محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله
صفحة 1 من اصل 1
محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله
لائحة اتهام
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
المتهمون:
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
المتهمون:
1) حاكم هذا البلد وجميع حكام هذا الزمان ومن ناصرهم وعاونهم على تشريعاتهم الوضعية.
2) قاضي محكمة أمن الدولة ومُعاونيه، وكلّ قاضٍ يحكم بالتشريعات الوضعية.
3) مخابراتهم وجندهم وأنصارهم وأعوانهم الذين ينصرون تشريعهم الوضعي.
4) أحبارهم ورهبانهم وسدنتهم المضلين الذين يُقيمون الشبهة الباطلة على تسويغ دين الديمقراطية الشركي "تشريع الشعب للشعب".
5) كلّ من أيدهم وصفّق لهم، وهتف باسمهم وشارك في إقرار، وتفعيل دينهم الباطل "الديمقراطية".
* * *
التهم الرئيسية المسندة:
1) مشاركة الله عز وجل في صفة من أخصِ خصائصه "التشريع".
2) عبادة غير الله تعالى بصرف أو تلقي التشريع من غيره.
3) إتخاذ الأرباب المتفرقين المشرِّعين مع الله تعالى.
4) تعطيل أحكام الله وشرعه، وتقديم القوانين الوضعية، والتشريعات الأرضية عليها.
5) محاربة أولياء الله الموحِّدين الذين يدعون النّاس إلى الكفر بالقوانين الوضعية، واتباع التشريعات الإلهية.
5) موالاة أعداء الله من الكفار الشرقيين والغربيين.
6) الصدّ عن سبيل الله والاستهزاء بشرع الله.. الخ.
* * *
الإثبات:
1) دستوركم الوضعي وقوانينكم وتشريعاتكم.
2) واقع الأمة.
* * *
الشهود:
1) كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الآخرة:
2) الكرام الكاتبين. و {كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}.
3) الأمة:{وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس}.
4) ألسنة المتهمين وأيديهم وأرجلهم وجلودهم وسمعهم وبصرهم - إن ماتوا على هذا الشرك - {ويوم يُحشر أعداء الله إلى النّار فهم يُوزعون، حتى إذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لِم شهدتم علينا قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيءٍ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون}.
هذه الورقات...
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
الحمد لله أحكم الحاكمين الذي أنزل الكتاب والميزان ليقوم النّاس بالقسط، وجعل العدل الذي قامت به السموات والأرض مخصوصاً في شريعته، وما سواها جور وظلم وضلال، فقال تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال}.
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين القائل في الحديث الصحيح: (قاضيان في النّار وقاضٍ في الجنّة).. أماّ الذي في الجنّة فهو الذي عرف الحق وقضى به، وليس الحق إلاّ في شرع الله تعالى.
فهذه ورقات أحببنا أن نكتبها بياناً للحق، وإعذاراً إلى الله، وإنذاراً لمن تعدّى حدوده، نُقدِّمها إلى قاضي محكمة أمن الدولة (حافظ أمين) ومعاونيه، وكلّ قاضٍ غيرهم يحكم في ظلِّ هذه القوانين الوضعية المناقضة لشرع الله تعالى. وليس مُرادنا فيها الدفاع عن أنفسنا، فإنَّ حسبنا الله، هو مولانا نِعم المولى ونِعم النصير والوكيل، {إنَّ الله يُدافع عن الذين آمنوا إنَّ الله لا يحب كلَّ خواّن كفور}.
وليس مُرادنا أيضاً الدفاع عن شرع الله ودينه، فإنَّ "كلمة الله هي العليا" دائماً، والحق يعلُو ولا يُعلى عليه، وقد تركَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك... وإنما المراد من ذلك كما قال الله تعالى: {معذرةً إلى ربِّكم ولعلَّهم يتَّقون}.
رد: محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله
المحاكمة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
اعلموا أيها القضاة:
أنَّ أول وأهم وأعظم ما افترض الله على عباده تعلّمه والعمل به، قبل الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من العبادات هو (التوحيد)، أي عبادة الله وحده.
قال تعالى: {وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون}، قال المفسرون: (أي ليعبدونني وحدي، أو ليوحدونني بالعبادة). وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وأن هذه هي الغاية العظمى، والهدف الأسمى والعروة الوثقى التي بعث الله من أجلها جميع رسله، وأنزل لها كافة كُتبه. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نُوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
وقد بيَّن الله عز وجل هذه الكلمة وفسرها بقوله: {ولقد بعثنا في كلِّ اُمَّةٍرسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وهو السبب الحقيقي والرئيس للخصومة بين الرسل وأقوامهم، قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أنِ اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون}، فقوله: {اعبدُوا الله} أي: وحِّدوا الله في العبادة، ولا تعبدوا معه أحداً غيره، وذلك لأنَّ أقوامهم كسائر النّاس، كانوا يعبدون الله، ولكن يعبدون معه آلهةً أخرى، فدعوةُ الرسل لم تكن لأجل دعوة النّاس لعبادة الله، والصلاة له، والصيام ونحوه فقط، فإنَّ أكثر النّاس يعبدون الله بهذه العبادات، بل كانت دعوتهم لأجل عبادة الله وحده، والبراءة من كلِّ معبودٍ سواه، {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ومن أجل ذلك كان النزاع وعليه عُذِّب الرسل وأتباعهم وأُوذوا وسُجنوا... قال تعالى مخبراً عن فرعون {قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين}، وبسببه يفترق النّاس فريقين، فريق في الجنّة وفريق في السعير، إذ هو العروة الوثقى التي ضمن الله تعالى بها ألا تنفصم، وجعل الله عليها مدار النجاة فقال:{قد تبيَّن الرُّشد من الغَي، فمن يكفر بالطّاغوت ويُؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}.
فقوله {فمن يكفر بالطاغوت ويُؤمن بالله} هو التوحيد الذي تضمنته "لا إله إلا الله".
والطاغوت: هو كلّ ما عُبد من دون الله بأي نوعٍ من أنواع العبادة وهو راضٍ بعبادته، وتتنوع صور الطواغيت في كلّ زمانٍ ومكان، فتارةً يكون الطاغوت صنماً أو وثناً يصلي له النّاس ويسجدون أو يذبحون له وينذرون، وتارةً يكون شرعاً غير شرع الله يتحاكم النّاس إليه أو مشرِّعاً من دون الله حاكماً كان أو نائباً أو كاهناً يشرع للنّاس من الدين والأمر والنهي ما لم يأذن به الله وهكذا تتنوع صور الطواغيت في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ويبقى مطلوب الرسل جميعاً واحداً: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ولأجل ذلك كان لِزاماً على كلّ من أراد الفوز بالجنّة والنجاة من النّار أن يتعلم معنى هذه الكلمة العظيمة والعروة الوثقى ليعمل بها... قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}.
فإذا تعلمها؛ علم لأي غاية وهدف خلق، ولأي شيءٍ بعث الرسل وأنزلت الكتب، وعرف الطريق الموصل للجنّة والأخرى المردية في النّار.
ومنه يتبين لكم أيّها القضاة حقيقة الخصومة بيننا وبين حكوماتكم المعطلة لشرع الله، ولماذا نحن نبغضها ونُكفِّر ونعادي أولياءها، ولماذا هم يحاربوننا، ويسجنوننا نحن، وكلّ داعية من دعاة التوحيد.
فـ "لا إله إلا الله" نفيٌّ وإثبات، ولا بد للاعتصام بهذه العروة الوثقى التي علّق الله عليها مدار النجاة، أن يجمع المرء فيها بين ركني النفي والإثبات... ولا يكفي النفي وحده دون الإثبات، ولا الإثبات وحده دون النفي، بل لابد من الجمع بين كلا الأمرين.. ف "لا إله" هو ركن النفي في هذه الكلمة العظيمة، وقد فسره الله تعالى في تعريف العروة الوثقى بقوله {فمن يكفر بالطاغوت} وفي دعوة الرسل بقوله {اجتنبوا الطاغوت}، وإنما قدمه على الإثبات لأهميته وخطورته فلا يصح الإثبات "عبادة الله" بدون هذا النفي "البراءة من كلِّ ما يُعبد من دون الله"، أي لا يصح ولا يقبل، ولا ينفع الإيمان بالله والصلاة والصيام والزكاة والحج له دون الكفر بالطاغوت.. أو بمعنى آخر: لا تنفع عبادة الله مع عبادة غيره، بل لابد من عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة سواه.
و "إلا الله" هو ركن الإثبات وهو يتضمن عبادة الله وحده، وقد بينه الله تعالى في تعريف العروة الوثقى بقوله: "ويُؤمن بالله" وفي دعوة الرسل كافة بقوله: {اعبدوا الله}.
فلعلَّكم أيُّها القضاة أن تقولوا: ومن يُنكر هذا؟ ومن يُعارضه؟
فسنُجيبكم بأنْ نقول: أنتم وحكومتكم. إننا ندعوا النّاس إلى هذا التوحيد العظيم، وأنتم تدعونهم إلى نقيضه من الشرك البواح المستبين.
فلعلَّكم تقولون: كيف؟ وهل نُصلي لغير الله، أو ندعوا غير الله، أو نصوم لغير الله، أو نذبح وننذر لغير الله، أو نأمر النّاس بمثل ذلك؟
فسنُجيبكم: كلا، بل مَن يعبد الله منكم، فهو يُصلي لله، ويصوم لله، ويدعوا الله، ويذبح لله، وينذر لله، لكنّه في أبوابِ الحكم والتشريع يأخذ التشريع من غير الله فهو يُشركُ مع الله أرباباً وآلهةً أخرى لا في الصلاة والصيام ونحوها.. لكن في التشريع، ومعلومٌ من دين المسلمين أنَّ تَلقِّي التشريع وقبوله من غير الله هو عبادة كالسجود والركوع والصلاة لغير الله، والأدلة على ذلك من كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم كثير، أسوق إليكم أيها القضاة هنا بعضها:
1) جاء في الحديث الصحيح بمجموع طرقه والذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأهل التفاسير عن عدي بن حاتم الطائي - وكان نصرانياً ثم أسلم - أنَّه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ قوله تعالى: {اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله..} الآية، فقال عدي: يا رسول الله ما عبدوهم!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم يكونوا يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال - أي يمارسون السلطة التشريعية - فيتبعونهم؟)، قال: نعم. قال: (فتلك عبادتهم إياهم).
ففي هذا الحديث أنَّ طاعة هؤلاء أحبارهم ورهبانهم في التشريع كانت عبادة لغير الله وشركاً أكبراً مخرجاً من الدين..
ولذلك بَوَّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه: (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لهذه الآية بقوله: "أنَّ من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله".
2) ومن الأدلة الصريحة على ذلك أيضاً ما رواه الحاكم وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} أنَّ ناساً من المشرِّكين كانوا يجادلون المسلمين لأنهم لا يأكلون الميتة، فقالوا: الشاة تُصبح ميتة من قتلها؟ قال المسلمون: الله. قال المشرِّكون: ما قتل الله، أو ما ذبح الله بسكينٍ من ذهب حرام - يعنون الميتة - وما ذبحتم أنتم بسكيٍن من حديد حلال؟ فأنزل الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.
فهذا حكمٌ صريحٌ واضحٌ من جبار السموات والأرض بأنَّ مُتبع التشريعات الوضعية ولو في قضيةٍ أو مسألةٍ واحدةٍ أنَّه مشركٌ بالله تعالى قد اتخذ غير الله رباً، وإنْ لم يسجد له أو يُصلي أو يركع، وأنَّ الطاعة في التشريع عبادةٌ يجب توحيدها لله عز وجل، ومن صرفها لغير الله تعالى فقد عبد غير الله.
وإذا عرفتم هذا وظهر لكم أنَّ من الكُفر البواح، والشرك الواضح المستبين اتخاذ غير الله مشرِّعاً، سواء كان هذا المشرِّع عالماً أو حاكماً أو نائباً أو شيخ عشيرة؛ وعلمتم أنَّ الله تعالى قد حكم على الشرك في كتابه فقال: {إنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً}.
ثم علمتم أنَّ المادة (25) من دستوركم الشركي الوضعي تنص على أنَّ: (السلطة التشريعية تُناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة). وأن نص المادة (24) (تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور).
عرفتم أنَّ كلّ من قَبِل بمثل هذا الدين المحدث، والكفر البواح المناقض لدين الله تعالى وتوحيده؛ قد اتخذ هؤلاء المشرِّعين أرباباً من دون الله تعالى أشركهم مع الله في عبادته، قال تعالى:{أم لهم شركاء شَرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. وقال عز وجل مُنكِراً على المشرِّكين: {ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار}. ويقول تعالى:{أفحُكمَ الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
يقول الحافظ أبو الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (يُنكر تعالى على من خرج عن حُكم الله المحكم المشتمل على كلِّ خيرٍ، الناهي عن كلِّ شرٍ، وعَدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهلُ الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعون بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارةٌ عن كتابٍ مجموع من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائعَ شتى من اليهودية والنصرانية والملّة الإسلامية وغيرها، وفيها كثيرٌ من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً مٌتبعاً يقدمونها على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قِتاله حتى يرجع إلى حُكم الله ورسوله فلا يُحكم سِواه في قليلٍ ولا كثيرٍ) اهـ.
ومما تقدم تعرف حقيقة الخصومة والعداوة بيننا وبين هذه الحكومات، وأصل النزاع بين أهل التوحيد وبين أنصارها وأوليائها، فهو ليس على كراسي أو مناصب أو أرضٍ أو مالٍ أو جاهٍ كما يتوهم كثيرٌ من النّاس، فأنتَ ترى أنَّ أتباع هذا التوحيد الخالص هم من أبعدِ النّاس عن مناصب هذه الحكومات، بل أول ما يدعونك إليه - إنْ كانوا مخلصين وإنْ كنتَ من أهل هذه المناصب الموالية المناصرة لهذا الشرك والتشريع وأهله، قاضياً كنتَ أو حاكماً أو مخابرات أوجُندياً - هو الفِرار إلى الله بترك تِلكمُ المناصب واجتنابها للنجاة من هذا الشرك وأهله.. فقول الله تعالى: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} هو منهاج حياتهم.
وليستِ الخصومة كذلك على إنكار فروع أو إصلاح جزئيات في واقع مهترئٍ، كتغيير خمارة أو سنيما أو مرقص أو ملهى أو نحوه، ومن ظنَّ أنَّ هذا هو لب الخصومة وأصله وحقيقته بيننا وبينهم، فإنه لم يفهم حقيقة دعوة الرسل ولا عرف سبب الخصومة الحقيقية بينهم وبين أقوامهم، والمنشغل بذلك كالمنشغل بعلاج جروح سطحية في جسدٍ يعجُ فيه سرطان خبيث قاتل.
الخصومة - يا قوم - أخطر من ذلك بكثير وأعظم، إنها في توحيدٍ وشرك، في كفرٍ وإيمان، إنها خلود في الجنّة أو في السعير.
إنَّ حكومتكم هذه - أيُّها القضاة - وأمثالها من الحكومات الأخرى ومن تابعها وناصرها على شركها قد جعلوا من أنفسهم أنداداً لله تعالى، أبوا إلا أن يُشاركوه في صفة هي من أخصِ خصائص ألوهيته ألا وهي التشريع، فجعلوا السلطة التشريعية - كما نصت دساتيرهم - حقاً لهم ولمن تابعهم على دينهم المحدث "الديمقراطية"، الذي حقيقة معناه (تشريع الشعب للشعب لا تشريع الله للشعب) فالشعب ومجلسه ونوابه وحاكمه هم أصحاب السلطة التشريعية في هذا الدين الذي اختارته حكومتكم وليس أحكمُ الحاكمين، تعالى الله عما يقولون عُلواً كبيراً.. {ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار؟}، {آلله خيرٌ أم ما يشركون؟}.
إنكم أيها القضاة وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ دين الدولة الإسلام، وفي الوقت نفسه تختارون دين الديمقراطية الكفري المحدث نظاماً للحكم {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون}.
إنكم وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ الله ربكم له تصلون وتصومون،ثم تختارون وتنتخبون عبيداً من خلقه تُشركونهم في أخصِ خصائص ألوهيته، السلطة التشريعية؟ {أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟}.
إنكم وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ القرآن كتابكم؛ ثم تتخذونه وراءكم ظِهرياً، وتُعرضون عن أحكامه المطهرة، وتقدمون عليها وعلى حدود الله السماوية، تشريعات دستوركم الوضعي وقوانينكم الأرضية.
والحكم النافذ عندكم المعمول به في هذه المحاكم وغيرها، ليس هو حكمُ جبار السموات والأرضين في كتابه العظيم، بل هو حكمُ أربابكم وآلهتكم المتفرقين، الذين شرَّعوا لكم في دستوركم وقوانينكم من الدين ما لم يأذن به الله..
هذه هي لائحة اتهامكم الرئيسية التي ستجدونها - إن لم تتوبوا من شِرككم - مفصّلة في كتابٍ لا يُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها؛ وما سواها فهو فروع مُندرجة تحت هذه الجريمة النكراء، وكلُّ واحدٍ منكم يا أنصار هذه التشريعات الوضعية سيُخرِج له أحكمُ الحاكمين يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
وحُكم هذه الجريمة الشركية ليس الإعدام للمجرم فيستريح، بل هو الخلود الأبدي "مؤبد" في جهنّم إلى أبدِ الآبدين {ونادوا يا مالك لِيَقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون، لقد جِئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون}، {والذين كفروا لهم نار جهنّم لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخَفَّفُ عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور، وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نُعمِّركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}.
ولا أظنكم أيُّها القضاة - وأنتم مِن أعرفِ النّاس بالقوانين الوضعية والتشريعات الأرضية - يخفى عليكم أمر هذه الجريمة الخطيرة التي حكم الله في أعظم كُتبه المنزلة أنها أعظم جريمة عُصي الله بها في الوجود؛ فقال تعالى: {إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، وقال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظالمين من أنصار}، وقال: {لئِن أشركتَ ليحبطن عملك ولتكوننَّ من الخاسرين}.
وسنضرب لكم مِثالاً لن نأخذه من بعيد، فالأمثلة من قوانين الجزاء وغيرها - على تشريعاتكم الوضعية الأرضية المناقضة لشرع جبار السموات والأرض - كثير، وقد فصّلنا القول فيها وبينا كيف تعمل على هدمِ أصولِ الشريعة السماوية، والضرورات التي أُنزلت من أجلها، في كتابنا الموسوم "كشف النقاب عن شريعة الغاب"، لكن سأضرب لكم مِثالاً واحداً فقط من قوانين محكمتكم التي ستُحاكموننا بها، وذلك زيادةً في إقامة الحجة عليكم، إذ هي واضحة مقامة في كتاب الله؛ وهي المادة (12/2) من قانون المفرقعات رقم (13) لسنة 1953 وتعديلاته، والتي تنص على أنّ: (كلّ من وُجد في حوزتِه أو نقلَ أو باعَ أو اشترى مادةً مفرقعةً بدون ترخيصٍ بقصد استعمالها على وجهٍ غير مشروع يُعاقب بالإعدام).
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
اعلموا أيها القضاة:
أنَّ أول وأهم وأعظم ما افترض الله على عباده تعلّمه والعمل به، قبل الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من العبادات هو (التوحيد)، أي عبادة الله وحده.
قال تعالى: {وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون}، قال المفسرون: (أي ليعبدونني وحدي، أو ليوحدونني بالعبادة). وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وأن هذه هي الغاية العظمى، والهدف الأسمى والعروة الوثقى التي بعث الله من أجلها جميع رسله، وأنزل لها كافة كُتبه. قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نُوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.
وقد بيَّن الله عز وجل هذه الكلمة وفسرها بقوله: {ولقد بعثنا في كلِّ اُمَّةٍرسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وهو السبب الحقيقي والرئيس للخصومة بين الرسل وأقوامهم، قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أنِ اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون}، فقوله: {اعبدُوا الله} أي: وحِّدوا الله في العبادة، ولا تعبدوا معه أحداً غيره، وذلك لأنَّ أقوامهم كسائر النّاس، كانوا يعبدون الله، ولكن يعبدون معه آلهةً أخرى، فدعوةُ الرسل لم تكن لأجل دعوة النّاس لعبادة الله، والصلاة له، والصيام ونحوه فقط، فإنَّ أكثر النّاس يعبدون الله بهذه العبادات، بل كانت دعوتهم لأجل عبادة الله وحده، والبراءة من كلِّ معبودٍ سواه، {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ومن أجل ذلك كان النزاع وعليه عُذِّب الرسل وأتباعهم وأُوذوا وسُجنوا... قال تعالى مخبراً عن فرعون {قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنّك من المسجونين}، وبسببه يفترق النّاس فريقين، فريق في الجنّة وفريق في السعير، إذ هو العروة الوثقى التي ضمن الله تعالى بها ألا تنفصم، وجعل الله عليها مدار النجاة فقال:{قد تبيَّن الرُّشد من الغَي، فمن يكفر بالطّاغوت ويُؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم}.
فقوله {فمن يكفر بالطاغوت ويُؤمن بالله} هو التوحيد الذي تضمنته "لا إله إلا الله".
والطاغوت: هو كلّ ما عُبد من دون الله بأي نوعٍ من أنواع العبادة وهو راضٍ بعبادته، وتتنوع صور الطواغيت في كلّ زمانٍ ومكان، فتارةً يكون الطاغوت صنماً أو وثناً يصلي له النّاس ويسجدون أو يذبحون له وينذرون، وتارةً يكون شرعاً غير شرع الله يتحاكم النّاس إليه أو مشرِّعاً من دون الله حاكماً كان أو نائباً أو كاهناً يشرع للنّاس من الدين والأمر والنهي ما لم يأذن به الله وهكذا تتنوع صور الطواغيت في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ويبقى مطلوب الرسل جميعاً واحداً: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ولأجل ذلك كان لِزاماً على كلّ من أراد الفوز بالجنّة والنجاة من النّار أن يتعلم معنى هذه الكلمة العظيمة والعروة الوثقى ليعمل بها... قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله}.
فإذا تعلمها؛ علم لأي غاية وهدف خلق، ولأي شيءٍ بعث الرسل وأنزلت الكتب، وعرف الطريق الموصل للجنّة والأخرى المردية في النّار.
ومنه يتبين لكم أيّها القضاة حقيقة الخصومة بيننا وبين حكوماتكم المعطلة لشرع الله، ولماذا نحن نبغضها ونُكفِّر ونعادي أولياءها، ولماذا هم يحاربوننا، ويسجنوننا نحن، وكلّ داعية من دعاة التوحيد.
فـ "لا إله إلا الله" نفيٌّ وإثبات، ولا بد للاعتصام بهذه العروة الوثقى التي علّق الله عليها مدار النجاة، أن يجمع المرء فيها بين ركني النفي والإثبات... ولا يكفي النفي وحده دون الإثبات، ولا الإثبات وحده دون النفي، بل لابد من الجمع بين كلا الأمرين.. ف "لا إله" هو ركن النفي في هذه الكلمة العظيمة، وقد فسره الله تعالى في تعريف العروة الوثقى بقوله {فمن يكفر بالطاغوت} وفي دعوة الرسل بقوله {اجتنبوا الطاغوت}، وإنما قدمه على الإثبات لأهميته وخطورته فلا يصح الإثبات "عبادة الله" بدون هذا النفي "البراءة من كلِّ ما يُعبد من دون الله"، أي لا يصح ولا يقبل، ولا ينفع الإيمان بالله والصلاة والصيام والزكاة والحج له دون الكفر بالطاغوت.. أو بمعنى آخر: لا تنفع عبادة الله مع عبادة غيره، بل لابد من عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة سواه.
و "إلا الله" هو ركن الإثبات وهو يتضمن عبادة الله وحده، وقد بينه الله تعالى في تعريف العروة الوثقى بقوله: "ويُؤمن بالله" وفي دعوة الرسل كافة بقوله: {اعبدوا الله}.
فلعلَّكم أيُّها القضاة أن تقولوا: ومن يُنكر هذا؟ ومن يُعارضه؟
فسنُجيبكم بأنْ نقول: أنتم وحكومتكم. إننا ندعوا النّاس إلى هذا التوحيد العظيم، وأنتم تدعونهم إلى نقيضه من الشرك البواح المستبين.
فلعلَّكم تقولون: كيف؟ وهل نُصلي لغير الله، أو ندعوا غير الله، أو نصوم لغير الله، أو نذبح وننذر لغير الله، أو نأمر النّاس بمثل ذلك؟
فسنُجيبكم: كلا، بل مَن يعبد الله منكم، فهو يُصلي لله، ويصوم لله، ويدعوا الله، ويذبح لله، وينذر لله، لكنّه في أبوابِ الحكم والتشريع يأخذ التشريع من غير الله فهو يُشركُ مع الله أرباباً وآلهةً أخرى لا في الصلاة والصيام ونحوها.. لكن في التشريع، ومعلومٌ من دين المسلمين أنَّ تَلقِّي التشريع وقبوله من غير الله هو عبادة كالسجود والركوع والصلاة لغير الله، والأدلة على ذلك من كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم كثير، أسوق إليكم أيها القضاة هنا بعضها:
1) جاء في الحديث الصحيح بمجموع طرقه والذي أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأهل التفاسير عن عدي بن حاتم الطائي - وكان نصرانياً ثم أسلم - أنَّه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ قوله تعالى: {اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله..} الآية، فقال عدي: يا رسول الله ما عبدوهم!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم يكونوا يحلون لهم الحرام ويحرمون عليهم الحلال - أي يمارسون السلطة التشريعية - فيتبعونهم؟)، قال: نعم. قال: (فتلك عبادتهم إياهم).
ففي هذا الحديث أنَّ طاعة هؤلاء أحبارهم ورهبانهم في التشريع كانت عبادة لغير الله وشركاً أكبراً مخرجاً من الدين..
ولذلك بَوَّب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه: (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) لهذه الآية بقوله: "أنَّ من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله".
2) ومن الأدلة الصريحة على ذلك أيضاً ما رواه الحاكم وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} أنَّ ناساً من المشرِّكين كانوا يجادلون المسلمين لأنهم لا يأكلون الميتة، فقالوا: الشاة تُصبح ميتة من قتلها؟ قال المسلمون: الله. قال المشرِّكون: ما قتل الله، أو ما ذبح الله بسكينٍ من ذهب حرام - يعنون الميتة - وما ذبحتم أنتم بسكيٍن من حديد حلال؟ فأنزل الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.
فهذا حكمٌ صريحٌ واضحٌ من جبار السموات والأرض بأنَّ مُتبع التشريعات الوضعية ولو في قضيةٍ أو مسألةٍ واحدةٍ أنَّه مشركٌ بالله تعالى قد اتخذ غير الله رباً، وإنْ لم يسجد له أو يُصلي أو يركع، وأنَّ الطاعة في التشريع عبادةٌ يجب توحيدها لله عز وجل، ومن صرفها لغير الله تعالى فقد عبد غير الله.
وإذا عرفتم هذا وظهر لكم أنَّ من الكُفر البواح، والشرك الواضح المستبين اتخاذ غير الله مشرِّعاً، سواء كان هذا المشرِّع عالماً أو حاكماً أو نائباً أو شيخ عشيرة؛ وعلمتم أنَّ الله تعالى قد حكم على الشرك في كتابه فقال: {إنَّ الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً}.
ثم علمتم أنَّ المادة (25) من دستوركم الشركي الوضعي تنص على أنَّ: (السلطة التشريعية تُناط بالملك وأعضاء مجلس الأمة). وأن نص المادة (24) (تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في الدستور).
عرفتم أنَّ كلّ من قَبِل بمثل هذا الدين المحدث، والكفر البواح المناقض لدين الله تعالى وتوحيده؛ قد اتخذ هؤلاء المشرِّعين أرباباً من دون الله تعالى أشركهم مع الله في عبادته، قال تعالى:{أم لهم شركاء شَرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. وقال عز وجل مُنكِراً على المشرِّكين: {ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أمِ الله الواحد القهار}. ويقول تعالى:{أفحُكمَ الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
يقول الحافظ أبو الفداء ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (يُنكر تعالى على من خرج عن حُكم الله المحكم المشتمل على كلِّ خيرٍ، الناهي عن كلِّ شرٍ، وعَدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهلُ الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعون بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارةٌ عن كتابٍ مجموع من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائعَ شتى من اليهودية والنصرانية والملّة الإسلامية وغيرها، وفيها كثيرٌ من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً مٌتبعاً يقدمونها على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قِتاله حتى يرجع إلى حُكم الله ورسوله فلا يُحكم سِواه في قليلٍ ولا كثيرٍ) اهـ.
ومما تقدم تعرف حقيقة الخصومة والعداوة بيننا وبين هذه الحكومات، وأصل النزاع بين أهل التوحيد وبين أنصارها وأوليائها، فهو ليس على كراسي أو مناصب أو أرضٍ أو مالٍ أو جاهٍ كما يتوهم كثيرٌ من النّاس، فأنتَ ترى أنَّ أتباع هذا التوحيد الخالص هم من أبعدِ النّاس عن مناصب هذه الحكومات، بل أول ما يدعونك إليه - إنْ كانوا مخلصين وإنْ كنتَ من أهل هذه المناصب الموالية المناصرة لهذا الشرك والتشريع وأهله، قاضياً كنتَ أو حاكماً أو مخابرات أوجُندياً - هو الفِرار إلى الله بترك تِلكمُ المناصب واجتنابها للنجاة من هذا الشرك وأهله.. فقول الله تعالى: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} هو منهاج حياتهم.
وليستِ الخصومة كذلك على إنكار فروع أو إصلاح جزئيات في واقع مهترئٍ، كتغيير خمارة أو سنيما أو مرقص أو ملهى أو نحوه، ومن ظنَّ أنَّ هذا هو لب الخصومة وأصله وحقيقته بيننا وبينهم، فإنه لم يفهم حقيقة دعوة الرسل ولا عرف سبب الخصومة الحقيقية بينهم وبين أقوامهم، والمنشغل بذلك كالمنشغل بعلاج جروح سطحية في جسدٍ يعجُ فيه سرطان خبيث قاتل.
الخصومة - يا قوم - أخطر من ذلك بكثير وأعظم، إنها في توحيدٍ وشرك، في كفرٍ وإيمان، إنها خلود في الجنّة أو في السعير.
إنَّ حكومتكم هذه - أيُّها القضاة - وأمثالها من الحكومات الأخرى ومن تابعها وناصرها على شركها قد جعلوا من أنفسهم أنداداً لله تعالى، أبوا إلا أن يُشاركوه في صفة هي من أخصِ خصائص ألوهيته ألا وهي التشريع، فجعلوا السلطة التشريعية - كما نصت دساتيرهم - حقاً لهم ولمن تابعهم على دينهم المحدث "الديمقراطية"، الذي حقيقة معناه (تشريع الشعب للشعب لا تشريع الله للشعب) فالشعب ومجلسه ونوابه وحاكمه هم أصحاب السلطة التشريعية في هذا الدين الذي اختارته حكومتكم وليس أحكمُ الحاكمين، تعالى الله عما يقولون عُلواً كبيراً.. {ءَأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار؟}، {آلله خيرٌ أم ما يشركون؟}.
إنكم أيها القضاة وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ دين الدولة الإسلام، وفي الوقت نفسه تختارون دين الديمقراطية الكفري المحدث نظاماً للحكم {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموت والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون}.
إنكم وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ الله ربكم له تصلون وتصومون،ثم تختارون وتنتخبون عبيداً من خلقه تُشركونهم في أخصِ خصائص ألوهيته، السلطة التشريعية؟ {أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟}.
إنكم وحكومتكم؛ تزعمون أنَّ القرآن كتابكم؛ ثم تتخذونه وراءكم ظِهرياً، وتُعرضون عن أحكامه المطهرة، وتقدمون عليها وعلى حدود الله السماوية، تشريعات دستوركم الوضعي وقوانينكم الأرضية.
والحكم النافذ عندكم المعمول به في هذه المحاكم وغيرها، ليس هو حكمُ جبار السموات والأرضين في كتابه العظيم، بل هو حكمُ أربابكم وآلهتكم المتفرقين، الذين شرَّعوا لكم في دستوركم وقوانينكم من الدين ما لم يأذن به الله..
هذه هي لائحة اتهامكم الرئيسية التي ستجدونها - إن لم تتوبوا من شِرككم - مفصّلة في كتابٍ لا يُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها؛ وما سواها فهو فروع مُندرجة تحت هذه الجريمة النكراء، وكلُّ واحدٍ منكم يا أنصار هذه التشريعات الوضعية سيُخرِج له أحكمُ الحاكمين يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
وحُكم هذه الجريمة الشركية ليس الإعدام للمجرم فيستريح، بل هو الخلود الأبدي "مؤبد" في جهنّم إلى أبدِ الآبدين {ونادوا يا مالك لِيَقضي علينا ربك قال إنكم ماكثون، لقد جِئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون}، {والذين كفروا لهم نار جهنّم لا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخَفَّفُ عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور، وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نُعمِّركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير}.
ولا أظنكم أيُّها القضاة - وأنتم مِن أعرفِ النّاس بالقوانين الوضعية والتشريعات الأرضية - يخفى عليكم أمر هذه الجريمة الخطيرة التي حكم الله في أعظم كُتبه المنزلة أنها أعظم جريمة عُصي الله بها في الوجود؛ فقال تعالى: {إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، وقال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظالمين من أنصار}، وقال: {لئِن أشركتَ ليحبطن عملك ولتكوننَّ من الخاسرين}.
وسنضرب لكم مِثالاً لن نأخذه من بعيد، فالأمثلة من قوانين الجزاء وغيرها - على تشريعاتكم الوضعية الأرضية المناقضة لشرع جبار السموات والأرض - كثير، وقد فصّلنا القول فيها وبينا كيف تعمل على هدمِ أصولِ الشريعة السماوية، والضرورات التي أُنزلت من أجلها، في كتابنا الموسوم "كشف النقاب عن شريعة الغاب"، لكن سأضرب لكم مِثالاً واحداً فقط من قوانين محكمتكم التي ستُحاكموننا بها، وذلك زيادةً في إقامة الحجة عليكم، إذ هي واضحة مقامة في كتاب الله؛ وهي المادة (12/2) من قانون المفرقعات رقم (13) لسنة 1953 وتعديلاته، والتي تنص على أنّ: (كلّ من وُجد في حوزتِه أو نقلَ أو باعَ أو اشترى مادةً مفرقعةً بدون ترخيصٍ بقصد استعمالها على وجهٍ غير مشروع يُعاقب بالإعدام).
رد: محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله
فتأملوا أيُّها القضاة قول مُشرِّعكم (بدون ترخيص) فمن ذا الذي يُبيح ويُرخّص ويُحل ويُحرِّم عندكم؟ إنه ليس الله بل أربابكم المشرِّعون المتفرقون، ففي شريعتنا السماوية العظيمة المشرِّع الواحد الأحد - الذي يحرّم ويحلّل، ويُبيح ويُرخّص، ويحكم ولا معقب لحكمه - هو الله الواحد القهار، وقد رخص سبحانه لنا بل أمرنا بإعداد العُدة لأعداء دينه فقال: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}. ولفظ {قوة} في هذه الآية العظيمة جاء نكرة ليشمل جميع أنواع العدة، سواء كانت قنابل أو مفرقعات أو غيرها، أما في شريعتكم ودينكم فقد شرَّع لكم أربابكم في المادة (2) من قانون المفرقعات بأن (سلطة الترخيص) عندكم ممثلة بوزير الدفاع أو أي شخص ينتدبه لهذا الغرض، ونصت الفقرة (2) من المادة (3) من القانون نفسه على أنه (لا يجوز لسلطة الترخيص أن تمنح في أية حالة رخصة لصنع المفرقعات قبل أخذ موافقة مجلس الوزراء... الخ).
إنَّ الله جل ذكره يأمرُ من فوقِ سمواته ويُنزل في تشريعاته المطهرة في أعظم كُتبه فيقول {وأعدوا}، وأربابكم المتفرقون يُشَرِّعون لكم في كتابكم - الذي تقدمون أحكامه على كتاب الله - فيقولون (لا يجوز) ولا مُرخص أو مُبيح في ذلك إلا الجهات التي شرَّعها لكم مشرِّعكم... {ءَإلهٌ مع الله تعالى الله عما يشركون}.
ثم تأملوا قول مشرِّعكم في تلك المادة: (بقصد استعمالها على وجهٍ غير مشروع)، فمن ذا الذي يحدد المشروع من غير المشروع في دينكم؟ أو بمعنى أدق: من هو الإله المشرِّع عندكم؟ وطبقاً لأي شيءٍ يكون تشريعه؟
أما عندنا نحن الموحِّدون؛ فالمشرِّع الذي يحدد المشروع من غير المشروع هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا نُشرك معه في ذلك أحدا،إذ لا يجوز في ديننا أن يُشاركه فيه أحدٌ كائناً من كان حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشرف الخلق، فما هو بمشرع إنْ هو إلا نذير، ومبلّغ عن المشرع الواحد الأحد.
وقد شرع الله لنا في ديننا استعمال كلّ قوة نمتلكها ونستطيعها ضد أعداء الله، سواء كانوا يهوداً أو غيرهم، ورتّب على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل، جنّة عرضها السموات والأرض أُعدت للمجاهدين المتقين، والنصوص في شريعتنا في هذا الباب من الكتاب والسنّة أكثر من أن يحصرها هذا المكان.
أما عندكم أنتم أيُّها المشركون - يا من أشركتم مع الله في العبادة مشرِّعين آخرين وأرباباً متفرقين - فمعلوم من المادة (25) من دستوركم الوضعي أنَّ الأرباب المشرِّعين عندكم هم (الملك وأعضاء مجلس الأمّة)، و (تشريعهم لا يمارس أو ينفذ إلا إذا كان وِفق مواد الدستور) كما في المادة (24)، ولذلك فإن استخدام هذه المفرقعات ضد اليهود يُعدُّ في دينكم وشرعكم (استعمالاً غير مشروع) خصوصاً بعد إقرار معاهدة السلام بين حكومتكم وحكومة إسرائيل، وتصديق قانونها من قِبل مجلسكم التشريعي برقم 14 لسنة 1994 ولذلك فإنكم تُعاقبون على هذا الاستعمال - المشروع في دين الله المحرم في دينكم - بعقوبة قد تصل إلى الإعدام.
فالله ربنا عز وجل شرَّع لنا استعمال كلَّ نوعٍ من أنواع القوة ضد اليهود وغيرهم من أعداء الله، ورتَّب على ذلك الأجر والثواب، وأربابكم المتفرقون شرَّعوا لكم تحريم استعمالها ضدهم، ورتبوا على ذلك عقوبة الإعدام إن كانت هذه القوة تحتوي على المفرقعات.. {ءإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}.
الله جل ذكره شرع لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري أنه؛ (لا يحل دم امرئٍٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة)، وأنتم شرَّع لكم أربابكم في دينكم بناءً على المادة السابقة أن دم المسلم الموحِّد يحل في غير هذه الثلاث، فيُعدم إن حاز قنابل أو مفرقعات لغايةٍ مشروعةٍ عند الله، غير مشروعة عند أربابكم.
والله ربنا شرع لنا في ديننا كما في الحديث السابق قتل الثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة... وأنتم شرع لكم أربابكم في دينكم عدم قتله بل حفظ دمه والحكم له بالبراءة إن كان الزنا برضا المرأة وتنازل الزوج عن حقه ورضي باستمرار الحياة الزوجية [1]، {ءإلهٌ مع الله قليلاً ما تذكرون}.
والله ربنا شرع لنا - كما في الحديث السابق - قتل المرتد المبدّل لدينه أو المستهزئ بشيء من الشريعة أو الساب للرب أو الدين أو الرسول صلى الله عليه وسلم...وأنتم شرع لكم أربابكم حفظ دمائهم لأن دستوركم وشرعكم يكفل حرية الإعتقاد هكذا مطلقاً، فليس في شرعكم ودينكم ما يعاقب على الردة أو يعدّها جريمة تستحق الإعدام.. وكذلك الساب للرب أو الدين إن حوكم فبماذا سيُحكم ؟ وأيّ المحاكم تختص بجريمته؟ مع أنه في دين الله مرتد ليس له إلا حكم الإعدام!
وبيان حُكم الله في دساتيركم، وإظهار حقيقة مشرعيكم وسفاهة وتهافت وتناقض قوانينكم، هذا البيان الذي يُؤجِر الله عليه، ويعده من أحسن القول {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين}. هذا تُسمونه في دينكم وتشريعكم؛ (سب وإطالة لسان)، كما قال أسلافكم المشرِّكون عن النبي صلى الله عليه وسلم لماّ بيَّن زيف آلهتهم وأربابهم المشرِّعين: (سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا)، {وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين}، ولذلك فأنتم تقتدون بهم فتعاقبون من نصحكم بترك العمل بهذه القوانين الوضعية الباطلة وحذّر منها، ودعا النّاس إلى البراءة من الأرباب المشرعين المتفرقين، واتباع شرع الله الواحد القهار، تعاقبونه بتهمة (إطالة لسان) التي قد تصل عقوبتها في شرعكم إلى (ثلاث سنوات) ومحكمتها عسكرية.
بينما الذين يسبُّون الربّ والدين، الذين ملؤوا الشوارع والديار فلا رقيب عليهم ولا عتيب، وإن حصل ورُوقبوا أو عُوقبوا فعقوبة ذلك عقوبة ساقطة مهترئة قد تتدنى أحياناً إلى الشهر، ومحكمتها محكمة مدنية {ءإلهٌ مع الله؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، وهكذا فالأمثلة أيها القضاة في هذا الباب الشركي - الواضح المستبين - كثيرة ومتنوعة من دينكم الذي نبرأ إلى الله منه، وليس المقصود حصرها في هذا المكان الضيّق، لكن فيما ذُكر كفاية لمن أراد الهداية.
فإذا عرفتم ما تقدم، عرفتم عظم الجريمة التي ننكرها عليكم وعلى حكومتكم، وأنكم ستُحاكمون عليها بين يدي أحكم الحاكمين، ومن هلك وسقط فيها {فيومئذٍ لا يُعذب عذابه أحد ولا يُوثق وثاقه أحد}. إذ هي الجريمة التي أنكرها الرسل قاطبة على أقوامهم، وأعظم ذنب عُصي الله به في الوجود.
ومنه يتضح لكم لماذا نسمّيكم بالمشركين، ولماذا لا نقف احتراماً لمحاكمكم الشركية، ولماذا نقول لكم كما قال إبراهيم والذين معه لقومهم {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}. برءاؤا من أربابكم المشرعين المختلفين المتفرقين، برءاؤا من قوانينكم الوضعية ودساتيركم الأرضية ومحاكمكم الشركية ومحامييكم الذين يتحاكمون إلى القوانين والدساتير الكفرية.
{كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}.
إننا - أيُّها القضاة - نقف اليوم بين أيديكم معتقلين تحاكموننا باسم طاغوتكم و تحكموننا بشرعكم وقانونكم الوضعي، وتخوفوّننا بقوانينكم والسجن والإعدام مع أن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
ونحن نُذكّركم بأنكم ستقفون بين يدي جبار السموات والأرض وليس بينكم وبينه ترجمان، موقفاً أعظم من هذا وأخطر وأخوف {فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً}.
{ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استُضعِفوا للذين استَكبروا لولا أنتم لكناّ مؤمنين * قال الذين استَكبروا للذين استُضعِفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استُضعِفوا للذين استَكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسرّوا الندامة لماّ رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يُجزون إلا ما كانوا يعملون}.
أجل؛ ستقفون بين يدي جبار السموات والأرض، ويومها سيتبرأ بعضكم من بعض، ويكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضاً {وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}.
نعم... هناك ستكفرون بهم وتبرؤون منهم، لأنكم ستعلمون أن هذه البراءة هي أعظم عبادة وطاعة لله لم تحققوها في الدنيا، فستتمنون لو أن لكم كرّة فترجعوا إلى الدنيا لتُعلنوا براءتكم من هذه المحاكم والقوانين وأربابها المشرِّعين {ولو يرى الذين ظَلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب * إذ تبرَّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا مناّ كذلك يُريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}.
نعم... ستتمنون لو ترجعون إلى الدنيا، لا لتصلوا أو لتصوموا بل لتتبرؤوا قبل ذلك من هؤلاء المشرِّعين وقوانينهم الوضعية ومحاكمهم، لأنكم ستعاينون يومها أن الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات لا تُقبل إلا بهذه البراءة التي هي ركن كلمة التوحيد الأول (الكفر بالطاغوت)، فالله عز وجل يقول عن أعمال وصلاة وصيام المشرِّكين في ذلك اليوم: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}.
فها نحن ندعوكم لتتبرؤوا منها، اليوم قبل أن تندموا حين لا ينفع الندم، فيومها لن ينفعكم يا معشر القضاة استئناف أو محامي أو وكيل أو كفيل إن كانت جريمتكم هذا الشرك العظيم، وهذا الجرم لا يشمله عفو ولا تمييز {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
إننا - والله - عليكم أيُّها القضاة لمشفقون، فأجسادكم هذه لا تقوى على نار وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً}.
إننا قمنا ندعوا الناس إلى هذا التوحيد، ونحذرهم من هذا الشرك الذي تدعونهم أنتم وأربابكم إليه، حرصاً منا على إنقاذكم وإياهم من هذه النار، وحرصاً منا على إخراجكم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.
أنتم تحاكموننا باسم مليككم وتحاكموننا إلى قوانينكم الشركية، ونحن لا نحاكمكم إلا باسم الله العلي العظيم وإلى شرع الله العلي العظيم.
أنتم عذبتمونا في الزنازين شهوراً طويلة لأجل هذه الدعوة العظيمة، وآذيتمونا لأجل مثل هذه الكتابات، وهددتم إخواننا بالفواحش وخوفتموهم بمحاكمكم وقوانينكم وسجونكم.
ونحن لا نخوفكم إلا بالله العلي العظيم وبعذاب جهنم، فجهنّم - والله الذي لا اله الا هو - ليس كهذه السجون، إنها سجّين {إن كتاب الفجار لفي سجّين}، يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا فيُغمس في جهنّم غمسة واحدة، فيُقال له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقسم قائلاً: لا والله يا رب!! {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد}، إنَّ العذاب هناك ليس كعذابكم أو كعذاب مخابراتكم مهما قيل فيه.
نعم لقد سقطت أظافر إخواننا من الضرب والتعذيب، وتبدلت جلودهم من الجَلد مرات ومرات، وتورّمت أجسادهم ونُتفت لحاهم، ومُنعوا من النوم أياماً طويلة، وكلّ ذلك في سبيل الله يهون، ولن يضيع إن شاء الله، فنسأله الإخلاص والقبول.
إذا رضيَ الإلهُ فلا نُبالي أقام الحيُّ أم غضِبَ الأميرُ
لمرضاة رب ونصرة دين تطيب السجون وتحلوا المنون
ولكن أنتم أيها المساكين!! هل تقوون على عذاب الآخرة السرمدي الأبدي {إنَّ الذين كفروا بآياتنا سوف نُصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً}.
يا أيُّها القضاة... يا حافظ أمين:
احفظ نفسك من الثأر وأمّن نفسك من عذّاب الله، فهناك لا أمْن ولا أمان إلا للموحِّدين {الذين آمنوا ولم يَلبِسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} بظلم: أي بشرك.
وحاكم نفسك قبل أن تُحاكم تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان، لا تغفل ولا تنقص مثقال ذرة من عمل {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.
وأخيراً:
فعسى أن يفتح الله بهذه الكلمات قلوباً غُلفاً، وأعيناً عمياً، وآذاناً صماًّ... أماّ أحكامكم فوالذي فطر السموات والأرض إننا لا نبالي بها أو نعبأ، إذ يقيناً أنكم لا تملكون لأنفسكم شيئاً، فضلاً عن أن تملكوا لنا نفعاً أو ضراً، فالأمر كله لله العلي العظيم وحده من قبل ومن بعد، وليس هو لكم ولا لأربابكم المتفرقين..
{والله يقضي بالحق والذين من دونه لا يقضون بشيءٍ}، والأمر ليس إلى لوائحكم أو قراراتكم بعد إذ جفّ ما في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {إناّ لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، {فاقضِ ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمناّ بربنا ليغفر لنا خطايانا}.
هذا بلاغي لكم والبعث موعدنا وعند ذي العرش يدري النّاس ما الخبر
والسلام على من اتبع الهدى.
وكتب؛ أبو محمد المقدسي
سجن سواقة، 28 من ربيع الثاني من سنة 1416
من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
1) وهذا أمر معلوم في قوانين (الدياثة) الجزاء التي بينّا سقوطها ووضحنا مصادمتها لأصول الشريعة ، وهدمها للضروريات التي أنزل الله الشرائع من أجلها، في كتابنا المشار إليه في ما تقدم "كشف النقاب عن شريعة الغاب"، وانظر المادة (284) من قانون العقوبات الأردني ، فيما يتعلق بجريمة الزنا المشار إليها أعلاه.
إنَّ الله جل ذكره يأمرُ من فوقِ سمواته ويُنزل في تشريعاته المطهرة في أعظم كُتبه فيقول {وأعدوا}، وأربابكم المتفرقون يُشَرِّعون لكم في كتابكم - الذي تقدمون أحكامه على كتاب الله - فيقولون (لا يجوز) ولا مُرخص أو مُبيح في ذلك إلا الجهات التي شرَّعها لكم مشرِّعكم... {ءَإلهٌ مع الله تعالى الله عما يشركون}.
ثم تأملوا قول مشرِّعكم في تلك المادة: (بقصد استعمالها على وجهٍ غير مشروع)، فمن ذا الذي يحدد المشروع من غير المشروع في دينكم؟ أو بمعنى أدق: من هو الإله المشرِّع عندكم؟ وطبقاً لأي شيءٍ يكون تشريعه؟
أما عندنا نحن الموحِّدون؛ فالمشرِّع الذي يحدد المشروع من غير المشروع هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا نُشرك معه في ذلك أحدا،إذ لا يجوز في ديننا أن يُشاركه فيه أحدٌ كائناً من كان حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشرف الخلق، فما هو بمشرع إنْ هو إلا نذير، ومبلّغ عن المشرع الواحد الأحد.
وقد شرع الله لنا في ديننا استعمال كلّ قوة نمتلكها ونستطيعها ضد أعداء الله، سواء كانوا يهوداً أو غيرهم، ورتّب على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل، جنّة عرضها السموات والأرض أُعدت للمجاهدين المتقين، والنصوص في شريعتنا في هذا الباب من الكتاب والسنّة أكثر من أن يحصرها هذا المكان.
أما عندكم أنتم أيُّها المشركون - يا من أشركتم مع الله في العبادة مشرِّعين آخرين وأرباباً متفرقين - فمعلوم من المادة (25) من دستوركم الوضعي أنَّ الأرباب المشرِّعين عندكم هم (الملك وأعضاء مجلس الأمّة)، و (تشريعهم لا يمارس أو ينفذ إلا إذا كان وِفق مواد الدستور) كما في المادة (24)، ولذلك فإن استخدام هذه المفرقعات ضد اليهود يُعدُّ في دينكم وشرعكم (استعمالاً غير مشروع) خصوصاً بعد إقرار معاهدة السلام بين حكومتكم وحكومة إسرائيل، وتصديق قانونها من قِبل مجلسكم التشريعي برقم 14 لسنة 1994 ولذلك فإنكم تُعاقبون على هذا الاستعمال - المشروع في دين الله المحرم في دينكم - بعقوبة قد تصل إلى الإعدام.
فالله ربنا عز وجل شرَّع لنا استعمال كلَّ نوعٍ من أنواع القوة ضد اليهود وغيرهم من أعداء الله، ورتَّب على ذلك الأجر والثواب، وأربابكم المتفرقون شرَّعوا لكم تحريم استعمالها ضدهم، ورتبوا على ذلك عقوبة الإعدام إن كانت هذه القوة تحتوي على المفرقعات.. {ءإلهٌ مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}.
الله جل ذكره شرع لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري أنه؛ (لا يحل دم امرئٍٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة)، وأنتم شرَّع لكم أربابكم في دينكم بناءً على المادة السابقة أن دم المسلم الموحِّد يحل في غير هذه الثلاث، فيُعدم إن حاز قنابل أو مفرقعات لغايةٍ مشروعةٍ عند الله، غير مشروعة عند أربابكم.
والله ربنا شرع لنا في ديننا كما في الحديث السابق قتل الثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة... وأنتم شرع لكم أربابكم في دينكم عدم قتله بل حفظ دمه والحكم له بالبراءة إن كان الزنا برضا المرأة وتنازل الزوج عن حقه ورضي باستمرار الحياة الزوجية [1]، {ءإلهٌ مع الله قليلاً ما تذكرون}.
والله ربنا شرع لنا - كما في الحديث السابق - قتل المرتد المبدّل لدينه أو المستهزئ بشيء من الشريعة أو الساب للرب أو الدين أو الرسول صلى الله عليه وسلم...وأنتم شرع لكم أربابكم حفظ دمائهم لأن دستوركم وشرعكم يكفل حرية الإعتقاد هكذا مطلقاً، فليس في شرعكم ودينكم ما يعاقب على الردة أو يعدّها جريمة تستحق الإعدام.. وكذلك الساب للرب أو الدين إن حوكم فبماذا سيُحكم ؟ وأيّ المحاكم تختص بجريمته؟ مع أنه في دين الله مرتد ليس له إلا حكم الإعدام!
وبيان حُكم الله في دساتيركم، وإظهار حقيقة مشرعيكم وسفاهة وتهافت وتناقض قوانينكم، هذا البيان الذي يُؤجِر الله عليه، ويعده من أحسن القول {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين}. هذا تُسمونه في دينكم وتشريعكم؛ (سب وإطالة لسان)، كما قال أسلافكم المشرِّكون عن النبي صلى الله عليه وسلم لماّ بيَّن زيف آلهتهم وأربابهم المشرِّعين: (سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا)، {وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين}، ولذلك فأنتم تقتدون بهم فتعاقبون من نصحكم بترك العمل بهذه القوانين الوضعية الباطلة وحذّر منها، ودعا النّاس إلى البراءة من الأرباب المشرعين المتفرقين، واتباع شرع الله الواحد القهار، تعاقبونه بتهمة (إطالة لسان) التي قد تصل عقوبتها في شرعكم إلى (ثلاث سنوات) ومحكمتها عسكرية.
بينما الذين يسبُّون الربّ والدين، الذين ملؤوا الشوارع والديار فلا رقيب عليهم ولا عتيب، وإن حصل ورُوقبوا أو عُوقبوا فعقوبة ذلك عقوبة ساقطة مهترئة قد تتدنى أحياناً إلى الشهر، ومحكمتها محكمة مدنية {ءإلهٌ مع الله؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، وهكذا فالأمثلة أيها القضاة في هذا الباب الشركي - الواضح المستبين - كثيرة ومتنوعة من دينكم الذي نبرأ إلى الله منه، وليس المقصود حصرها في هذا المكان الضيّق، لكن فيما ذُكر كفاية لمن أراد الهداية.
فإذا عرفتم ما تقدم، عرفتم عظم الجريمة التي ننكرها عليكم وعلى حكومتكم، وأنكم ستُحاكمون عليها بين يدي أحكم الحاكمين، ومن هلك وسقط فيها {فيومئذٍ لا يُعذب عذابه أحد ولا يُوثق وثاقه أحد}. إذ هي الجريمة التي أنكرها الرسل قاطبة على أقوامهم، وأعظم ذنب عُصي الله به في الوجود.
ومنه يتضح لكم لماذا نسمّيكم بالمشركين، ولماذا لا نقف احتراماً لمحاكمكم الشركية، ولماذا نقول لكم كما قال إبراهيم والذين معه لقومهم {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}. برءاؤا من أربابكم المشرعين المختلفين المتفرقين، برءاؤا من قوانينكم الوضعية ودساتيركم الأرضية ومحاكمكم الشركية ومحامييكم الذين يتحاكمون إلى القوانين والدساتير الكفرية.
{كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}.
إننا - أيُّها القضاة - نقف اليوم بين أيديكم معتقلين تحاكموننا باسم طاغوتكم و تحكموننا بشرعكم وقانونكم الوضعي، وتخوفوّننا بقوانينكم والسجن والإعدام مع أن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
ونحن نُذكّركم بأنكم ستقفون بين يدي جبار السموات والأرض وليس بينكم وبينه ترجمان، موقفاً أعظم من هذا وأخطر وأخوف {فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً}.
{ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استُضعِفوا للذين استَكبروا لولا أنتم لكناّ مؤمنين * قال الذين استَكبروا للذين استُضعِفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الذين استُضعِفوا للذين استَكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسرّوا الندامة لماّ رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يُجزون إلا ما كانوا يعملون}.
أجل؛ ستقفون بين يدي جبار السموات والأرض، ويومها سيتبرأ بعضكم من بعض، ويكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضاً {وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين}.
نعم... هناك ستكفرون بهم وتبرؤون منهم، لأنكم ستعلمون أن هذه البراءة هي أعظم عبادة وطاعة لله لم تحققوها في الدنيا، فستتمنون لو أن لكم كرّة فترجعوا إلى الدنيا لتُعلنوا براءتكم من هذه المحاكم والقوانين وأربابها المشرِّعين {ولو يرى الذين ظَلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب * إذ تبرَّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا مناّ كذلك يُريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار}.
نعم... ستتمنون لو ترجعون إلى الدنيا، لا لتصلوا أو لتصوموا بل لتتبرؤوا قبل ذلك من هؤلاء المشرِّعين وقوانينهم الوضعية ومحاكمهم، لأنكم ستعاينون يومها أن الصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات لا تُقبل إلا بهذه البراءة التي هي ركن كلمة التوحيد الأول (الكفر بالطاغوت)، فالله عز وجل يقول عن أعمال وصلاة وصيام المشرِّكين في ذلك اليوم: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}.
فها نحن ندعوكم لتتبرؤوا منها، اليوم قبل أن تندموا حين لا ينفع الندم، فيومها لن ينفعكم يا معشر القضاة استئناف أو محامي أو وكيل أو كفيل إن كانت جريمتكم هذا الشرك العظيم، وهذا الجرم لا يشمله عفو ولا تمييز {إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
إننا - والله - عليكم أيُّها القضاة لمشفقون، فأجسادكم هذه لا تقوى على نار وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً}.
إننا قمنا ندعوا الناس إلى هذا التوحيد، ونحذرهم من هذا الشرك الذي تدعونهم أنتم وأربابكم إليه، حرصاً منا على إنقاذكم وإياهم من هذه النار، وحرصاً منا على إخراجكم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد.
أنتم تحاكموننا باسم مليككم وتحاكموننا إلى قوانينكم الشركية، ونحن لا نحاكمكم إلا باسم الله العلي العظيم وإلى شرع الله العلي العظيم.
أنتم عذبتمونا في الزنازين شهوراً طويلة لأجل هذه الدعوة العظيمة، وآذيتمونا لأجل مثل هذه الكتابات، وهددتم إخواننا بالفواحش وخوفتموهم بمحاكمكم وقوانينكم وسجونكم.
ونحن لا نخوفكم إلا بالله العلي العظيم وبعذاب جهنم، فجهنّم - والله الذي لا اله الا هو - ليس كهذه السجون، إنها سجّين {إن كتاب الفجار لفي سجّين}، يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا فيُغمس في جهنّم غمسة واحدة، فيُقال له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقسم قائلاً: لا والله يا رب!! {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد}، إنَّ العذاب هناك ليس كعذابكم أو كعذاب مخابراتكم مهما قيل فيه.
نعم لقد سقطت أظافر إخواننا من الضرب والتعذيب، وتبدلت جلودهم من الجَلد مرات ومرات، وتورّمت أجسادهم ونُتفت لحاهم، ومُنعوا من النوم أياماً طويلة، وكلّ ذلك في سبيل الله يهون، ولن يضيع إن شاء الله، فنسأله الإخلاص والقبول.
إذا رضيَ الإلهُ فلا نُبالي أقام الحيُّ أم غضِبَ الأميرُ
لمرضاة رب ونصرة دين تطيب السجون وتحلوا المنون
ولكن أنتم أيها المساكين!! هل تقوون على عذاب الآخرة السرمدي الأبدي {إنَّ الذين كفروا بآياتنا سوف نُصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً}.
يا أيُّها القضاة... يا حافظ أمين:
احفظ نفسك من الثأر وأمّن نفسك من عذّاب الله، فهناك لا أمْن ولا أمان إلا للموحِّدين {الذين آمنوا ولم يَلبِسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} بظلم: أي بشرك.
وحاكم نفسك قبل أن تُحاكم تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان، لا تغفل ولا تنقص مثقال ذرة من عمل {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.
وأخيراً:
فعسى أن يفتح الله بهذه الكلمات قلوباً غُلفاً، وأعيناً عمياً، وآذاناً صماًّ... أماّ أحكامكم فوالذي فطر السموات والأرض إننا لا نبالي بها أو نعبأ، إذ يقيناً أنكم لا تملكون لأنفسكم شيئاً، فضلاً عن أن تملكوا لنا نفعاً أو ضراً، فالأمر كله لله العلي العظيم وحده من قبل ومن بعد، وليس هو لكم ولا لأربابكم المتفرقين..
{والله يقضي بالحق والذين من دونه لا يقضون بشيءٍ}، والأمر ليس إلى لوائحكم أو قراراتكم بعد إذ جفّ ما في اللوح المحفوظ، قال تعالى: {إناّ لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}، {فاقضِ ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمناّ بربنا ليغفر لنا خطايانا}.
هذا بلاغي لكم والبعث موعدنا وعند ذي العرش يدري النّاس ما الخبر
والسلام على من اتبع الهدى.
وكتب؛ أبو محمد المقدسي
سجن سواقة، 28 من ربيع الثاني من سنة 1416
من هجرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
--------------------------------------------------------------------------------
1) وهذا أمر معلوم في قوانين (الدياثة) الجزاء التي بينّا سقوطها ووضحنا مصادمتها لأصول الشريعة ، وهدمها للضروريات التي أنزل الله الشرائع من أجلها، في كتابنا المشار إليه في ما تقدم "كشف النقاب عن شريعة الغاب"، وانظر المادة (284) من قانون العقوبات الأردني ، فيما يتعلق بجريمة الزنا المشار إليها أعلاه.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى