خلاصة الكلام في فتنة السلام
صفحة 1 من اصل 1
خلاصة الكلام في فتنة السلام
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
الحمد لله قاصم الجبارين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وعلى آله وأصحابه اجمعين الذى كان الحب والبغض فى الله عندهم من أوثق عرى الدين.
وبعد؛
فلقد تكرر السؤال مراراً عن موضوع السلام بين الحكومات العربية الحالية وبين اليهود.. وقد وجًه السؤال إلينا من طلاب الحق أحياناً ومن جهات امنية مختلفة أحياناً أخرى، فكان جوابنا الذى ندين الله به ولله الحمد واحداً... ثم بدا لى أن ألخصه وأسجله كتابة عسى أن يفتح الله به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عميا... وهو سبحانه حسبي ونعم الوكيل.
فأقول:
لا بد - أولاً - وقبل معرفة حكم عقد السلام بين هذه الحكومات وبين اليهود أحلال هو أم حرام؟ وجائز أم غير جائز؟.. لا بد من معرفة حال الطرفين المعقود بينهم السلام، وهم اليهود من جهه وهذه الحكومات ووصفها الشرعى المدعوم بالدليل الصحيح والبرهان الصريح من جهة أخرى.
أما اليهود: فهم كفار، والآيات الدالة على كفرهم وعداوتهم لأهل الحق أكثر من أن يستوعبها هذا الموضع، وأشهر من أن يُحتاج إلى عدها وسردها فذلك من الانشغال فى توضيح الواضحات، ولذلك فلا يخفى كفرهم إلا على من طمس الله على قلبه وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
وكذلك الحكومات المذكورة: فإنها حكومات كافرة، وكفرها واضح جلى من وجوه عديدة، منها:
1) أنهم كفار لأنهم جعلوا من أنفسهم أرباباً مشًرعين مع الله كما نصت على ذلك دساتيرهم، كما اتخذوا مع الله شركاء فى التشريع شرعوا لهم ما لم يأذن به الله من التشريعات فى شتى المجالات وعلى مختلف المستويات سواء على المستوى المحلى حيث أناطوا السلطه التشريعيه بحكامهم وبرلماناتهم [1] أو على المستوى الدولي حيث تابعوا وأطاعوا تشريعات المشرعين القانونيين الدوليين على مستوى الأمم المتحده أو محكمتها [2] أو غير ذلك، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟}، وقال سبحانه: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباًً من دون الله}، وإنما كان ذلك بطاعتهم ومتابعتهم فى التحليل والتحريم والتشريع.. وقال سبحانه أيضاًً فيمن اتبع تشريع الكفار واستحساناتهم: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، وهذا كان فى مسألة واحدة وهي الذبح، فكيف بمن تابعهم فى تشريعاتهم كلها؟
2) وهم كفار أيضاً بتوليهم الكفار والطواغيت الغربيين والشرقيين ومظاهرتهم على الموحدين الذين سموهم بالارهابيين والمتطرفين لكفرهم بشركهم ولاجتنابهم لطواغيتهم، فى الوقت الذى سموا فيه أولئك الكفار بالمؤمنين وأبناء العمومة أو أبناء ابراهيم مع أن الله تعالى يقول: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}، وقد عقدوا مع أوليائهم واخوانهم الكفار الشرقيين والغربيين إتفاقيات أمنية وعسكرية وتبادل معلومات وتسليم المطلوبين، ولو كانوا من عباد الله الموحدين الذين أفنوا أعمارهم لنصرة دين الله وتحكيم شرعه.. وقد قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وقال سبحانه: {ألم تر إالى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً ابداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون}، فتأمل كيف عَقد الله عقدة الأخوه بين أناس مظهرين للايمان لمجرد وعدهم لليهود بنصرتهم على المسلمين، فكفرهم الله بذلك وجعلهم من إخوان الكفار مع أنهم لم يكونوا جادين ولا صادقين في ذلك الوعد، كما شهد الله، فكيف بمن ظاهر الكفار ونصرهم حقاً على الموحدين؟
3) وهم كفار من باب حكمهم بغير ما أنزل الله، وتحاكمهم للطواغيت الحاكمه بغير ما أنزل الله، سواء على المستوى المحلى حيث أستبدلوا أحكام الله العادلة وحدوده المطهرة بقوانين ودساتير من زبالات اليهود والنصارى حكموها فى الدين و الدماء والفروج والأموال والعقول والأعراض، قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فئولئك هم الكافرون}. أو على المستوى الدولى حيث يتحاكمون عند النزاع إلى الطواغيت الدولية المختلفة كمحكمة الكفر الدولية، وقد قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، فتأمل كيف وصف الله إيمان هؤلاء بأنه زعم مع أنهم لم يتحاكموا وإنما أرادوا ذلك فقط، فكيف بمن تحاكم فعلاً؟ كما أقسم سبحانه بنفسه العظيمه على هذه القضية فقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}، وتأمل كيف كرر الله تعالى أداة النفى تأكيداً للقسم.
4) وهم كفار أيضاً من باب الإستهزاء بشرع الله الواحد القهار، حيث فتحوا او رخصوا وجًوزا وأباحوا لكل طاعن فى دين الله أو ملحد أن ينشر استهزائه وإلحاده عبر وسائل الاعلام المختلفة من صحافة ومجلات وتلفاز وإذاعه، وحرسوا ذلك وحموه، وعادوا وعاقبوا من أنكره أو سعى الى تغييره، قال تعالى: {قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}
5) وهم كفار أيضا من باب الإعراض عن دين الله تعالى وتوحيده، لا يتّبعونه ولا يحكّمونه ولا يرفعون به رأساً، {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخره والله لا يهدى القوم الكافرين}، وقد عدًً الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى نواقض الاسلام المكفًره؛ الناقض العاشر: (الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به).
هذا واعلم أن أبواب كفرهم عديده لا يستوعبها هذا المحل ولكن فيما ذكر كفايه لمن أراد الهداية، أما من أراد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.
إذا تبين لك هذا بقي أن تعرف أن كفر هذه الحكومات سواء كان كفراً أصلياً أم كفر ردًه فهو شر من كفر اليهود المذكورين...
لأن اليهود مع كفرهم، أهل كتاب يجوز للدولة المسلمة المحكّمة لشرع الله عقد الذمة لهم بشروطه المعروفة عند العلماء. أما المرتدون والمشركون والكفار من غير أهل الكتاب؛ فلا ذمة لهم أبداً.
كما أن ذبيحة اليهودى والنصرانى تؤكل بالاتفاق عند المسلمين، بخلاف ذبيحة غيرهم من الكفار فأنها لا تحل عند جمهور العلماء.
وكذلك الشأن بالنسبة لنكاح نسائهم المحصنات؛ فإنه حلال بخلاف غيرهم من الكفار... إلى غير ذلك من الفوارق التى تدل على أن كفر هذه الحكومات شر وأشد من كفر النصارى واليهود أنفسهم.
إذا فهمت هذه المقدمة وعرفت حال الطرفين المعقودة إتفاقيات السلام بينهم؛ سهل علينا بعدها أن تعرف حال هذه الأتفاقيات.
فإن قيل لنا: أحرام هي؟
قلنا: ولماذا تكون حراماً؟ وكيف تكون حراماً؟ وعلى من تحرم؟ أعلى قوم لا يرجون لله وقارا.. إن المسئول عنهم من كلا الطرفين قوم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، فهى على دينهم وطريقتهم حلال وليس بحرام.. أليس قد أحلوا الزنا برضى الزانيين فلا تعاقب عليه قوانينهم؟ أليس قد أحلوا الخمر التي حرّمها الله ورخصوا لصناعتها وبيعها وشربها؟ أليس قد أحلوا الربا الذى حرمه الله تعالى ورخصوا وحموا بقوانينهم مؤسساته وصروحه؟ أليس قد عطلوا حدود الله المطهرة وألغوها واستبدلوها بعقوبات ساقطة من زبالات أفهامهم ونخالات أفكارهم من القوانين الوضعية العفنة؟ أليس قد أباحوا الردة وحموها ورخصوا للكفر بأشكاله المختلفة ودافعوا عنه؟ أليس...؟ وأليس...؟
ولذلك فنحن نقول - ولتسمع الدنيا كلها - أنه والحالة هذه يجوز لهم فى دينهم هذا، ليس مؤاخات لليهود والنصارى ومصالحتهم ومودتهم ومحبتهم وحسب، بل وكل شىء على الاطلاق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مما جاء في كلام النبوة الأولى: ( إذا لم تستح فإصنع ما شئت).
ولا نجيز لأنفسنا أن نقول لهم؛ أن هذا أو ذاك حرام، إلا حين يستسلموا لشرع الله ويجتنبوا الشرك الصراح والكفر البواح الذى يدينون به، وحين يوحدوا الله فى جميع أنواع العبادة، ومن ذلك التحريم والتحليل والتشريع، فلا يصرفوا شيئاً من ذلك أو يشركوا به أنفسهم أو غيرهم... هذه هي طامتهم وجريمتهم الكبرى وما سواها فهو متفرع عنها وناتج منها.
أما قبل هذا فهم قد برؤوا من الإسلام والإسلام بريىء منهم ومن إتفاقياتهم، فهم حين أبرموها وقبل ذلك وبعده لم يعرفوا الإسلام ولا دانوا به ولا رفعوا بحدوده رأساً... وبالتالى فلا ينبغى أن يزج بالإسلام فى مثل هذه المستنقعات الآسنة.
وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله تعالى في "الظلال" [13/5]: (إن دين الله يأبى أن يكون مطيّة ذلوله، ومجرد خام مطيع لتلبية رغبات هذا المجتمع الجاهلي الآبق منه المتنكر له، الشارد عنه، الذي يسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في مشكلاته وحاجاته، وهو غير خاضع لشريعته وسلطانه ) أهـ
ويقول في كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة": ( أي هزء واستخفاف من أن تجيء لقاض تطلب حكمه وأنت تخرج له لسانك وتعلمه ابتداء أنك لا تعترف به قاضياً ولا تعترف له بسلطان، وأنك لا تتقيد بحكمه إلا إذا وافق هواك، لذا فإنني أستنكر استفتاء الإسلام اليوم في أي مشكلة من مشكلات هذه المجتمعات احتراماً للإسلام وجديته) أهـ
ولذلك فنحن لا نكلف أنفسنا عناء رد شبهاتهم المتهافتة، أو بيان لحادهم الواضح، وتلاعبهم المكشوف، فى آيات الله كقوله تعالى: {ادخلوا فى السلم كافة} [3]، أو قوله سبحانه: {إن جنحوا للسلم فاجنح لها}، لأن الإنشغال فى التأويل والتبين لذلك، فرع عن تصحيح الاستدلال بها، ونحن نبطل أصلاً استدلالهم بها، إذ هم ليسوا أهلها وليست من دينهم، فالقوم لا يرفعون لشرائع الإسلام رأساً، والنصوص الحاكمة المحرمة المحللة فى التشريع عندهم هي نصوص الدستور والقانون وحدها، أما آيات الكتاب العظيم وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام فلا حكم لها فى دينهم الذى هو الديمقراطية؛ حكم الشعب للشعب، وليس حكم الله للشعب، ولا تحريم أو تحليل لهما - اي الكتاب والسنة - فى شرعهم الذى هو الدستور والقانون.
ثم حقيقة هذه الاتفاقيات؛ أنها ليست معاهدات سلم ومهادنة بين دول متكافئة، بل هي اتفاقيات أخوة وتبعية وعمالة من جنس ما ذكره الله في الآيات المتقدمة عن أهل النفاق الذين آخوا اليهود وعقدوا معهم اتفاقية نصرة.
لذلك فإن الإنشغال بالرد على مثل تلك الشبهات فى مثل حالهم هذا، فيه لبس للحق مع الباطل وتمييع لهذه القضية، وتشتيت الفكر وصرف نظر الخلق عن جريمة القوم النكراء؛ إلى أمر هو في الحقيقة متفرع منها ناتج فى الأصل عنها... وهو كمن يعالج جرحاً صغيراً فى بعض الأصابع ويشغل الناس والأطباء به، ويهمل سرطاناً خطيراً ينخر في جسده، ويصرف انتباهم عنه.
ولذلك فنحن لا نتكلم أو نخوض بحرمة مثل هذه الإتفاقيات على هؤلاء القوم أو نشغل أنفسنا في معارضتها، ونجهد أنفسنا فى إنكارها أو شجبها إلا حين تحكم هذه الحكومات بشرع الله، وتسلم لدين الله، وتجتنب عبادة غير الله، وتبرأ من كل دين وشرع غير شرعه سبحانه.. وعندها فقط؛ نستطيع أن نوجه الخطاب لهم بحرام أو حلال ويجوز أو لا يجوز [4].
وذلك لبراءة ديننا الذى يجرّد التحليل والتحريم والتشريع لله وحده؛ منهم وبرائتهم منه، ولأن جريمة شركهم بالله فى أبواب التشريع وغيرها، وكفرهم بالله بشتى أنواعه والمتقدم بعضها، أعظم بكثير من صلحهم مع اليهود.
وكلفتة أخيره أقول:
لو لم يكن فى أخوّتهم هذه لليهود وصلحهم معهم من المصالح الشرعية المعتبرة إلا حقن دماء عوام المسلمين، الذين لا يجدون من يبصرهم بسبيل الهدى ويميزها عن سبيل المجرمين، وصيانة لها أن تهدر وتُقبر تحت راية الطاغوت في مسرحيات وحروب تآمرية مع اليهود أو غيرهم، لكفى بذلك مصلحة عظيمة لا يفرط بها أولو الألباب.. وهذا من جنس ترك شيخ الاسلام الإنكار على التتار شرب الخمر فى زمنه، لأن بقاءهم لاهين فى سكرتهم يعمهون، خير من أنتباههم واشتغالهم بالتالي بقتل المسلمين، وهتك أعراضهم، ونهب أموالهم.
والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أنظر دساتيرهم فجميعها متفقة على هذا الأصل الكفري .
[2] أنظر ميثاق الأمم المتحدة (الملحدة) وقوانين محكمة العدل الدولية .
[3] المقصود بالسلم في هذه الآية الإسلام، والمراد بالدخول فيه كافة: هو التزام شرائعه كلها وتطبيقها كاملة.
[4] وهذا القول لا يعني أنهم غير مآخذين على ذلك في الآخرة، وإنما المقصود هنا إنكار وإظهار أعظم المفسدتين، أو قل أظم المفاسد عند القوم، وإلا فالموضوع يقوم على أصل معروف عند العلماء وهو (هل الكافر مخاطب بفروع الشريعة) ولهم في ذلك أقوال، أحدها: أنهم غير مخاطبين، والقول الثاني: أنهم مخاطبون في النواهي دون الأوامر، والثالث: أنهم مخاطبون في الجميع، وتفاصل ذلك معروفة في مظانها وليس هذا محلها.
الحمد لله قاصم الجبارين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وعلى آله وأصحابه اجمعين الذى كان الحب والبغض فى الله عندهم من أوثق عرى الدين.
وبعد؛
فلقد تكرر السؤال مراراً عن موضوع السلام بين الحكومات العربية الحالية وبين اليهود.. وقد وجًه السؤال إلينا من طلاب الحق أحياناً ومن جهات امنية مختلفة أحياناً أخرى، فكان جوابنا الذى ندين الله به ولله الحمد واحداً... ثم بدا لى أن ألخصه وأسجله كتابة عسى أن يفتح الله به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عميا... وهو سبحانه حسبي ونعم الوكيل.
فأقول:
لا بد - أولاً - وقبل معرفة حكم عقد السلام بين هذه الحكومات وبين اليهود أحلال هو أم حرام؟ وجائز أم غير جائز؟.. لا بد من معرفة حال الطرفين المعقود بينهم السلام، وهم اليهود من جهه وهذه الحكومات ووصفها الشرعى المدعوم بالدليل الصحيح والبرهان الصريح من جهة أخرى.
أما اليهود: فهم كفار، والآيات الدالة على كفرهم وعداوتهم لأهل الحق أكثر من أن يستوعبها هذا الموضع، وأشهر من أن يُحتاج إلى عدها وسردها فذلك من الانشغال فى توضيح الواضحات، ولذلك فلا يخفى كفرهم إلا على من طمس الله على قلبه وأعماه عن نور الوحي مثلهم.
وكذلك الحكومات المذكورة: فإنها حكومات كافرة، وكفرها واضح جلى من وجوه عديدة، منها:
1) أنهم كفار لأنهم جعلوا من أنفسهم أرباباً مشًرعين مع الله كما نصت على ذلك دساتيرهم، كما اتخذوا مع الله شركاء فى التشريع شرعوا لهم ما لم يأذن به الله من التشريعات فى شتى المجالات وعلى مختلف المستويات سواء على المستوى المحلى حيث أناطوا السلطه التشريعيه بحكامهم وبرلماناتهم [1] أو على المستوى الدولي حيث تابعوا وأطاعوا تشريعات المشرعين القانونيين الدوليين على مستوى الأمم المتحده أو محكمتها [2] أو غير ذلك، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟}، وقال سبحانه: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباًً من دون الله}، وإنما كان ذلك بطاعتهم ومتابعتهم فى التحليل والتحريم والتشريع.. وقال سبحانه أيضاًً فيمن اتبع تشريع الكفار واستحساناتهم: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، وهذا كان فى مسألة واحدة وهي الذبح، فكيف بمن تابعهم فى تشريعاتهم كلها؟
2) وهم كفار أيضاً بتوليهم الكفار والطواغيت الغربيين والشرقيين ومظاهرتهم على الموحدين الذين سموهم بالارهابيين والمتطرفين لكفرهم بشركهم ولاجتنابهم لطواغيتهم، فى الوقت الذى سموا فيه أولئك الكفار بالمؤمنين وأبناء العمومة أو أبناء ابراهيم مع أن الله تعالى يقول: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}، وقد عقدوا مع أوليائهم واخوانهم الكفار الشرقيين والغربيين إتفاقيات أمنية وعسكرية وتبادل معلومات وتسليم المطلوبين، ولو كانوا من عباد الله الموحدين الذين أفنوا أعمارهم لنصرة دين الله وتحكيم شرعه.. وقد قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، وقال سبحانه: {ألم تر إالى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً ابداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون}، فتأمل كيف عَقد الله عقدة الأخوه بين أناس مظهرين للايمان لمجرد وعدهم لليهود بنصرتهم على المسلمين، فكفرهم الله بذلك وجعلهم من إخوان الكفار مع أنهم لم يكونوا جادين ولا صادقين في ذلك الوعد، كما شهد الله، فكيف بمن ظاهر الكفار ونصرهم حقاً على الموحدين؟
3) وهم كفار من باب حكمهم بغير ما أنزل الله، وتحاكمهم للطواغيت الحاكمه بغير ما أنزل الله، سواء على المستوى المحلى حيث أستبدلوا أحكام الله العادلة وحدوده المطهرة بقوانين ودساتير من زبالات اليهود والنصارى حكموها فى الدين و الدماء والفروج والأموال والعقول والأعراض، قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فئولئك هم الكافرون}. أو على المستوى الدولى حيث يتحاكمون عند النزاع إلى الطواغيت الدولية المختلفة كمحكمة الكفر الدولية، وقد قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، فتأمل كيف وصف الله إيمان هؤلاء بأنه زعم مع أنهم لم يتحاكموا وإنما أرادوا ذلك فقط، فكيف بمن تحاكم فعلاً؟ كما أقسم سبحانه بنفسه العظيمه على هذه القضية فقال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}، وتأمل كيف كرر الله تعالى أداة النفى تأكيداً للقسم.
4) وهم كفار أيضاً من باب الإستهزاء بشرع الله الواحد القهار، حيث فتحوا او رخصوا وجًوزا وأباحوا لكل طاعن فى دين الله أو ملحد أن ينشر استهزائه وإلحاده عبر وسائل الاعلام المختلفة من صحافة ومجلات وتلفاز وإذاعه، وحرسوا ذلك وحموه، وعادوا وعاقبوا من أنكره أو سعى الى تغييره، قال تعالى: {قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}
5) وهم كفار أيضا من باب الإعراض عن دين الله تعالى وتوحيده، لا يتّبعونه ولا يحكّمونه ولا يرفعون به رأساً، {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخره والله لا يهدى القوم الكافرين}، وقد عدًً الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى نواقض الاسلام المكفًره؛ الناقض العاشر: (الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به).
هذا واعلم أن أبواب كفرهم عديده لا يستوعبها هذا المحل ولكن فيما ذكر كفايه لمن أراد الهداية، أما من أراد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا.
إذا تبين لك هذا بقي أن تعرف أن كفر هذه الحكومات سواء كان كفراً أصلياً أم كفر ردًه فهو شر من كفر اليهود المذكورين...
لأن اليهود مع كفرهم، أهل كتاب يجوز للدولة المسلمة المحكّمة لشرع الله عقد الذمة لهم بشروطه المعروفة عند العلماء. أما المرتدون والمشركون والكفار من غير أهل الكتاب؛ فلا ذمة لهم أبداً.
كما أن ذبيحة اليهودى والنصرانى تؤكل بالاتفاق عند المسلمين، بخلاف ذبيحة غيرهم من الكفار فأنها لا تحل عند جمهور العلماء.
وكذلك الشأن بالنسبة لنكاح نسائهم المحصنات؛ فإنه حلال بخلاف غيرهم من الكفار... إلى غير ذلك من الفوارق التى تدل على أن كفر هذه الحكومات شر وأشد من كفر النصارى واليهود أنفسهم.
إذا فهمت هذه المقدمة وعرفت حال الطرفين المعقودة إتفاقيات السلام بينهم؛ سهل علينا بعدها أن تعرف حال هذه الأتفاقيات.
فإن قيل لنا: أحرام هي؟
قلنا: ولماذا تكون حراماً؟ وكيف تكون حراماً؟ وعلى من تحرم؟ أعلى قوم لا يرجون لله وقارا.. إن المسئول عنهم من كلا الطرفين قوم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، فهى على دينهم وطريقتهم حلال وليس بحرام.. أليس قد أحلوا الزنا برضى الزانيين فلا تعاقب عليه قوانينهم؟ أليس قد أحلوا الخمر التي حرّمها الله ورخصوا لصناعتها وبيعها وشربها؟ أليس قد أحلوا الربا الذى حرمه الله تعالى ورخصوا وحموا بقوانينهم مؤسساته وصروحه؟ أليس قد عطلوا حدود الله المطهرة وألغوها واستبدلوها بعقوبات ساقطة من زبالات أفهامهم ونخالات أفكارهم من القوانين الوضعية العفنة؟ أليس قد أباحوا الردة وحموها ورخصوا للكفر بأشكاله المختلفة ودافعوا عنه؟ أليس...؟ وأليس...؟
ولذلك فنحن نقول - ولتسمع الدنيا كلها - أنه والحالة هذه يجوز لهم فى دينهم هذا، ليس مؤاخات لليهود والنصارى ومصالحتهم ومودتهم ومحبتهم وحسب، بل وكل شىء على الاطلاق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مما جاء في كلام النبوة الأولى: ( إذا لم تستح فإصنع ما شئت).
ولا نجيز لأنفسنا أن نقول لهم؛ أن هذا أو ذاك حرام، إلا حين يستسلموا لشرع الله ويجتنبوا الشرك الصراح والكفر البواح الذى يدينون به، وحين يوحدوا الله فى جميع أنواع العبادة، ومن ذلك التحريم والتحليل والتشريع، فلا يصرفوا شيئاً من ذلك أو يشركوا به أنفسهم أو غيرهم... هذه هي طامتهم وجريمتهم الكبرى وما سواها فهو متفرع عنها وناتج منها.
أما قبل هذا فهم قد برؤوا من الإسلام والإسلام بريىء منهم ومن إتفاقياتهم، فهم حين أبرموها وقبل ذلك وبعده لم يعرفوا الإسلام ولا دانوا به ولا رفعوا بحدوده رأساً... وبالتالى فلا ينبغى أن يزج بالإسلام فى مثل هذه المستنقعات الآسنة.
وما أجمل ما قاله سيد قطب رحمه الله تعالى في "الظلال" [13/5]: (إن دين الله يأبى أن يكون مطيّة ذلوله، ومجرد خام مطيع لتلبية رغبات هذا المجتمع الجاهلي الآبق منه المتنكر له، الشارد عنه، الذي يسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في مشكلاته وحاجاته، وهو غير خاضع لشريعته وسلطانه ) أهـ
ويقول في كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة": ( أي هزء واستخفاف من أن تجيء لقاض تطلب حكمه وأنت تخرج له لسانك وتعلمه ابتداء أنك لا تعترف به قاضياً ولا تعترف له بسلطان، وأنك لا تتقيد بحكمه إلا إذا وافق هواك، لذا فإنني أستنكر استفتاء الإسلام اليوم في أي مشكلة من مشكلات هذه المجتمعات احتراماً للإسلام وجديته) أهـ
ولذلك فنحن لا نكلف أنفسنا عناء رد شبهاتهم المتهافتة، أو بيان لحادهم الواضح، وتلاعبهم المكشوف، فى آيات الله كقوله تعالى: {ادخلوا فى السلم كافة} [3]، أو قوله سبحانه: {إن جنحوا للسلم فاجنح لها}، لأن الإنشغال فى التأويل والتبين لذلك، فرع عن تصحيح الاستدلال بها، ونحن نبطل أصلاً استدلالهم بها، إذ هم ليسوا أهلها وليست من دينهم، فالقوم لا يرفعون لشرائع الإسلام رأساً، والنصوص الحاكمة المحرمة المحللة فى التشريع عندهم هي نصوص الدستور والقانون وحدها، أما آيات الكتاب العظيم وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام فلا حكم لها فى دينهم الذى هو الديمقراطية؛ حكم الشعب للشعب، وليس حكم الله للشعب، ولا تحريم أو تحليل لهما - اي الكتاب والسنة - فى شرعهم الذى هو الدستور والقانون.
ثم حقيقة هذه الاتفاقيات؛ أنها ليست معاهدات سلم ومهادنة بين دول متكافئة، بل هي اتفاقيات أخوة وتبعية وعمالة من جنس ما ذكره الله في الآيات المتقدمة عن أهل النفاق الذين آخوا اليهود وعقدوا معهم اتفاقية نصرة.
لذلك فإن الإنشغال بالرد على مثل تلك الشبهات فى مثل حالهم هذا، فيه لبس للحق مع الباطل وتمييع لهذه القضية، وتشتيت الفكر وصرف نظر الخلق عن جريمة القوم النكراء؛ إلى أمر هو في الحقيقة متفرع منها ناتج فى الأصل عنها... وهو كمن يعالج جرحاً صغيراً فى بعض الأصابع ويشغل الناس والأطباء به، ويهمل سرطاناً خطيراً ينخر في جسده، ويصرف انتباهم عنه.
ولذلك فنحن لا نتكلم أو نخوض بحرمة مثل هذه الإتفاقيات على هؤلاء القوم أو نشغل أنفسنا في معارضتها، ونجهد أنفسنا فى إنكارها أو شجبها إلا حين تحكم هذه الحكومات بشرع الله، وتسلم لدين الله، وتجتنب عبادة غير الله، وتبرأ من كل دين وشرع غير شرعه سبحانه.. وعندها فقط؛ نستطيع أن نوجه الخطاب لهم بحرام أو حلال ويجوز أو لا يجوز [4].
وذلك لبراءة ديننا الذى يجرّد التحليل والتحريم والتشريع لله وحده؛ منهم وبرائتهم منه، ولأن جريمة شركهم بالله فى أبواب التشريع وغيرها، وكفرهم بالله بشتى أنواعه والمتقدم بعضها، أعظم بكثير من صلحهم مع اليهود.
وكلفتة أخيره أقول:
لو لم يكن فى أخوّتهم هذه لليهود وصلحهم معهم من المصالح الشرعية المعتبرة إلا حقن دماء عوام المسلمين، الذين لا يجدون من يبصرهم بسبيل الهدى ويميزها عن سبيل المجرمين، وصيانة لها أن تهدر وتُقبر تحت راية الطاغوت في مسرحيات وحروب تآمرية مع اليهود أو غيرهم، لكفى بذلك مصلحة عظيمة لا يفرط بها أولو الألباب.. وهذا من جنس ترك شيخ الاسلام الإنكار على التتار شرب الخمر فى زمنه، لأن بقاءهم لاهين فى سكرتهم يعمهون، خير من أنتباههم واشتغالهم بالتالي بقتل المسلمين، وهتك أعراضهم، ونهب أموالهم.
والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
--------------------------------------------------------------------------------
[1] أنظر دساتيرهم فجميعها متفقة على هذا الأصل الكفري .
[2] أنظر ميثاق الأمم المتحدة (الملحدة) وقوانين محكمة العدل الدولية .
[3] المقصود بالسلم في هذه الآية الإسلام، والمراد بالدخول فيه كافة: هو التزام شرائعه كلها وتطبيقها كاملة.
[4] وهذا القول لا يعني أنهم غير مآخذين على ذلك في الآخرة، وإنما المقصود هنا إنكار وإظهار أعظم المفسدتين، أو قل أظم المفاسد عند القوم، وإلا فالموضوع يقوم على أصل معروف عند العلماء وهو (هل الكافر مخاطب بفروع الشريعة) ولهم في ذلك أقوال، أحدها: أنهم غير مخاطبين، والقول الثاني: أنهم مخاطبون في النواهي دون الأوامر، والثالث: أنهم مخاطبون في الجميع، وتفاصل ذلك معروفة في مظانها وليس هذا محلها.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى