانه التعرف إلى أقوالنا من كتاباتنا المفصّلة، إلى أن طلب مني ذلك بعض إخوة التوحيد ممن كان يصلنا ويتردّد على زيارتنا في السجن، وذلك بعد أن التقى بأُناس لم يتبينوا أقوالنا في بعض أبواب الكفر والإيمان.
فبادرت وأجبت ذلك الأخ الفاضل إلى طلبه من باب ضبط المسائل، والتعريف بمجمل وأهم ما نعتقده ونؤمن به، لعلي أن أسدّ بذلك الباب على من يبحث عن صيد شارد في بعض العمومات، أو يقوّلنا ما لم نقله، أو ينسب إلينا ويُلزمنا بما ليس هو من مذهبنا.
خصوصاً وأنني أعرف أن بعض كتاباتنا يتداولها كثير من المبتدئين في طلب العلم الذين قد تختلط عليهم بعض المسائل؛ خصوصاً عند بعض الإطلاقات أو العمومات التي قد يقرؤونها في كتاباتنا الدعوية التي نخاطب في كثير منها الطواغيب وأمثالهم من المشرعين وأوليائهم من عساكر الشرك والتنديد ونحوهم ممن أمر الله تعالى بترهيبهم والإغلاظ عليهم.
فربما أبقينا بعض نصوص الوعيد المطلقة على ظاهرها دون تأويل.
أو أطلقنا أحكاماً عن نوع العمل فلم يفرِّق من قصَّر في طلب العلم بين ذلك وبين تنزيل الحكم على الأعيان.
أو أبقينا بعض الإطلاقات على ظاهرها دون تفصيل أو تأويل ليكون ذلك أدعى لزجر المخاطَبين الذين دأبهم البحث عن الرخص والمخارج التي تهون لهم الموبقات.
وذلك تأسّياً بطريقة كثير من السلف في إطلاق نصوص الوعيد كما أطلقها الله تعالى، وإمرارها دون خوض في تأويلها، لتكون أدعى للزجر كما أرادها الله تعالى، فإن معصيةً قَرن الله اللعنة بها ليست كغيرها، وإن عملاً وصفه الله أو سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر ليس كسائر الأعمال، إلا أن يخشوا سوء الفهم من المخاطَبين فيلجؤون إلى التفصيل، وكذلك نفعل نحن في كتاباتنا المفصلة.
كما أعلم أن بعض غلاة المكفرة يتداولون بعض ما نكتبه بحثاً عمّا ينصر مذاهبهم، وكلي ثقة بأنهم لو كانوا طلبة حق منصفين فلن يقعوا على شيء مما يطلبون، إلا أن يبتروا مقالاتنا بتراً.
كما أعرف أن كثيراً من خصومنا من مرجئة العصر وأشباههم يفتشون فيها، لا بحثاً عن الحق، وإنما بحثاً عن إطلاقات ربما نقلناها عن بعض العلماء والأئمة والدعاة، ليشغبوا بها علينا سعياً منهم وراء تشويه دعوتنا، بتحميل كلامنا ما لا يحتمله، وبإلزامنا ما لا نلتزمه.
فإلى هؤلاء جميعاً أقول...
اتقوا الله، وقولوا قولاً سديداً، وتذكروا حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال) [1].
وأقول معلناً دون أدنى حرج...
أن كل قول قلته في كتاباتي ظهر أو سيظهر في يوم من الأيام أنه جاء معارضاً لنص من الكتاب والسنة خفي عليَّ، فأنا أول من يرجع عنه، ويبرأ منه، ويعض بالنواجذ على ذلك النص.
وسيرى القارىء لهذه الورقات أن كثيراً من كلامنا فيها متأثر تأثراً واضحاً بل ربما كان بحروفه - مما تكرر في "العقيدة الطحاوية"، أو "الواسطية"، أو نحوها من الكتب، ولا غرابة في ذلك فقد تأثرنا بهذه الكتب في أول الطلب تأثراً بيناً، ودرسناها ودرّسناها مراراً وتكراراً بفضل الله تعالى.
وقد كان علماؤنا يطيلون في تلك الكتابات ويسهبون في مسائل عمّت بها البلوى في أزمنتهم، واحتيج إلى التوسع فيها رداً على طوائف من الفرق المنحرفة عن طريق أهل السنة والجماعة، أو على بدع اشتهرت في أيامهم، وتراهم يختصرون في مسائل أخرى يمرون عليها مروراً سريعاً، لقلَّة الخوض أو الخبط فيها في ذلك الزمان، وربما ذكروا بعض مسائل الفقه في طيّات كلامهم في العقيدة وذلك رداً على مخالفة أهل البدع في تلك المسائل، ليميزوا أهل السنة عن أهل البدعة، وليسجلوا براءتهم منهم، ولو في تلك الفروع الفقهية التي غالباً ما تتفرع عن أصول شذ فيها أهل البدع.
ونحن في هذه الورقات، قد جرينا على هذا المنوال، فلم نتعرض لكل ما ذكرته تلك الكتب من مسائل الاعتقاد، وإنما أوردنا فيها أهم المهمات، وركزنا على أبواب محددة رأينا أن الخبط والخلط قد كثر حولها في هذا الزمان، أو مسائل خشينا أن ينسب فيها - أو نسب فعلاً - إلينا غير الذي نقول.
والله نسأل أن يتقبل منا سعينا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يثبتنا على عقيدة الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وأن يجعلنا من أصحاب الطائفة المنصورة.
هو مولانا نعم المولى ونعم النصير
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ردغة الخبال: عصارة قيح وصديد أهل النار، والحديث رواه أحمد وأبو داود.
رد: هذه عقيدتنا
توحيد الله
[الكاتب: أبو محمد المقدسي] نقول في توحيد الله...
أن الله واحد لا شريك له، لا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته.
فلا خالق غيره، ولا رب سواه، ولا رازق ولا مالك ولا مدبر لهذا الوجود إلا هو، ونوحّد الله في أفعاله سبحانه، كما نوحده بأفعالنا أيضاً.
فنوحده في عبادتنا وقصدنا وإرادتنا، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه فنشهد كما شهد الله لنفسه، والملائكة، وأولوا العلم، قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، مثبتين ما تثبته هذه الكلمة العظيمة من تجريد العبادة لله وحده ولوازمها وواجباتها وحقوقها، نافين ما تنفيه من أنواع الإشراك والتنديد وتوابعه.
ونؤمن بأن الغاية التي خلق الله تعالى الخلق لها؛ عبادته وحده، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وندعو إلى توحيده سبحانه في جميع أنواع العبادة، من سجود أو ركوع أو نذر أو طواف أو نسك أو ذبح أو دعاء أو تشريع أو غيره... {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِ العَالَمينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ} [الأنعام: 162 - 163].
وأمْر الرَّب سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي، وكما أن له وحده سبحانه الحكم الكوني القدري، فهو مدبر الكون القاضي فيه بما يريد وحسبما تقتضيه حكمته، فكذلك نوحده سبحانه في حكمه الشرعي فلا نشرك في حكمه أحداً، ولا نشرك في عبادته أحداً {ألا لَهُ الخَلقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ الله ربُّ العَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، {إنِ الحُكمُ إلاَّ للهِ أَمَرَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [يوسف: 40]، فلا مشرّع بحق إلا هو سبحانه وتعالى، ونبرأ ونخلع ونكفر بكل مشرّع سواه، فلا نبغي غير الله رباً، ولا نتخذ غيره سبحانه ولياً، ولا نبتغي غير الإسلام ديناً، فإن من اتخذ حَكَماً ومشرّعاً سواه سبحانه، تابعه وتواطأ معه على تشريعه المناقض لشرع الله، فقد اتخذ غير الله رباً، وابتغى غير الإسلام ديناً، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله} [التوبة: 31].
كما نوحّده سبحانه في أسمائه وصفاته، فلا سميَّ له ولا شبيه ولا مثيل ولا ندّ ولا كفء: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَد * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوَاً أَحَد} [الإخلاص: 1 - 4].
سبحانه تفرّد بصفات الجلال والكمال التي وصف بها نفسه في كتابه، أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، فلا نَصِفُ أحداً من خلقه بشيء من صفاته، ولا نشتق له من أسمائه، ولا نضرب له سبحانه الأمثال أو نشبّهه بأحدٍ من خلقه، ولا نُلحد في أسماء ربنا وصفاته.
بل نؤمن بما وصف سبحانه به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام على وجه الحقيقة لا المجاز، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل: {وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمواتِ وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [الروم: 27].
فلا ننفي عنه شيئاً مما وصف به نفسه سبحانه، ولا نحرّف الكلم عن مواضعه، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، أو متوهمين بأوهامنا، بحجة التنزيه، فما سلِم في دينه إلا من سَلّم لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام وردّ عِلم ما اشتبه عليه إلى عالمه، ولا تثبت قدم الإسلام لأحد إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام عِلم ما حُظِر عنه، ولم يقنع بالتسليم فِهْمُه، حَجَبه مرامه عن صحيح الإيمان وخالص التوحيد.
ونؤمن بأن الله أنزل كتابه بكلام عربي مبين، فلا نفوّض علم معاني الصفات وإنما نفوض علم الكيفيات، ونقول: {ءَامَنَّا بِهِ كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِنَا} [آل عمران: 7].
ونبرأ إلى الله من تعطيل الجهمية، ومن تمثيل المشبهة، فلا نميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل نتوسط ونستقيم كما أراد ربنا بين النفي والإثبات، فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهٌوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]، فمن لم يتوقَّ التعطيل والتشبيه، زلّ ولم يُصب التنزيه.
فنحن في هذا الباب - كما في سائر الأبواب - على ما كان عليه سلفنا الصالح أهل السنة والجماعة.
ومن ذلك ما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله عليه الصلاة والسلام من أنه سبحانه فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، كما قال تعالى: {ءَأَمِنْتُم مَّن فِي السَّماءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فإذا هِيَ تَمُوُر} [الملك: 16].
وكما في حديث الجارية التي سألها النبي عليه الصلاة والسلام: (أين الله؟)، قالت في السماء، قال: (من أنا؟)، قالت أنت رسول الله، قال: (اعتقها فإنها مؤمنة) [2].
وهذا حق لا مرية فيه عندنا، ولكن نصونه كما صانه سلفنا الصالح عن الظنون الكاذبة، كأن يُظن بأن السماء تظله أو تقله، فهذا باطل، اضطرنا إلى ذكره ونفيه وتنزيه الله عنه - وإن لم يتعرض له صراحة سلفنا - شغب أهل البدع وإلزاماتهم الباطلة لأهل السنة، فقد قال تعالى: {وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرضَ} [البقرة: 255]، وهو سبحانه: {يُمْسِكُ السَّمَواتِ وَالأرضَ أَن تَزُولاَ} [فاطر: 41]، {وَيُمسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [الحج: 65]، {وَمِنْ آياتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25].
ونؤمن بأنه سبحانه مستو على عرشه، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، ولا نؤوِّل الاستواء بالاستيلاء، بل هو على معناه في لغة العرب التي أنزل الله تعالى بها القرآن ولا نشبه استواءه باستواء أحد من خلقه، بل نقول كما قال الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة).
وعلى هذا نُجري سائر صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، كالنزول والمجيء وغيره مما أخبر به سبحانه في كتابه، أو ثبت في السنة الصحيحة.
ونؤمن بانه سبحانه مع استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته قريب من عباده، كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186].
وفي الحديث المتفق عليه: (أيها الناس أربِعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته).
فهو سبحانه مع عباده أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، ولا نفهم من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ}ح مراد الزنادقة من أنه مختلط بعباده، أو حالٌ ببعضهم أو متحدٌ بهم، ونحوه من عقائد الكفر والضلال، بل نبرأ إلى الله من ذلك كله.
وله سبحانه مع عباده المؤمنين معيّة أخرى خاصة غير المعية العامة، هي معية النصرة والتوفيق والتسديد، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ اَّلذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]، فهو سبحانه مع استوائه على عرشه، وعلوه فوق سماواته، مع عباده أينما كانوا يعلم ما كانوا عاملين، وهو قريب سبحانه ممن دعاه، وهو مع عباده المؤمنين؛ يحفظهم وينصرهم ويكلؤهم، فقربه سبحانه ومعيته لا تنافي علوّه وفوقيتَه، فإنه ليس كمثله شيء في صفاته سبحانه، فهو عليٌّ في قربه قريب في علوّه.
ومن ثمرات هذا التوحيد العظيم، الذي هو حق الله على العباد:
فوز الموحد بجنة ربه والنجاة من النار كما في حديث معاذ بن جبل.
ومنها؛ تعظيم الرب وإجلاله بالتعرف إلى صفات كماله وجلاله، وتسبيحه وتنزيهه عن الشبيه أو المثيل.
ومعرفة سفاهة من اتخذوا من دونه أنداداً أشركوهم معه في العبادة أو الحكم والتشريع.
وتهافت وسقوط من أشركوا أنفسهم في شيء من ذلك، مع أنهم لم يشتركوا في الخلق، ولا نصيب لهم في الملك أو الرزق او التدبير.
ومن ذلك تحرّر القلب والنفس من رق المخلوقين.
وثبات العبد في الحياة الدنيا وفي الآخرة فليس من كان يعبد شركاء متشاكسين، يدعوهم ويشتت خوفه ورجاءه بينهم، ليس هذا كمن وحَّد ربَّه سبحانه وجرَّد له خوفَه ورجاءه وقَصْدَه وإرادته وعبادته.
فاللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على توحيدك حتى نلقاك.
رد: هذه عقيدتنا
الملائكة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي] ونؤمن بملائكة الله، وأنهم عباد الله مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم من خشيته مشفقون، يسبحونه الليل والنهار لا يفترون.
فنتولاهم ونحبهم، لأنهم من جند الله، ولأنهم يستغفرون للذين آمنوا، ونبغض من يبغضهم.
ومنهم جبرائيل الروح الأمين، وميكائيل، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، ومنهم الموكلون بحمل العرش، وملك الموت، ومنكر ونكير، ومالك خازن النار، ورضوان خازن الجنة، وملك الجبال، والكرام الكاتبين، وغيرهم كثير، لا يحصيهم إلا الله تعالى.
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج؛ أن النبي عليه الصلاة والسلام رُفع له البيت المعمور في السماء، يدخله يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خُلِقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم).
وقد يتمثل الملك بأمر الله على هيئة بشر، كما في قصة مريم، وحديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان والإحسان.
أما صورته الحقيقية؛ فقد ذكر الله تعالى في القرآن أنه جعل من الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير، وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام جبريل على صورته الحقيقية وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
تعظيم الله تعالى فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة خالقه.
ومن ثمراته؛ أن يستحيي العبد ممن معه من ملائكة الله تعالى.
ومن ذلك أيضاً؛ تثبيت العبد المؤمن الغريب بالإيمان، وعدم استيحاشه لقلة الأنصار بتذكره أن معه من الله حافظين.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: (إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله أحب فلاناً فأَحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء إن الله أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض...).
فعلى العبد المؤمن أن يحب ويتولى من يحبهم الله وملائكته وعباده المؤمنين، وعليه أن يبغض ويعادي ويبرأ ممن يبغضهم الله تعالى وملائكته وعباده المؤمنين، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.
رد: هذه عقيدتنا
الكتب
[الكاتب: أبو محمد المقدسي] ونؤمن بكتب الله تعالى التي أنزلها سبحانه على رسله جملة، ونؤمن على سبيل التفصيل بما سماه الله منها - كالتوراة والإنجيل والزبور –
وأن خاتمها القرآن العظيم كلام رب العالمين على الحقيقة، نزل به الروح الأمين على محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المرسلين، مهيمناً على سائر كتب الله.
وهو منزل من الله تعالى وليس بمخلوق، ولا يُساويه شيء من كلام المخلوقين، ومن قال: {إنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَر} [المدثر: 25]، فقد كفر وحقَّ عليه إن لم يرجع عن ذلك ويتوب قوله تعالى: {سَأُصْلِيه سَقَر} [المدثر: 26].
ونؤمن بأن الله كلَّم موسى تكليماً.
ونؤمن بأن الله تعالى حفظ كتابه من التبديل والتغيير، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وأن الله تعالى علّق النذارة به فقال: {وَأُوحِيَ إِليَّ هَذَا القرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
ونؤمن بأن كتابه هو العروة الوثقى وحبله المتين، الذي من استمسك به نجى، ومن أعرض عنه وهجره واتخذه ظهرياً؛ قد هلك وزل وضل ضلالاً مبيناً.
ومن ثمرات هذا الإيمان:
أخذ كتاب الله بقوة، والتمسك به، وتعظيم أوامره والعمل بها، وعدم ضرب بعضها ببعض.
والإيمان بمتشابهه، ورده إلى مُحْكمه، على طريقة الراسخين في العلم.
رد: هذه عقيدتنا
الرسل والأنبياء
[الكاتب: أبو محمد المقدسي] ونؤمن بأنبياء الله ورسله أجمعين الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه، أو أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنهم في سنته - من قص الله علينا خبرهم ومن لم يقصص - ولا نفرق بين أحد من رسله.
جمعهم جميعاً بأصل واحد كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلاَّ نُوْحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ للنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسَلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ * قَالُوا بَلَى} [الملك: 8 - 9].
وعليهم هداية الدلالة والإرشاد، وليس بمقدورهم هداية قلوب العباد، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء... وذلك أن الهداية نوعان:
هداية دلالة وإرشاد؛ يملك بذلها الرسل والأنبياء والدعاة، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [الشورى: 52].
وهداية توفيق وتسديد؛ وهذه لا يقدر عليها إلا الله، قال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272].
وهذا النوع من الهداية؛ فضل من الله وعدل يهبه سبحانه لمن علم منه إقبالاً على الحق وطلباً له، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
وقال صلى الله عليه وسلم : (ومن يتحَرَّ الخير يُعْطَه).
أما الأول؛ فمن عدل الله تعالى ورحمته أن بذله للخلق أجمعين.
ونؤمن بمعجزات الأنبياء ونحفظ لهم حقهم، ونتأدب معهم، ولا نفضل عليهم أحداً من الناس لا الأولياء ولا الأئمة، ولا غيرهم.
وهم مع ذلك بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية أو الألوهية شيء، بل تلحقهم خصائص البشرية من المرض والموت والحاجة إلى الطعام والشراب وغير ذلك... قال تعالى آمراً نبيه محمد عليه الصلاة والسلام أن يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعَاً وَلا ضَرَّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاَسْتَكْثَرتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيْرٌ وَبَشِيْرٌ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ} [الأعراف: 188].
ونؤمن بأن خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، فلا نبي بعده، وشريعته هي الشريعة المهيمنة على سائر الشرائع إلى يوم القيامة.
ولا يكون العبد مؤمناً حتى يتبعها ويسلم لحكمها تسليماً، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِيْ أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65].
ونؤمن بأن الله قد اتخذ محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، بعثه رحمة للعالمين، وأمره وأمر أمته بالتآسي بملة إبراهيم فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيْفَاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ} [النحل: 123]، وقال سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِمْ إِنَّا بُرَءَؤُاْ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُوْنِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغْضَاءُ أَبَدَاً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
فنتأسى بذلك إلى أن نلقى الله، فنبرأ من المشركين وأنصارهم وأوليائهم، ونبغضهم ونبرأ مما يعبدون من دون الله، ونكفر بمناهجهم وأديانهم ومللهم الباطلة المخالفة لدين الله، ونظهر ونعلن ونبدي عداوتنا للمحادّين لله منهم، المحاربين للحق، المجاهرين بباطلهم، ولا يمنعنا ذلك من دعوتهم وبيان الحق لمن أراد سماعه منهم، وتمني هدايتهم.
ومن ثمرات الإيمان بالرسل:
معرفة بعض نعم الله الجليلة على الخلق وشكره عليها، ومن أعظمها رحمته بهم بإرسال الرسل إليهم ليهدونهم سبيل الرشاد ويعرفونهم بما يوصلهم إلى الجنة وينجيهم من عذاب السعير.
ومن ذلك محبة الرسل، والثناء والصلاة والسلام عليهم، والدعاء لهم على ما تحملوه من أذى أقوامهم، وما صبروا عليه من مشقات الدعوة.
والاقتداء والتأسي بهم في ذلك، ومتابعتهم على نهجهم وسنتهم، وسيرتهم ودعوتهم إلى الله.
ونحب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم آل بيته الأطهار، وأصحابه وأتباعه وأنصاره إلى يوم الدين، ونتولاهم ولا نبرأ من أحد منهم، بل نبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فلا نذكرهم إلا بخير، وحبهم عندنا دين وإيمان وإحسان نتقرب به إلى الله تعالى.
ونتميز عن أهل البدع بسلامة قلوبنا وألسنتنا لهم، ولا نملُّ من أن ندعو بقوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
ونبرأ إلى الله من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يناصبون أهل البيت العداء.
ونعرف لعلي وفاطمة والحسن والحسين وسائر أهل البيت حقهم؛ فنحبهم ولا نغلوا فيهم:
واحفظ لأهل البيت واجب حقهم واعرف علياً أيما عرفان
لا تنتقص ولا تزد في قدره فعليه تصلى النار طائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة وتنصه الأخرى إلهاً ثاني [3]
ونقول مع هذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (... من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) [4].
فنبرأ ممن كفر وشرَّع أو ارتد وانحرف عن الصراط، كائناً من كان نسبه.
ونمسك عمّا شجر بين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، فهم في ذلك؛ بين مجتهد مصيب، ومجتهد مخطىء، فلبعضهم أجر، ولبعضهم أجران.
قل خير قول في صحابة أحمد وامدح جميع الآل والنسوان
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم وكلاهما في الحشر مرحومان
لا تقبلن من التوارخ كل ما جمع الرواة وخطّ كل بنان [5]
وهم مع ذلك ليسوا بمعصومين، ولكنهم كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام؛ خير القرون، والمُدّ من أحدهم إذا تصدّق به خير من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعدهم.
ونحب أنصار الدين في كل زمان إلى قيام الساعة؛ القريب منهم والبعيد، من عرفنا منهم ومن لم نعرف، ولا يضرهم ألا نعرفهم.
لا نبرأ من أحد منهم أو نعاديه أو نعامله معاملة غير المسلمين، بل نتولاهم وندعو لهم وننصرهم، ونجتهد أن نكون منهم.
--------------------------------------------------------------------------------
[2] رواه مسلم وأبو داود وأحمد، من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
[3] من نونية القحطاني.
[4] رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي.
[5] من نونية القحطاني.
رد: هذه عقيدتنا
اليوم الآخر
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
ونؤمن بفتنة القبر، ونعيمه للمؤمنين، وبعذابه لمن كان له أهلاً، كما جاءت به الأخبار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نلتفت إلى تأويلات أهل البدع، وفي هذا قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيَّاً وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} [غافر: 46].
وعن زيد بن ثابت عن النبي عليه السلام قال: (... فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه)، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: (تعوذوا بالله من عذاب القبر... الحديث) [وهو في صحيح مسلم].
وفي حديث البراء بن عازب الطويل الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: (... فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره).
وفتنة القبر؛ سؤال منكر ونكير للعبد فيه عن ربه ودينه ونبيه، فيثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت... اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وأما الكافر فيقول: (ها؟! ها؟! لا أدري)، ويقول المنافق والمقلد في دينه للأكثرية: (لا أدري! سمعت الناس يقولون قولاً فقلته).
وأحوال البرزخ من أمور الغيب التي يدركها الميت دون غيره، وهي لا تدرك بالحس في الحياة الدنيا، ولذلك فالإيمان بها مما يميز؛ المؤمن بالغيب عن المكذب به.
ونؤمن بأشراط الساعة التي أخبر الله تعالى بها في كتابه، وأخبر بها نبيه عليه الصلاة والسلام في سنته، من خروج الدجال على الحقيقة، دون التفات إلى تأويل أهل البدع، وإن كنا نعتقد أن من جنس فتنته ما هو موجود في كل زمان، إلى أن يأتي زمان خروجه على الحقيقة، ونؤمن بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام وهو الذي يقتله، وبطلوع الشمس من مغربها، وبخروج دابة الأرض وسائر ما أخبر الله تعالى به، أو أخبر به نبيه عليه الصلاة والسلام.
ونؤمن بالبعث بعد الموت، وجزاء الأعمال يوم القيامة، والعرض، والحساب، وقراءة الكتب والميزان، قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16]، فيقوم الناس لرب العالمين، حفاة عراة غرلاً غير مختونين، قال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدَاً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِيْنَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئَاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
ونؤمن بحوض نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في عرصات القيامة، وأن ماءه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، وآنيته بعدد نجوم السماء، وطوله شهر، وعرضه شهر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً... اللهم يا ولي الإسلام وأهله لا تحرمنا منه.
وأنَّ أصنافاً من أمة محمد عليه الصلاة والسلام سيذادون عنه، ويمنعون من وروده في يوم تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد، حتى يكون عرق الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يكون إلى كعبه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه عرقه إلجاماً.
وممن يذادون عنه ويمنعون منه؛ أعوان الأمراء الظلمة، الذين دخلوا عليهم وصدقوهم بكذبهم، وأعانوهم على ظلمهم، وكذلك يذاد عنه من بدل أو ابتدع أو أحدث في دين الله، ويومها يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (سُحْقاً سُحقاً لمن بدل بعدي).
ونؤمن بالصراط المنصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم ومن يزحف زحفاً، ومنهم من يُخطف خطفاً ويُلقى في جهنم، فإن على الجسر كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة ونجا... اللهم يا ولي الإسلام وأهله نجنا من النار.
فإذا عبروا عليه؛ وقفوا عند قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتَصّ من بعضهم لبعض، فإذا هُذّبوا ونُقُّوا، أذن لهم في دخول الجنة.
وأول من يستفتح باب الجنة؛ محمد عليه الصلاة والسلام، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته عليه الصلاة والسلام.
ونؤمن بالجنة والنار، وأنهما مخلوقتان لا تفنيان - إلا أن يراد فناء نار الموحدين - وأن الله خلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم فإلى الجنة بفضله، ومن شاء منهم فإلى النار بعدله.
والجنة دار النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيها من أنواع النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وأما النار فهي دار العذاب التي أعدها الله تعالى أصلاً للكافرين، قال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّتْ للكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]، ويدخلها عصاة المسلمين، ولكنها ليست دارهم التي أعدت لهم، ولذلك إذا دخلوها لم يخلدوا فيها، بل يعذبون بقدر ذنوبهم ثم مصيرهم إلى الجنة التي هي دار المؤمنين.
ونؤمن بالشفاعة التي أذن الله تعالى بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فله في القيامة؛ ثلاث شفاعات:
أما الأولى: فشفاعته في أهل الموقف كي يقضي بينهم، بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام عن الشفاعة، حتى تنتهي إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.
أما الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له عليه الصلاة والسلام [6].
وأما الثالثة: فشفاعته فيمن استحق النار من الموحدين؛ أن يخرج منها، أو لا يدخلها، وهذا النوع له صلى الله عليه وسلم، ولسائر النبيين والصديقين والشهداء ونحوهم ممن أذن الله لهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.
ويُخرج الله تعالى من النار أقواماً بغير شفاعة، بفضله سبحانه ورحمته، ويبقى في الجنة فضل، فينشىء الله له أقواماً فيدخلهم الجنة.
والإيمان بالشفاعة؛ مزية نخالف بها الخوارج المخلِّدين لأهل الكبائر في النار.
ونؤمن برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة وفي الجنة، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23 - 24].
وكما تواترت الأخبار بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته، ولسنا نشبه ربنا بشيء من خلقه، وإنما التشبيه هنا تشبيه الرؤية بالرؤية وضوحاً وحقيقة ودون مزاحمة، لا تشبيه المرئي بالمرئي، فمن عُدِم البصيرة والإيمان بهذا، فإنه لقمنٌ أن يُحرم هذه النعمة يوم المزيد، وهو سبحانه مع هذا؛ {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]، وإنما أثبتنا ما أثبته الله سبحانه وتعالى من النظر إليه، وما أثبته نبيه محمد عليه الصلاة والسلام من رؤية المؤمنين له سبحانه، والنظر والرؤية شيء دون الإدراك، فقف عند حدود الله، ولا تحمِّل نصوص الوحي ما لا تحتمل، ولا ترد شيئاً منها أو تعطله، فتزل بك قدم الهلاك.
ومن آثار الإيمان بذلك:
عمل الجاد لتحصيل ما أعده الله تعالى للمؤمنين، والنجاة مما توعّد به الله العصاة والكافرين.
عدم الجزع لما يفوت المؤمن من حطام الدنيا، أو ما يناله من أذى وبلاء ومصائب لإيمانه ودعوته وجهاده، بما يرجوه من عوض الآخرة ونعيمها وثوابها.
وغير ذلك من الثمرات الكثيرة، فليس الإيمان بذلك - كما يحسب كثير من الناس - أموراً معرفية علمية وحسب، بل هو إيمان، وتصديق، وإقرار يدفع إلى العمل.
--------------------------------------------------------------------------------
[6] وله صلى الله عليه وسلم شفاعة ثالثة خاصة به، وهي تخفيفه العذاب عن عمه أبي طالب، كما ثبت في الحديث.
رد: هذه عقيدتنا
القدر
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
ونؤمن بالقدر خيره وشره، وأن الله خلق الخلق وقدّر لهم أقداراً وضرب لهم آجالاً، وعلم ما هم عاملون من قبل أن يخلقهم، فعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن؛ لو كان كيف يكون.
هداهم النجدين، فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته.
ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد – إلا ما شاء لهم – فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء، ويعصم وينجي فضلاً منه، ويضل من يشاء، ويُشقي ويخذل عدلاً منه، وكل العباد يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقّبَ لحكمه، ولا غالب لأمره.
ما للعباد عليه شيءٌ واجبٌ كلا ولا سعيٌ لديه ضائعُ
إن عذبوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعّموا فبفضله وهو الكبيرُ الواسعُ
والخير والشر؛ مقدران على العباد.
ولم يكلف الله العباد إلا ما يطيقون، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ أي لا حيلة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله سبحانه، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله.
وكما أن المسبَّبات من قدر الله الذي فرغ منه، فكذلك أسبابها أيضاً من قدر الله الذي فرغ منه.
والإيمان بالقدر على درجتين؛ وكل درجة تتضمن شيئين:
فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون، فسبق علمه في كل كائن في خلقه، فقدَّر ذلك تقديراً محكماً، قال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِيْنٍ} [يونس: 61]، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وقال: {وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَاً مَقْدُورَاً} [الأحزاب: 38].
ثم كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وضمَّنه مقادير الخلق.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (يا بني! إنك لا تجد حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب، قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، يا بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني") [7].
قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70].
وهذا التقدير يكون في مواضع مجملاً، وفي مواضع مفصلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات أن يكتبها؛ رزقه، وأجله وعمله، وشقي أم سعيد.
فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه.
الدرجة الثانية: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد.
ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
فله سبحانه مشيئتان؛ وهما خلق الله وأمره، وقدرته وشرعه، كما قال سبحانه وتعالى: {أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 54].
مشيئة شرعية؛ وهي أمره الشرعي الذي قد يُعصى سبحانه فيه ويُخالف.
ومشيئة قدرية؛ فلن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، فلا يُعصى أمره الكوني القدري.
فتلك سنته شرعاً وأمراً، وهذه سنته قضاءً وقدراً.
وأفعال العباد؛ خلق الله وفعل العباد، فالعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن أو الكافر، والبر أو الفاجر، والمصلي والصائم، وللعبادة قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافت: 96]، وقال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} [التكوير: 28 - 29]، وهذه الدرجة يكذب بها عامة القدرية وغلا فيها قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره وأخرجوا عن أفعال الله وأحكامه حِكَمها ومصالحها.
فنحن وسط في القدر بين الجبرية والقدرية، فأفعالنا ومشيئتنا؛ مخلوقتان، والإنسان فاعل لأفعاله على الحقيقة مختار، له إرادة ومشيئة.
وهذا جملة ما يحتاج إليه في هذه المسألة من نَوَّر اللهُ قلبَه من أولياء الله تعالى.
فأصل القدر سر الله في خلقه، قد طوى الله تفاصيل علمه عن عباده، ونهاهم عن التعمق فيه، فقال في كتابه: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب؛ فقد كفر وخسر وخاب.
وذلك أن العلم علمان:
علم أنزله الله تعالى في الخلق؛ فهو موجود.
وعلم حجبه الله عنهم؛ فهو مفقود.
فإنكار العلم الموجود؛ كفر، وادعاء العلم المفقود؛ كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك العلم المفقود، ورده على عالمه الغفور الودود.
ومن آثار الإيمان بالقدر وثمراته:
أن يتوكل المؤمن على الله حق التوكل، فلا يتخذ الأسباب أرباباً، ولا يتكل عليها، بل يخلص توكله على الله وحده، فكل شيء بتقديره سبحانه.
ومنها؛ اطمئنان قلب المؤمن وعدم جزعه أو تحسره على ما يصيبه ويجري عليه من أقدار الله تعالى، فلا يأسى لفوات محبوب أو حصول مكروه، فكل ذلك بقدر الله تعالى، وما أصابه ما كان ليخطئه، وما أخطأه ما كان ليصيبه.
--------------------------------------------------------------------------------
[7] رواه أحمد وأبو داود، واللفظ لأبي داود.
رد: هذه عقيدتنا
هذه عقيدتنا
الإيمان
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
الإيمان
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
والإيمان؛ عمل وقول ونية، فهو اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح.
واعتقاد الجنان أو القلب؛ قوله، وعمله، فقول القلب؛ هو معرفته أو عمله وتصديقه، ومن أعماله؛ الرضى، والتسليم، والمحبة، والانقياد، والإخبات، ونحوه.
فالقول؛ قول القلب واللسان، والعمل؛ عمل القلب والجوارح، والتصديق يكون بالقلب، واللسان والجوارح [8].
والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وله شعب - كما أخبر الصادق المصدوق - أعلاها؛ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وله عرى كثيرة، أوثقها؛ الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله.
ومن شعبه؛ ما هو أصل الإيمان، يزول الإيمان بزواله وينتقض، كشعبة التوحيد- لا إله إلا الله - والصلاة، ونحوها مما نص الشارع على زوال أصل الإيمان وانتقاضه بتركه.
ومنها؛ ما هو من واجبات الإيمان، ينقص الإيمان الواجب بزوالها، كالحب في الله، والبغض في الله، وأن يأمن جارُه بوائقَه، ونحوه مما يأثم تاركه، ومثله اقتراف المحرمات كالزنا وشرب الخمر والسرقة، وصاحبه لا يكفر ولا يزول عنه أصل الإيمان، بل ينتقص بذلك إيمانه الواجب، فلا يكون من المؤمنين المستحقين للوعد المطلق، السالمين من الوعيد.
ومن شعب الإيمان؛ ما هو من كمال الإيمان المستحب، كإماطة الأذى عن الطريق، وحسن العهد [9]، ونحوه مما هو من مكملات الإيمان المستحب فلا يأثم من أخل به.
وعليه فللإيمان أصل لا يصح الإيمان إلا به، وله كمال واجب، وكمال مستحب، وكل نفي للإيمان ورد في نصوص الشرع فإما أن يراد به نفي أصل الإيمان فيكون صاحبه كافراً، كقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَى يُحَكِّمُوكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65]، وإما أن يراد به نفي الإيمان الواجب - أي كماله الواجب - يكون صاحبه آثماً أو فاسقاً، كقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) [10]، أو قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... الحديث) [11]، أو قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وذلك لأن نفي الإيمان؛ صيغة وعيد، والوعيد لا يرد إلا في حق من فعل محرماً أو ترك واجباً، فإما أن يكون من أصل الإيمان أو من الإيمان الواجب، ويتم التفريق والتمييز بين الدلالتين هل هي دلالة على الكفر - انتقاض أصل الإيمان - أو على الفسق - انتقاص الإيمان الواجب -؛ بقرائن تعرف من النص نفسه، أو من نصوص الشارع الأخرى.
ومن انتقض إيمانه بشيء من نواقض الإيمان؛ فكفر، لم تنفعه بقية شعب الإيمان إن وجدت عنده، ومن أخل بالإيمان الوجب؛ فهو إلى مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ما دام عنده أصل الإيمان.
فلا نميل في باب وعيد الله لا إلى المرجئة ولا إلى الخوارج، كما لا نميل في باب أسماء الإيمان والدين لا إلى الحرورية والمعتزلة... ولا إلى المرجئة والجهمية.
ومن ثمرات هذا الباب:
الحرص على الطاعة والمبادرة إلى العمل الصالح، والمسبقة إلى الخيرات، ليبقى إيماننا في ازدياد، مع المحافظة دوماً على أصل الإيمان وتحصينه، فإنه رأس المال وعروة النجاة الوثقى.
--------------------------------------------------------------------------------
[8] كما في الحديث الصحيح: (... والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه).
[9] والمقصود بحسن العهد هنا؛ الصلة والإحسان كما في إقبال النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بعجوز، سألته عنها عائشة رضي الله عنها فقال: (إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان).
[10] رواه مسلم.
[11] رواه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم.
رد: هذه عقيدتنا
الكفر
[الكاتب: أبو محمد المقدسي
] [الكاتب: أبو محمد المقدسي
ونبرأ إلى الله من ضلال مرجئة العصر، وجهمية الزمان؛ الذين لا يرون الكفر إلا في الجحود والتكذيب القلبي وحده، فهوَّنوا بذلك الكفر وسهّلوه، ورقَّعوا للكفرة الملحدين، وأقاموا الشبه الباطلة التي تسوّغ كفر وتشريع الطواغيت.
ونعتقد أن قولهم: "أن المرء لا يكفر إلا بجحود قلبي"؛ قول بدعي، فالجحود - كما قرر علماؤنا المحققون - يكون بالعمل والقول، أي بالجوارح، كما يكون بالقلب، والتصديق مثل ذلك.
والكفر أنواع؛ فمنه كفر الجحود، ومنه كفر الجهل، ومنه كفر الإعراض.
ونواقض الإسلام كثيرة، ولحوق الرجل بالكفر أسرع من لحوقه بالإسلام.
وكما أن الإيمان عندنا؛ اعتقاد وقول وعمل، فكذلك الكفر؛ يكون اعتقاداً، ويكون قولاً، ويكون عملاً.
ومن الكفر والظلم والفسق؛ ما هو أكبر، ومنه ما هو أصغر، والقول بأن الكفر العملي؛ مطلقاً كفر أصغر، وأن الخطأ الاعتقادي؛ مطلقاً كفر أكبر، قول بدعيّ، بل الكفر العملي؛ منه الأصغر ومنه الأكبر، وكذلك الخطأ أو الانحراف في الاعتقاد؛ منه ما هو كفر أكبر ومنه ما هو دون ذلك.
فمن أعمال الجوارح؛ ما أخبر الله تعالى بأنه كفر أكبر، ولم يشترط لذلك أن يصاحبه اعتقاد أو جحود أو استحلال، كالتشريع مع الله ما لم يأذن به الله، وكالسجود للشمس والأصنام، أو سب الله، أو الدين، أو الأنبياء، أو إظهار الاستهزاء، أو الاستهانة بشيء من الدين.
ومنها؛ ما هو من المعاصي غير المكفرة، التي لا تخرج صاحبها من دائرة الإسلام إلا أن يستحلها، كالزنى والسرقة وشرب الخمر ونحوها.
ولا نقول: "لا يضر مع الإيمان ذنب"، بل من الذنوب ما ينقص الإيمان، ومنها ما ينقضه، ونبرأ من أقوال المرجئة المؤدية إلى التكذيب بآيات الوعيد، وأحاديثه الواردة في حق العصاة من هذه الأمة، أو في حق الكفار والمشركين والمرتدين.
ونؤمن بأن الميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته؛ حق، وأنه سبحانه خلق عباده حنفاء فاجتالتهم شياطين الجن والإنس عن دينهم، وشرعت لهم ما لم يأذن به الله، وأن المولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه.
ولذلك نعتقد أن كل من دان بغير دين الإسلام فهو كافر، سواء بلغته الرسالة أو لم تبلغه، فمن بلغته؛ فهو كافر معاند أو كافر معرض، ومن لم تبلغه؛ فهو كافر جاهل، فللكفر درجات، كما أن للإيمان درجات.
ومع هذا؛ فلم يكتف الله تعالى بحجة الميثاق والفطرة على عباده، فأرسل إليهم الرسل يذكرونهم بالميثاق الذي أخذه الله عليهم، وأنزل عليهم كتبه وجعل آخرها كتابه المهيمن عليها "القرآن الكريم"، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحفظه من التبديل، وجعله حجة بالغة واضحة قائمة على كل من بلغه، فقال: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرآنُ لأُنْذِرَكُم بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، فدين الله في الأرض والسماء واحد هو دين الإسلام.
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19]، وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيْنَاً} [المائدة: 3]، فنحن ندين به، ونبرأ من كل ما خالفه، ونكفر بكل ما ناقضه وعارضه من المناهج الكافرة والملل الباطلة والمذاهب الفاسدة، ومن ذلك بدعة العصر الكفرية "الديمقراطية"، فمن اتبعها وابتغاها فقد ابتغى غير الإسلام ديناً، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ولذا نكفِّر من شرّع مع الله وفقاً لدين الديمقراطية - تشريع الشعب للشعب - كما نكفر من اختار أو وكّل وأناب عن نفسه مشرّعاً، لأنه قد ابتغى غير الله حكماً ورباً ومشرّعاً، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأذَن بِهِ اللهُ} [الشورى: 21]، وقال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ... الآية} [التوبة: 31].
ومع هذا؛ فنحن لا نكفر عموم الناس المشاركين في الانتخابات، إذ ليس جميعهم يبتغون في مشاركتهم فيها أرباباً مشرّعين، بل منهم من يقصد إلى اختيار نواباً للخدمات الدنيوية والمعيشية، وهذا أمر عمَّت به البلوى، واختلفت فيه مقاصد المنتخبين الذين لا يباشرون ولا يمارسون التشريع كالنواب، ولذلك فنحن لا نبادر إلى تكفير أعيانهم كما نكفر أعيان النواب المباشرين للكفر البواح من تشريع ونحوه.
ونقول: إن المشاركة في الانتخابات التشريعية عمل كفري... ولا نكفر بالعموم، بل نفرّق بين مقارفة الإنسان لعمل مكفر، وبين تنزيل حكم الكفر عليه، والذي يلزم فيه إقامة الحجة إذا أشكلت الأمور، والتبست الأحوال، وورد احتمال انتفاء القصد في مثل هذه الأبواب [12].
ولا نطلق مقولة: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب"، بل نقيدها بزيادة: "غير مكفر ما لم يستحله"، فلا نكفر بمطلق المعاصي والذنوب.
ونسمي أهل قبلتنا؛ مسلمين مؤمنين، والأصل فيهم عندنا الإسلام ما لم يأت أحدهم بناقض ولم يمنع من تكفيره مانع.
ولا نقول بخلود أهل الكبائر من أمة محمد عليه الصلاة والسلام في النار إن ماتوا وهم موحدين، حتى وإن لم يكونوا من ذنوبهم تائبين، خلافاً للخوارج ومن تابعهم من غلاة المكفرة، بل نقول؛ هم إلى مشيئة الله وحكمه، إن شاء سبحانه غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر تعالى: {وَيَغفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، وإن شاء عذبهم بعدله، ثم يخرجون من النار برحمته، أو بشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام التي ادخرها لأمته، او بشفاعة من يرتضي الله شفاعته من أهل طاعته.
فنحن وسط بين المرجئة والخوارج في باب الوعد والوعيد، ووعده ووعيده حق كله.
والأخوّة الإيمانية؛ ثابتة لعموم أهل القبلة مع المعاصي والكبائر، كما نص الله تعالى على ذلك في الكتاب فقال: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وقال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، فلا نسلب الفاسق الملي الإسلام بالكلية - كما تقول الخوارج - ولا نُخَلّده في النار - كما تقول المعتزلة - ولا ننفي عنه مطلق الإيمان ولا نصفه بالإيمان المطلق، بل نقول؛ هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.
ونرجو للمحسين من المؤمنين أن يعفوَ الله عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لأحد منهم بالجنة أو النار - إلاَّ من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر عنه بذلك - ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نُقَنّطهم، والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل أهل الحق - جعلنا الله منهم - بينهما.
ونرحم عوام المسلمين من أهل القبلة، ولا نكلفهم فوق طاقتهم، فلا نشترط للحكم بإسلامهم أن يعرفوا نواقض الإسلام أو يحفظوا ويعددوا شروط "لا إله إلا الله"، بل يُحكم لهم بالإسلام بتحقيق أصل التوحيد واجتناب الشرك والتنديد - ما لم يتلبسوا بناقض –
ونراعي شروط التكفير وننظر في موانعه، كما ننظر بعين الاعتبار إلى واقع الاستضعاف الذي يعيشونه في ظل غياب سلطان الإسلام وحكمه ودولته، وما نجم من جهل وما عمّ من شبهات لقلة العلم وذهاب العلماء الربانيين.
وعلى هذا؛ فنحن لا نبرأ من عصاة المؤمنين كبراءتنا من الكفار والمشركين والمرتدين، بل عصاة المؤمنين داخل دائرة الموالاة الإيمانية، لا نخرجهم منها ما داموا مسلمين، وإنما نبرأ من معاصيهم وفسوقهم وعصيانهم، ولا نعاملهم معاملة الكفار.
ولا نُكفّر كل من عمل عند حكومات الكفر منهم - كما هو شأن غلاة المكفرة - وإنما نكفّر من كان في عمله نوع من أنواع الكفر أو الشرك، من مشاركة في التشريع الكفري، أو الحكم الطاغوتي، أو تولٍّ للمشركين والكفار، أو مظاهرتهم على الموحدين.
ونُفصّل في العمل عند الكفار، ولا نقول بأنه كفر كله أو حرام، بل من ذلك ما هو كفر، ومنه ما هو حرام، ومنه ما هو دون ذلك، وكل وظيفة بحسبها.
ولا نحكم في أحكام الدنيا إلا بالظاهر الذي ليس لنا الحكم إلا به، والله يتولى السرائر ويحاسب عليها، فليس لنا أن نشق عن قلوب الناس، ولا عن بطونهم.
ونتحرز - كما تحرز علماؤنا الأبرار - في تكفير أهل التأويل، خصوصاً إذا كان الاختلاف لفظياً أو في المسائل العلمية التي يعذر فيها المخالف بالجهل.
وليس من منهجنا التعجل في التكفير، أو التعجل بترتيب آثاره دون تثبّت أو تبيّن، "فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر، أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم واحد" [13].
ونفرق في أبواب التكفير بين كفر النوع أو العمل المكفر، وبين كفر المعين، وأنه قد يصدر عن المرء كفر ولا يلزمه حكمه ولا اسمه، إن اختل شرط، أو قام مانع من موانع التكفير، ونعتقد أن من دخل الإسلام بيقين؛ فإنه لا يجوز أن يخرج منه بالشك أو التخرّص، فما ثبت بيقين لا يزول بالشك.
والبدع؛ ليست كلها على مرتبة واحدة بل منها ما هو من البدع المكفرة، ومن ذلك بدعة "الديمقراطية"، ومتابعة وابتغاء غير الله مشرعاً، من الأرباب المتفرقين، ومن البدع ما هو دون ذلك، فلا يصل إلى الكفر.
ونعتقد أن قاعدة: "من لم يكفر الكافر فهو كافر"؛ إنما استعملها أئمتنا للتغليظ والتنفير من بعض أنواع الكفر، ولم يستعملوا فيها التسلسل البدعي الذي أحدثه غلاة المكفرة، وأنها ليست على إطلاقها، وإنما فيمن كذّب أو ردّ بعدم تكفيره للكافر نصاً قطعي الدلالة قطعي الثبوت.
أما من لم يُكفِّر مَن ثبت عندنا تكفيره، لكن يحتاج في إنزال الكفر على عينه إلى نظر في الشروط والموانع والأدلة الشرعية - كالحكام بغير ما أنزل الله وعساكرهم مثلاً - فمن توقف في إنزال الكفر على أعيانهم لشبهات نصية عنده، فهذا لا تنطبق عليه القاعدة المذكورة، إذ هو لم يكذب نصاً شرعياً ولا رده، وإنما لم يقدر على التوفيق بين الأدلة، أو قدم دليلاً على غيره، أو نحو ذلك مما قد يقع فيه من قصّر في علوم الآلة والاجتهاد، فهذا ليس بكافر عندنا ما دام خلافه معنا بالألفاظ والأسماء، إلا أن يؤدي به ذلك إلى الدخول في دين الكفار أو نصرته، أو إلى توليهم ومظاهرتهم على الموحدين.
ونعتقد أن اتباع المتشابه وترك المحكم؛ علامة من علامات أهل البدع، وأن طريقة الراسخين في العلم من أهل السنة؛ أن يردوا المتشابه إلى المحكم.
ولا نكفر بالمآل، أو بلازم القول، فلازم المذهب ليس عندنا بمذهب، كما أننا لا نكفر مخالفينا ومن بغى علينا من مرجئة العصر ونحوهم من المبتدعة الذين لا تصل بدعتهم إلى الكفر، ما دام تخليطهم وخلافهم معنا لفظياً، كالاختلاف المجرّد في مسمى الإيمان أو الكفر وتعريفهما.
ولا نكفرهم وإن افتروا علينا، وقوّلونا ما لم نقله، أو نسبوا إلينا ما نحن منه برآء، فلا نعصي الله فيهم وإن عصوا الله فينا، ولا نكفرهم لإرجائهم إن كان من جنس إرجاء الفقهاءـ ما دام خلافهم معنا لفظياً، فلا نكفرهم إلا أن يؤدي بهم إرجاؤهم إلى ترك التوحيد والفرائض، أو إلى الكفر أو الشرك وتسويغه، أو إلى تولي الطواغيت ونصرتهم، أو المشاركة في تشريعهم، أو مظاهرتهم على الموحدين.
ونبغض جماعات الإرجاء التي ميّعت الدين، وشاركت أو سوّغت المشاركة في الحكم بغير ما أنزل الله، أو التشريع مع الله من خلال الديمقراطية، أو إظهار النصرة للمرتدين، ونبرأ من طريقتها، ونعتبرها جماعات بدع وضلالة، قد ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، ونرى أن رؤوسها من الدعاة على أبواب جهنم، ومع هذا؛ فنحن لا نكفر من هذه الجماعات إلا من قارف الكفر منهم أو نصره أو سوّغه أو ظاهر أهله على الموحدين، ولا نكفرهم بالعموم.
ونحفظ لعلمائنا العاملين حقهم، وكذلك دعاتنا المجاهدين، الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله.
وتقرّ أعيننا بطلب العلم الشرعي، ونحب طلبته، ونبغض أهل الرأي، وأصحاب البدع، وأصحاب الكلام الذين يقدمون العقول على النقول، أو يقدمون استصلاحاتهم واستحساناتهم على نصوص الوحي.
ونبغض مدارس الطواغيت وندعو إلى اجتنابها، ولا نكفر من شارك فيها دراسة أو تدريساً، إلا أن يباشر ويشارك في كفر أو يسوغه أو يدعو إليه، ولا نمانع من تعلم العلم الدنيوي المفيد إن سلم من المحظور، ولا ندعو إلى ترك الأسباب، ونحث على تربية الذراري على التوحيد، وتبصيرهم بأمر دينهم ودنياهم؛ ليكونوا لدين الله جنداً صادقين وأنصاراً عاملين.
--------------------------------------------------------------------------------
[12] وقد فصلنا ذلك في رسالتنا الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير.
[13] أصل هذه الجملة النفيسة من كتاب الشفا للقاضي عياض 2/277. نقلها عن العلماء المحققين وللغزالي مثلها.
دار الكفر ودار الإسلام وقاطنيها
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
ونقول بقول الفقهاء عن الدار إذا علتها أحكام الكفر وكانت الغلبة فيها للكفار وشرائعهم؛ إنها دار كفر.
ولكننا نعتقد؛ بأن هذا اصطلاح لا دخل له في الحكم على قاطني الديار في ظل غياب دولة الإسلام وسلطانه، وتغلب المرتدين وتسلطهم على أزمة الحكمة في بلاد المسلمين، فإن هذا المصطلح يطلق على الدار إذا علتها أحكام الكفر، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، كما يطلق مصطلح "دار الإسلام" على الدار التي علتها أحكام الإسلام، وإن كان أكثر أهلها كفار، ما داموا خاضعين لحكم الإسلام – ذمة -
فلا نؤصل على هذه المصطلحات أصولاً فاسدة، كما يفعل غلاة المكفرة، كمقولة؛ "الأصل في الناس اليوم الكفر مطلقاً"، ولا نتبنى شيئاً من ذلك، بل نعامل كل امرىء بما ظهر منه ونكل سرائرهم إلى الله، فنعامل من أظهر الإسلام به، ونحكم عليه بالإسلام، ونقول إن الأصل فيمن أظهر شرائع الإسلام؛ الإسلام، ما لم يتلبّس بناقض، وكذلك نعامل من أظهر الكفر والشرك، وتولى المشركين وظاهرهم على الموحدين؛ بما أظهر، حتى يؤمن بالله وحده، ويوحّد في عبادته، وينخلع عما هو فيه من كفر ويبرأ منه.
وحلق اللحى أو التشبه بالكفار ونحوه من المعاصي مما عمت به البلوى وانتشر في هذا الزمان؛ لا يصلح وحده أدلة للتكفير، فليست هذه أسباباً صريحة للتكفير، فلا نستحل بمثلها الدماء والأموال - كما يفعل غلاة المكفرة – "فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم".
ونقول بقول الفقهاء عن الدار إذا علتها أحكام الكفر وكانت الغلبة فيها للكفار وشرائعهم؛ إنها دار كفر.
ولكننا نعتقد؛ بأن هذا اصطلاح لا دخل له في الحكم على قاطني الديار في ظل غياب دولة الإسلام وسلطانه، وتغلب المرتدين وتسلطهم على أزمة الحكمة في بلاد المسلمين، فإن هذا المصطلح يطلق على الدار إذا علتها أحكام الكفر، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، كما يطلق مصطلح "دار الإسلام" على الدار التي علتها أحكام الإسلام، وإن كان أكثر أهلها كفار، ما داموا خاضعين لحكم الإسلام – ذمة -
فلا نؤصل على هذه المصطلحات أصولاً فاسدة، كما يفعل غلاة المكفرة، كمقولة؛ "الأصل في الناس اليوم الكفر مطلقاً"، ولا نتبنى شيئاً من ذلك، بل نعامل كل امرىء بما ظهر منه ونكل سرائرهم إلى الله، فنعامل من أظهر الإسلام به، ونحكم عليه بالإسلام، ونقول إن الأصل فيمن أظهر شرائع الإسلام؛ الإسلام، ما لم يتلبّس بناقض، وكذلك نعامل من أظهر الكفر والشرك، وتولى المشركين وظاهرهم على الموحدين؛ بما أظهر، حتى يؤمن بالله وحده، ويوحّد في عبادته، وينخلع عما هو فيه من كفر ويبرأ منه.
وحلق اللحى أو التشبه بالكفار ونحوه من المعاصي مما عمت به البلوى وانتشر في هذا الزمان؛ لا يصلح وحده أدلة للتكفير، فليست هذه أسباباً صريحة للتكفير، فلا نستحل بمثلها الدماء والأموال - كما يفعل غلاة المكفرة – "فإن استباحة دماء المصلين الموحدين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم".
رد: هذه عقيدتنا
الصلاة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، ما لم يتلبسوا بناقض ظاهر، ويمنع من تكفيرهم مانع.
ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً.
ولا نشهد عليهم؛ بكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك.
ونواب الطواغيت [14] في الصلاة عندنا ما بين:
متولٍّ لهم؛ فهو كجندهم وعساكرهم في نصرتهم، أو مسوِّغ لديمقراطيتهم مدافع مناصر لشركهم، فهؤلاء لا نرى الصلاة خلفهم، لأنهم منهم وليسوا منا بل ننهى عنها، ونأمر بإعادتها لمن صلى خلفهم، {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلا ً} [النساء: 141].
أو مداهن مكثر لسواد أوقافهم وولايتهم الباطلة لأجل المعيشة والدنيا؛ فلا تبطل الصلاة خلفه، وحكم الصلاة خلف هؤلاء؛ كحكم الصلاة خلف أهل الفسق وأصحاب البدع غير المكفرة، فنحن نكرهها ولا نبطلها، والصلاة خلف أهل السنة والتوحيد المظهرين للسنة والبراءة من أهل الشرك والتنديد أحب إلينا.
والدعاء للحكام والسلاطين - كفارًا كانوا أم مسلمين - من بدع الجمعة عندنا، وعلامة على الدخول في طاعتهم، ونحن نكرهها وننكرها، والصلاة خلف من يتركها من أهل السنة أحب إلينا، ولا نبطل الصلاة بسببها، ولا نرى إعادتها، إلا أن يكون الدعاء صريحاً بالنصرة للطواغيت أو لدينهم الشركي، فحكمهم حكم أنصارهم وأجنادهم، فالنصرة باللسان صنو النصرة بالسنان.
ونعتقد أن العالم إذا بايع الطاغوت المشرّع أو الحاكم الكافر، فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده، أو نصره وتولاه ودار معه في الفتوى حيث دار؛ بأنه كافر مرتد.
أما من تولى المناصب في حكومات الكفر من العلماء والمشايخ؛ فكل حسب منصبه.
إن كان فيه كفر أو إعانة على كفر أو مشاركة في التشريع الكفري أو نصرة ومظاهرة للمشركين على الموحدين؛ فهذا كافر عندنا، وما طول لحيته أو عظم لقبه وشهادته وعمامته، بموانع للتكفير عندنا.
وإن لم يكن في منصبه شيء من ذلك لكن كان فيه تكثير لسواد الباطل وتلبيس للحق به؛ فهؤلاء من الرؤوس الجهال الذين ضلوا وأضلوا.
--------------------------------------------------------------------------------
[14] ليس المقصود بالنواب هنا نواب البرلمانات المشرعين مع الله، فهؤلاء كفار لا تجوز الصلاة خلفهم، ولا نعمة ولا كرامة، ولكن المقصود بذلك أئمة المساجد، التابعين لوزارات الأوقاف، الذين أنابتهم الحكومات الطاغوتية لإمامة المسلمين.
رد: هذه عقيدتنا
الجهاد والخروج
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
والجهاد ماض مع كل طائفة من المسلمين، وللمرء أن يجاهد وحده أو مع الأمراء بَرّهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، ولا تجوز طاعتهم في معصية الله، لكن يجوز أن نقاتل من كفر بالله مع من عصى الله عند الحاجة، من باب دفع أعظم المفسدتين بأدناهما. [الكاتب: أبو محمد المقدسي]
لكن الجهاد تحت الراية السنّية الفاضلة؛ أحب عندنا وأولى وأوجب، والجهاد فريضة من الفرائض، لا يعطله فقد إمام ولا انعدام دولة الإسلام.
ولا نرى السيف على أحد من أهل القبلة الموحدين، إلا من وجب عليه السيف منهم بالدليل القطعي، والعصمة ثابتة لهم بيقين، فلا تزول إلا بيقين، "فاستباحة دماء المصلين الموحدين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم".
ولا نرى الخروج على أئمة المسلمين وأمرائهم وولاة أمرهم المسلمين وإن جاروا، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ما أمروا بالمعروف، ونرى طاعتهم واجبة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالهداية والصلاح.
ونرى وجوب الخروج على أئمة الكفر من الحكام الكفرة المتسلطين على رقاب المسلمين، وأنهم ارتدوا عن الدين؛
بتبديلهم الشريعة.
والتشريع مع الله.
والتحاكم إلى طواغيت الشرق والغرب.
وتولي أعداء الله.
ومعاداة دينه وأوليائه.
وأن الدعوة والعمل وبذل الجهد لأجل تغييرهم؛ فرض على المسلمين، كل بحسب استطاعته، ومن عجز عن حمل السلاح، لم يعجز عن نصرة من حمله ولو بالدعاء.
وأن الإعداد المادي والمعنوي لذلك واجب من واجبات الدين.
ونعتقد؛ أن قتالهم أولى من قتال غيرهم، لأن كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي، ولأن حفظ رأس المال مقدّم على الربح، ولأن جهاد الدفع مقدم على جهاد الطلب، ولأن البداءة بجهاد من يلوننا من الكفار أولى من جهاد من هم أبعد.
وأيضاً فما مكّن لليهود ولا للنصارى ولا لغيرهم من الكفار في بلاد المسلمين وجعل أموال المسلمين وبلادهم نهبة لهم؛ إلا هؤلاء المرتدين.
ونرى أن المعطلين لجهادهم بشبهات متهافتة - كدعوى عدم الهجرة أو التمايز، أو عدم وجود الإمام القوام على أهل الإسلام - هم أهل جهالة وضلالة، قد أفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا، وخذلوا الدين وخذّلوا عن نصرته.
بل نعتقد؛ أن قتالهم على كل حال وخلعهم وتغييرهم حتى يكون الدين كله لله؛ من أوجب الواجبات، والهجرة اللازمة لذلك إنما هي الهجرة إلى الله بالتوحيد، والهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة.
والإعداد الجاد والمتكامل لمثل هذا العمل؛ واجب عندنا، وهو أولى من الأعمال الفردية والجهود المبعثرة.
وإذا كان القيام عليهم والسعي لتغييرهم لا يجب إلا على المستطيع، فشرط الوجوب ليس شرطاً للجواز، فيجوز أن يقاتلهم المرء ولو وحده، وإن أيقن الشهادة وعدم الظفر، فالجهاد عبادة وفريضة مشروعة إلى قيام الساعة لا يبطلها شيء، فيجوز بذلها في كل وقت، كالصدقة في نسبتها إلى الزكاة.
فالجهاد هو المدرسة التي تتربى من خلالها القاعدة العريضة وتترسخ بها الأساطين المتينة التي عليها قوام هذا الدين.
رد: هذه عقيدتنا
الطائفة المنصورة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
ونؤمن بما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام عن الطائفة المنصورة، حيث قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)، قال: (فينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقول أميرهم: تعال صَلِّ لنا فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة)، [رواه مسلم عن جابر مرفوعاً]. [الكاتب: أبو محمد المقدسي]
وقال: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله عز وجل قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) [رواه مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعاً].
وعن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح! وقالوا: لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله عليه الصلاة والسلام بوجهه وقال: "كذبوا، الآن جاء دور القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام") [حديث صحيح، رواه أحمد والنسائي].
فهي طائفة تمثل أنصار هذا الدين في كل زمان، وهي طائفة مجاهدة مقاتلة، تسعى لنصرة دين الله من كل وجوه النصرة... فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهلها وأن يختم لنا بالشهادة في سبيله.
رد: هذه عقيدتنا
وبعد...
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
فهذا ديننا واعتقادنا، ظاهراً وباطناً، ديناً وسطاً بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس، لا إلى أهل الإفراط ولا إلى أهل التفريط.[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
نبرأ إلى الله من كل دين وملة ونحلة سواه، ونسأله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، وأن يختم لنا به، وأن يعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب؛ أبو محمد المقدسي
جمادى الآخرة / سنة 1418
من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى