سيذكر من يخشى ويتجنّبها الأشقى
صفحة 1 من اصل 1
سيذكر من يخشى ويتجنّبها الأشقى
سيذكر من يخشى ويتجنّبها الأشقى
موعظة موجهة إلى مرتّب الأمن الوقائي في سجن سواقة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اعلم وفقك الله إلى الحق المبين أننا كنا إذا تكلمنا مع بعض أفراد الأمن الوقائي وناقشناهم في حكم عملهم، يغتاظون ويستغربون إذا ما وصفناهم بأنهم جواسيس، أو أنهم يتجسسون على المسلمين ونحو ذلك من الألفاظ والمصطلحات التي تصف حقيقة عملهم.
حتى قال أحدهم: إنّ هذا اللفظ لفظ جارح، لا يصح أن تطلقوه علينا، لأن الجاسوس في القانون، هو من يتجسس لصالح دولة أجنبية، ونحن أولاد عشاير وحمايل ولا نرضى بمثل هذا.
فنقول وبالله التوفيق:
إعلم يا من خذلت دين الله وشريعته المطهرة، و نصرت دين الطاغوت وقوانينه الساقطة أولاً - وقبل كل شيء - إن الحكم عندنا نحن المسلمين للشرع المطهّر، وليس للقانون الوضعي كما هو الحال عندكم أيّها المشركون:
قال تعالى عن الموحدين: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم). وقال أيضاً: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
وقال سبحانه عن أمثالكم من المشركين: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، وقال: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...الأية)، وقال أيضاً: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً).
وقد جمع الله الفريقين وميّز بينهما في قوله: (وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنّما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخشَ الله ويتّقه فأولئك هم الفائزون) [النور].
فالحكم الفصل الذي يحدّد تعريف التجسس والجاسوس وحكمه عند الله، ليس هو قانونكم الكفري الذي وضعه الرجال من نخالات ونحاتات أفكارهم... بل هو شرع الله الواحد القهّار.
ثانياً:
لم يُنزل الله تعالى فيما أنزله من موانع التكفير وعواصم الدم التي عددها العلماء، كون الرجل (من أولاد العشاير أو أبناء الحمايل)!! فليس في دين الله شيء من هذا، نعم قد يوجد مثله في سواليف البادية البالية، وسلوم العشائر الطاغوتية.. التي تخالف وتضاد حكم الله الواحد القهّار.. أما في دين الله، فلا فرق في هذا بين عبد حبشي رأسه مجدّع كأنه زبيبة، و بين أشرف الناس نسباً وأرفعهم قبيلة وعشيرة ولاتفاضل بينهم إلا بالتقوى، قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
فهذا أبو جهل وأبو لهب لا يماري عاقل بأنهم أشرف وأرفع منكم نسباً إذْ هم من صميم قريش، فهل نفعتهم أنسابهم وأرحامهم في دين الله شيئاً؟ وهل عصمت دماءهم وأموالهم؟ أو أنجتهم من النار؟ قال تعالى: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل الله بينكم والله بما تعملون بصير) [الممتحنة].
وهذا عبدالله بن مسعود وهو مولى من الموالي - لكن أعزه الله ورفعه لتوحيده - يطأ بقدميه الدقيقتين وقدميه الصغيرتين صدر أبي جهل ويعلوه؛ (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
ثالثا:
ليس المعيار أن التجسس على الموحدين وقع منكم لصالح دولة أجنبية أم محلية عربية، ولكن المعيار حقيقة هذه الدولة وحكمها في دين الله لتعرفوا بعد ذلك لمن تتجسسون؟ ومن تنصرون وتظاهرون؟ فهذه الدولة وأمثالها من الدول المحاربة لدين الله تعالى قد خرجت من دين الله من أبوابٍ كثيرة قد بينّا لكم بعضها في رسائل سابقه:
1) من ذلك أنهم قد شاركوا الله تعالى في صفة هي من أخص خصائصه سبحانه وتعالى عمّا يشركون، ألا وهي التشريع؛ فنصّت دساتيرهم كما في المادة (25)من دستوركم الأردني الكفري على أن (السلطة التشريعية - هكذا مطلقا - تناط بالملك ومجلس الأمة).
والله جلّ ذكره يقول: (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟)، ويقول: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟)، ويقول: (وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلونكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).
وقد فصّلنا لك في غير هذا الموضع أن طاعتهم المذكورة هنا هي في مسألة تشريعية واحدة ألا وهي الذبح، فكيف بمن أناط السلطة التشريعية جميعها - مطلقاً - بغير الله تعالى؟
2) ومن ذلك أنّهم تولّوا الكفار و الطواغيت الغربيين والشرقيين وظاهروهم على الموحدّين؛ الذين سموهم بالإرهابيين والأصوليين لبراءتهم من شركهم واجتنابهم لطواغيتهم وقوانينهم، في الوقت الذي سموا فيه أولئك الكفار يهوداً كانوا أو نصارى أو غيرهم، سموهم بالمؤمنين أو أبناء العمومة أو أبناء إبراهيم [1]، وقد كذّبهم الله تعالى فقال: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)، وقد عقدوا مع أوليائهم وإخوانهم من هؤلاء الكفار الشرقيين والغربيين اتفاقيات أمنيّة وعسكرية وتبادل معلومات وتسليم المجرمين - ويقصدون بذلك جنود التوحيد الذين أفنوا أعمارهم في نصرة دين الله والسعي لتحكيم شرعه - وقد قال الله تعالى: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)، وقال: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبداً وإن قوتلتم لننصرنّكم والله يشهد إنّهم لكاذبون) فتأمل كيف كفرهم الله بأن عقَد عقْد الأخوّة بين هؤلاء الذين كانوا يظهرون الإسلام وبين اليهود بمجرد أن عقدوا معهم إتّفاقية دفاع مشترك (نصرة) مع أنّهم لم يكونوا صادقين بهذه الاتفاقية كما شهد الله تعالى.
3) وهم كفار أيضاً من باب الاستهزاء بشرع الله الواحد القهار؛ حيث فتحوا ورخصوا وأباحوا لكل طاعنٍ في دين الله أو ملحد أن ينشر استهزاءه وإلحاده عبر وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة والمطبوعة، وحموا ذلك وحرسوه بقوانينهم وجيوشهم وعساكرهم، وعاقبوا من أنكره أو سعى إلى تغييره.
وقد قال الله تعالى فيمن تكلم بكلمات ظاهرها الاستهزاء بحفظة القرآن: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... الآية)، وقد كانوا يعتذرون في قصة سبب نزول الآيات بأنهم ما كانوا جادين في ذلك الاستهزاء ولا كانوا معتقدين أو مستحلين!! ولكنه حديث الركب يقطعون به الطريق؛ ومع هذا فقد كفّرهم الله تعالى، فكيف بمن ملأ البلاد والعباد بالاستهزاء بدين الله واتخاذ آياته لهواً ولعباً وهزوا؟.
4) ويكفرون من باب حكمهم بغير ما أنزل الله وتحاكمهم إلى الطواغيت المختلفة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي؛ حيث استبدلوا أحكام الله العادلة وحدوده المطهرة بقوانين من زبالات أفكار اليهود والنصارى حكّموها في دين العباد ودمائهم وفروجهم وأموالهم وأنفسهم، ونبذوا شرع الله الواحد القهار، فعلوا ذلك في محاكمهم المحلية وتحاكموا عند النزاع مع الدول الأخرى إلى محاكم الكفر الدولية التي يسمونها (محكمة العدل!! الدولية) وغيرها.
وقد قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، فتأمّل كيف سمّى الله إيمان هؤلاء بأنه زعم مع أنهم لم يتحاكموا وإنما أرادوا ذلك، فكيف بمن تحاكم فعلا في جميع شؤونه إلى الطاغوت؟
هذا؛ واعلم بأن أبواب كفرهم عديدة لا يستوعبها هذا المحل ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الهداية، أما من أراد الله فتنته فلو انتطحت الجبال بين يديه لما رفع بذلك رأساً.
إذا تبين لك هذا بقي أن تعرف أن كفر هذه الحكومات سواء كان كفراً أصلياً أم كفر ردة فهو شرٌ من كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى مع كفرهم أهل كتاب يجوز للدولة المسلمة المحكّمة لشرع الله عقد الذمّة لهم بشروطه المعروفة عند العلماء، أما المشركون والكفار من غير أهل الكتاب فلا ذمّة لهم أبداً، كما أن ذبيحة أهل الكتاب تُؤكل بالاتفاق عند المسلمين، بخلاف ذبيحة غيرهم، وكذلك الشأن في نكاح نسائهم المحصنات فإنه حلال بخلاف غيرهم من الكفار إن كانت نساؤهم على دينهم إلى غير ذلك من الفوارق التي تدل على أن كفر هذه الحكومات شرّ وأشدّ من كفر اليهود الذين تُزاود هذه الحكومات اليوم وتشنع على من تجسس لصالحهم، فيصفونهم بالخيانة ويجعلونهم - وحدهم الجواسيس يعتقلونهم فيسجّنون بعضهم ويعدمون البعض حسب الظروف والأحوال السياسية المختلفة ليظهروا بمظهر المخلصين الأطهار مع أنهم قد أعلنوا أخوّتهم لليهود على رؤوس الأشهاد، ويطنطنون دوماً حول مقولة (أبناء العمومة، وأبناء إبراهيم) ، ومحل الشاهد من هذا كله يا نصير الشرك أنك في تجسسك على الموحدين المسلمين؛ نصرةً لعبيد القانون من المشركين، تمارس عملاً هو في الحقيقة أخبث من التجسس الذي يمارسه البعض على دولتك الكافرة هذه لصالح دولة كافرة أخرى أجنبية يهودية كانت أم عربية.. أم غيرها.
فلا شك أن التجسس على المسلمين نصرة للكفار أخبث من التجسس على الكفار نصرة لكفار آخرين، أو بمعنى أصرح وأوضح؛ أن التجسس على القرآن وأنصاره الموحدين نصرة للدستور والقانون الكافر وأنصاره المشركين، أخبث دون شك وريب من التجسس على دستور وقانون ومشركين نصرةً لدستور وقانون ومشركين آخرين.
ولذلك نقول لك يا نصير القانون الوضعي ويا جاسوس المشركين:
إننا والله لك ناصحون مخلصون نتمنى أن ننقذك من الهاوية المهلكة التي يدفعك إليها أربابك الذين تتجسس لهم على الموحدين، تُب إلى الله رب العالمين وانخلع من الشرك وأهله قبل أن تأتيك المنية فلا ينفعك الندم ساعتها ولات حين مناص... (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً)..
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن حذيفة بن اليمان كان في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فجلس، فقيل لحذيفة إن هذا الرجل يتسمّع لينقل الكلام للسلطان، فقال حذيفة إرادة أن يسمعه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنّة قتّات).
قال الحافظ ابن حجر: (القتّات: هو الذي يتسمّع من حيث لا يُدرى به لينقل الأخبار إلى السلطان).
أي أنّه يفعل كما تفعلون، حين تتجسسون على الموحدين وتظنون أن عملكم هذا يخفى على العباد أو على رب العباد، ثم تنقلون الأخبار إلى أسيادكم وأربابكم، ولكن أحب أن أنبهكم وألفت انتباهكم إلى الفرق الكبير بين ما كان يفعله ذلك القتّات وبين ما تمارسونه أنتم، فذاك الرجل كان ينقل الكلام الذي يسمعه إلى عثمان بن عفان!! أوَ تدرون من عثمان؟ إنه ذو النورين، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه وثالث الخلفاء الراشدين المهديين، من كان يسهر ليله بين يدي كتاب الله ويظمئ نهاره لله، فكان ذاك الرجل ينقل الأخبار له دون طلبٍ منه رضي الله عنه، ومع هذا أسمعه حذيفة هذا الحديث ورأى أنه يشمله وأنه قتّات، والقتّات لا يدخل الجنّة...
ولا شك أن هذا وعيد شديد لو عقلتموه ثم نظرتم إلى الأراذل من أسيادكم وأربابكم الذين تتجسسون على الموحدين نصرة لهم، وكيف عطلوا شرع الله تعالى وحكّموا قوانين الكفر والفجور التي أباحت وحمت وحرست الكفر والربا والخمر والخنا، فأنتم تحمون وتحرسون هذا كله وتتجسسون على الموحدين الذين يسعون إلى إنكاره وتغييره ويريدون تحكيم شرع الله الواحد القهار، فإذا كان من ينقل أخبار المسلمين للخليفة عثمان قتّاتاً!! فكيف بمن ينقلها لطواغيت الكفر؟ لا شكّ أنه أولى وأجدر بمثل هذا الوصف.
وإذا كان القتّات الأول قد اختلف السلف في خلوده في النار لأنه مسلم حكمه حكم النمّام، فلا أعرف خلافاً بين السلف في تكفير جواسيس المشركين ومخابراتهم الذين هم منهم والذين يتجسسون على الموحدين نصرةً للمشركين، وقد ذكرنا لك في (الشهاب الثاقب) شيئاً من الأدلة على هذا، منها قوله تعالى: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم).
ولذلك عدّد العلماء في نواقض الإسلام: (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين).
والجدير بالذكر أن جُلّ تلك الأدلة تتناول من تولاهم أو ناصرهم أو أعانهم ممن كان مظهراً للإسلام منتسباً إليه.. فكيف بمن كان منهم أصلاً وفي عدوتهم وصفهم وعلى دينهم وشركهم وقانونهم؟
وقبل أن أختم هذه الأوراق، أقف هاهنا وقفة مع أولئك المجادلين عن جواسيس وعساكر الشرك والقوانين لألفت انتباههم وأذكرهم بالفرق الشاسع بين أن يفشي رجل من المسلمين سرّ المسلمين كما صدر من حاطب ويُروى عن أبي لبابة، وبين أن يكون الرجل جاسوساً وعيناً للمشركين على الموحدين...
فصورة النوع الأول؛ أنه رجل في صف المسلمين هو منهم ومن جندهم وأنصارهم يعرف بعض أسرارهم فيُفشيها لضعف أو لشهوة أو لدنيا، ثم يتوب من قريب ويندم على ذلك ندماً شديداً. فهذا رغم ما هو معلوم مما نزل بسببه من قرآن، وتعظيم الصحابة لمثله، وغضبهم له فهو دون شك يختلف، ولا تصح مقايسته بحال بمن كان أصلاً جاسوساً وعيناً للمشركين على الموحدين، يأتي فيندس في صفوفهم ويتصيد أخبارهم أويتسمّع لأحاديثهم من حيث لا يشعرون، لينقلها بعد ذلك إلى أوليائه وأربابه من أهل الشرك تثبيتاً لعروشهم وحفظاً لقوانينهم ونكاية بالموحدين وحرباً لهم..
فالأول يقال عنه أنه أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال فيه أنه جاسوس أو أنه والى الكفار وتجسس لهم على المسلمين ، ومع هذا فقد رأيت كيف عظّم الصحابة وشنّعوا على مثل هذا العمل، حتى استأذن عمر في قتله.. وأنّ ظاهره عندهم الكفر فيمن لم يستثنه الوحي المطلع على القلوب.
أما الثاني: فحقيقته أنه عَيْن للمشركين أو جاسوس لهم على الموحدين، يتجسس للقانون وأهله على أهل القرآن والشريعة، ومن كان كذلك فهو من أهل الشرك وأرباب القانون، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله وحكمه الشرعي فيما رواه البخاري وغيره عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عيْنٌ للمشركين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسلّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، فسبقتهم إليه فقتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه.
فهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواسيس أهل الشرك ومخابراتهم وأمنهم الوقائي (عيونهم).. نعم إنه حكم رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى وليس حُكمنا.
فتفطّن لهذا ولا تخلط بين الصنفين إن كنت منصفاً، وتنبّه لهذا يا من جعلت من نفسك حارساً وحامياً للشرك والكفر والطغيان، فإنك إن كنت تظن أنك بتجسسك على أهل التوحيد وبتقاريرك التي تكتبها قادر على إطفاء نور الله العظيم ودينه المبين، فأنت والله الذي لا إله إلا هو واهمٌ وضائع ومسكين...
فالحق ركنٌ لا يقوم لهدّه أحدٌ ولو جُمعت له الثقلان
فاعلم يا نصير الشرك والقانون؛ إنّا والله عليك لمشفقون فجسدك هذا لايقوى على نارٍ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون...
إننا ندعوك اليوم إلى التوبة والبراءة من الشرك وأهله، والرجوع إلى دين الله الذي خذلته ونصرت أعداءه.. تُب إلى الله، ولا تغتر بترقيع مشايخ السوء وعلماء السلطان الذين باعوا دينهم لهذه الحكومات بثمن بخس دراهم معدودات.
ولا تلتفت إلى شبه المسوّغين لباطلك من مرجئة العصر وغيرهم من المبتدعة الذين استهتروا بسنن المصطفى وأعرضوا عن أحاديثه بحجة أنها آحاد وغير ذلك من أقاويلهم الفارغة، وأعملوا عقولهم في دين الله، وتجرّأوا على صحابة رسول الله، وتورّعوا فيك وفي أمثالك من أنصار الشرك وجند الطاغوت؛ فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً بتخليطاتهم وشبهاتهم التي تخلط عملك ووظيفتك الكفرية؛ بما تشبثوا به من زلاّت بعض الصحابة..
فقد وضح لك الفرق الكبير بين ذلك وبين ما أنت عليه من كفر بواح وشرك صراح.
واعلم علم اليقين؛ بأنهم إن جادلوا عنك وعن كفرك بشبهاتهم المتهافتة هذه في الحياة الدنيا فلن يقووا على ذلك بين يدي جبار السماوات والأرض، قال تعالى: (ولا تجادلوا عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لايحب من كان خوّاناً أثيماً)، وقال عز وجل: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً).
إننا - يا نصير الشرك لك - والله لناصحون، وإنّا عليك لمشفقون، لا نداهنك كغيرنا، بل نصرح لك بحكمك وبحقيقة مرضك المهلك الخطير، وندلك على العلاج، فكن جندياً من جنود التوحيد، والحق بعساكر الإيمان الآن.. الآن، قبل أن تلقى الله خاذلاً لدينه متجسساً على أوليائه، ناصراً للشرك والطغيان.
ولا تكن من جنود الشرك والطاغوت الذين قال الله تعالى فيهم: (جندٌ ما هنالك مهزوم من الأحزاب)، وقال: (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون).
ولكن كن من جند التوحيد وعساكر الشريعة والقرآن الذين قال الله تعالى فيهم: (وإن جندنا لهم الغالبون).
وكتب أبو محمد المقدسي
سجن سواقة
12 محرم 1417 من الهجرة النبوية على صاحبها أطيب الصلاة وأتم التسليم
--------------------------------------------------------------------------------
1) وقد بينا لك أن ملة إبراهيم تقتضي البراءة من الشرك والمشركين وإظهار العداوة والبغضاء لهم وإن كانوا من أقرب الناس نسباً للإنسان في كتابنا (ملة إبراهيم) فالخليل تبرّأ من أبيه وأقرب الناس إليه لما تبين له أنهم أعداءٌ لله فالعجب ممن يروم إقامة الخلافة ثم هو لا يميز بين هذه الملة العظيمة وبين تلك المقولة التي يلبّس بها الطواغيت على العميان والعوران، فيصفنا بأننا (مشبوهون سياسياً لأننا ندعو إلى ملة إبراهيم وإن الذي يدعو إلى ملة إبراهيم يدعو إلى من يصالح اليهود!) فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
موعظة موجهة إلى مرتّب الأمن الوقائي في سجن سواقة
[الكاتب: أبو محمد المقدسي]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اعلم وفقك الله إلى الحق المبين أننا كنا إذا تكلمنا مع بعض أفراد الأمن الوقائي وناقشناهم في حكم عملهم، يغتاظون ويستغربون إذا ما وصفناهم بأنهم جواسيس، أو أنهم يتجسسون على المسلمين ونحو ذلك من الألفاظ والمصطلحات التي تصف حقيقة عملهم.
حتى قال أحدهم: إنّ هذا اللفظ لفظ جارح، لا يصح أن تطلقوه علينا، لأن الجاسوس في القانون، هو من يتجسس لصالح دولة أجنبية، ونحن أولاد عشاير وحمايل ولا نرضى بمثل هذا.
فنقول وبالله التوفيق:
إعلم يا من خذلت دين الله وشريعته المطهرة، و نصرت دين الطاغوت وقوانينه الساقطة أولاً - وقبل كل شيء - إن الحكم عندنا نحن المسلمين للشرع المطهّر، وليس للقانون الوضعي كما هو الحال عندكم أيّها المشركون:
قال تعالى عن الموحدين: (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم). وقال أيضاً: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
وقال سبحانه عن أمثالكم من المشركين: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، وقال: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...الأية)، وقال أيضاً: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً).
وقد جمع الله الفريقين وميّز بينهما في قوله: (وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريقٌ منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنّما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخشَ الله ويتّقه فأولئك هم الفائزون) [النور].
فالحكم الفصل الذي يحدّد تعريف التجسس والجاسوس وحكمه عند الله، ليس هو قانونكم الكفري الذي وضعه الرجال من نخالات ونحاتات أفكارهم... بل هو شرع الله الواحد القهّار.
ثانياً:
لم يُنزل الله تعالى فيما أنزله من موانع التكفير وعواصم الدم التي عددها العلماء، كون الرجل (من أولاد العشاير أو أبناء الحمايل)!! فليس في دين الله شيء من هذا، نعم قد يوجد مثله في سواليف البادية البالية، وسلوم العشائر الطاغوتية.. التي تخالف وتضاد حكم الله الواحد القهّار.. أما في دين الله، فلا فرق في هذا بين عبد حبشي رأسه مجدّع كأنه زبيبة، و بين أشرف الناس نسباً وأرفعهم قبيلة وعشيرة ولاتفاضل بينهم إلا بالتقوى، قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
فهذا أبو جهل وأبو لهب لا يماري عاقل بأنهم أشرف وأرفع منكم نسباً إذْ هم من صميم قريش، فهل نفعتهم أنسابهم وأرحامهم في دين الله شيئاً؟ وهل عصمت دماءهم وأموالهم؟ أو أنجتهم من النار؟ قال تعالى: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل الله بينكم والله بما تعملون بصير) [الممتحنة].
وهذا عبدالله بن مسعود وهو مولى من الموالي - لكن أعزه الله ورفعه لتوحيده - يطأ بقدميه الدقيقتين وقدميه الصغيرتين صدر أبي جهل ويعلوه؛ (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
ثالثا:
ليس المعيار أن التجسس على الموحدين وقع منكم لصالح دولة أجنبية أم محلية عربية، ولكن المعيار حقيقة هذه الدولة وحكمها في دين الله لتعرفوا بعد ذلك لمن تتجسسون؟ ومن تنصرون وتظاهرون؟ فهذه الدولة وأمثالها من الدول المحاربة لدين الله تعالى قد خرجت من دين الله من أبوابٍ كثيرة قد بينّا لكم بعضها في رسائل سابقه:
1) من ذلك أنهم قد شاركوا الله تعالى في صفة هي من أخص خصائصه سبحانه وتعالى عمّا يشركون، ألا وهي التشريع؛ فنصّت دساتيرهم كما في المادة (25)من دستوركم الأردني الكفري على أن (السلطة التشريعية - هكذا مطلقا - تناط بالملك ومجلس الأمة).
والله جلّ ذكره يقول: (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟)، ويقول: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله؟)، ويقول: (وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلونكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).
وقد فصّلنا لك في غير هذا الموضع أن طاعتهم المذكورة هنا هي في مسألة تشريعية واحدة ألا وهي الذبح، فكيف بمن أناط السلطة التشريعية جميعها - مطلقاً - بغير الله تعالى؟
2) ومن ذلك أنّهم تولّوا الكفار و الطواغيت الغربيين والشرقيين وظاهروهم على الموحدّين؛ الذين سموهم بالإرهابيين والأصوليين لبراءتهم من شركهم واجتنابهم لطواغيتهم وقوانينهم، في الوقت الذي سموا فيه أولئك الكفار يهوداً كانوا أو نصارى أو غيرهم، سموهم بالمؤمنين أو أبناء العمومة أو أبناء إبراهيم [1]، وقد كذّبهم الله تعالى فقال: (ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)، وقد عقدوا مع أوليائهم وإخوانهم من هؤلاء الكفار الشرقيين والغربيين اتفاقيات أمنيّة وعسكرية وتبادل معلومات وتسليم المجرمين - ويقصدون بذلك جنود التوحيد الذين أفنوا أعمارهم في نصرة دين الله والسعي لتحكيم شرعه - وقد قال الله تعالى: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)، وقال: (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبداً وإن قوتلتم لننصرنّكم والله يشهد إنّهم لكاذبون) فتأمل كيف كفرهم الله بأن عقَد عقْد الأخوّة بين هؤلاء الذين كانوا يظهرون الإسلام وبين اليهود بمجرد أن عقدوا معهم إتّفاقية دفاع مشترك (نصرة) مع أنّهم لم يكونوا صادقين بهذه الاتفاقية كما شهد الله تعالى.
3) وهم كفار أيضاً من باب الاستهزاء بشرع الله الواحد القهار؛ حيث فتحوا ورخصوا وأباحوا لكل طاعنٍ في دين الله أو ملحد أن ينشر استهزاءه وإلحاده عبر وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة والمطبوعة، وحموا ذلك وحرسوه بقوانينهم وجيوشهم وعساكرهم، وعاقبوا من أنكره أو سعى إلى تغييره.
وقد قال الله تعالى فيمن تكلم بكلمات ظاهرها الاستهزاء بحفظة القرآن: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... الآية)، وقد كانوا يعتذرون في قصة سبب نزول الآيات بأنهم ما كانوا جادين في ذلك الاستهزاء ولا كانوا معتقدين أو مستحلين!! ولكنه حديث الركب يقطعون به الطريق؛ ومع هذا فقد كفّرهم الله تعالى، فكيف بمن ملأ البلاد والعباد بالاستهزاء بدين الله واتخاذ آياته لهواً ولعباً وهزوا؟.
4) ويكفرون من باب حكمهم بغير ما أنزل الله وتحاكمهم إلى الطواغيت المختلفة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي؛ حيث استبدلوا أحكام الله العادلة وحدوده المطهرة بقوانين من زبالات أفكار اليهود والنصارى حكّموها في دين العباد ودمائهم وفروجهم وأموالهم وأنفسهم، ونبذوا شرع الله الواحد القهار، فعلوا ذلك في محاكمهم المحلية وتحاكموا عند النزاع مع الدول الأخرى إلى محاكم الكفر الدولية التي يسمونها (محكمة العدل!! الدولية) وغيرها.
وقد قال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)، فتأمّل كيف سمّى الله إيمان هؤلاء بأنه زعم مع أنهم لم يتحاكموا وإنما أرادوا ذلك، فكيف بمن تحاكم فعلا في جميع شؤونه إلى الطاغوت؟
هذا؛ واعلم بأن أبواب كفرهم عديدة لا يستوعبها هذا المحل ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الهداية، أما من أراد الله فتنته فلو انتطحت الجبال بين يديه لما رفع بذلك رأساً.
إذا تبين لك هذا بقي أن تعرف أن كفر هذه الحكومات سواء كان كفراً أصلياً أم كفر ردة فهو شرٌ من كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى مع كفرهم أهل كتاب يجوز للدولة المسلمة المحكّمة لشرع الله عقد الذمّة لهم بشروطه المعروفة عند العلماء، أما المشركون والكفار من غير أهل الكتاب فلا ذمّة لهم أبداً، كما أن ذبيحة أهل الكتاب تُؤكل بالاتفاق عند المسلمين، بخلاف ذبيحة غيرهم، وكذلك الشأن في نكاح نسائهم المحصنات فإنه حلال بخلاف غيرهم من الكفار إن كانت نساؤهم على دينهم إلى غير ذلك من الفوارق التي تدل على أن كفر هذه الحكومات شرّ وأشدّ من كفر اليهود الذين تُزاود هذه الحكومات اليوم وتشنع على من تجسس لصالحهم، فيصفونهم بالخيانة ويجعلونهم - وحدهم الجواسيس يعتقلونهم فيسجّنون بعضهم ويعدمون البعض حسب الظروف والأحوال السياسية المختلفة ليظهروا بمظهر المخلصين الأطهار مع أنهم قد أعلنوا أخوّتهم لليهود على رؤوس الأشهاد، ويطنطنون دوماً حول مقولة (أبناء العمومة، وأبناء إبراهيم) ، ومحل الشاهد من هذا كله يا نصير الشرك أنك في تجسسك على الموحدين المسلمين؛ نصرةً لعبيد القانون من المشركين، تمارس عملاً هو في الحقيقة أخبث من التجسس الذي يمارسه البعض على دولتك الكافرة هذه لصالح دولة كافرة أخرى أجنبية يهودية كانت أم عربية.. أم غيرها.
فلا شك أن التجسس على المسلمين نصرة للكفار أخبث من التجسس على الكفار نصرة لكفار آخرين، أو بمعنى أصرح وأوضح؛ أن التجسس على القرآن وأنصاره الموحدين نصرة للدستور والقانون الكافر وأنصاره المشركين، أخبث دون شك وريب من التجسس على دستور وقانون ومشركين نصرةً لدستور وقانون ومشركين آخرين.
ولذلك نقول لك يا نصير القانون الوضعي ويا جاسوس المشركين:
إننا والله لك ناصحون مخلصون نتمنى أن ننقذك من الهاوية المهلكة التي يدفعك إليها أربابك الذين تتجسس لهم على الموحدين، تُب إلى الله رب العالمين وانخلع من الشرك وأهله قبل أن تأتيك المنية فلا ينفعك الندم ساعتها ولات حين مناص... (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً)..
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما أن حذيفة بن اليمان كان في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فجلس، فقيل لحذيفة إن هذا الرجل يتسمّع لينقل الكلام للسلطان، فقال حذيفة إرادة أن يسمعه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنّة قتّات).
قال الحافظ ابن حجر: (القتّات: هو الذي يتسمّع من حيث لا يُدرى به لينقل الأخبار إلى السلطان).
أي أنّه يفعل كما تفعلون، حين تتجسسون على الموحدين وتظنون أن عملكم هذا يخفى على العباد أو على رب العباد، ثم تنقلون الأخبار إلى أسيادكم وأربابكم، ولكن أحب أن أنبهكم وألفت انتباهكم إلى الفرق الكبير بين ما كان يفعله ذلك القتّات وبين ما تمارسونه أنتم، فذاك الرجل كان ينقل الكلام الذي يسمعه إلى عثمان بن عفان!! أوَ تدرون من عثمان؟ إنه ذو النورين، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنتيه وثالث الخلفاء الراشدين المهديين، من كان يسهر ليله بين يدي كتاب الله ويظمئ نهاره لله، فكان ذاك الرجل ينقل الأخبار له دون طلبٍ منه رضي الله عنه، ومع هذا أسمعه حذيفة هذا الحديث ورأى أنه يشمله وأنه قتّات، والقتّات لا يدخل الجنّة...
ولا شك أن هذا وعيد شديد لو عقلتموه ثم نظرتم إلى الأراذل من أسيادكم وأربابكم الذين تتجسسون على الموحدين نصرة لهم، وكيف عطلوا شرع الله تعالى وحكّموا قوانين الكفر والفجور التي أباحت وحمت وحرست الكفر والربا والخمر والخنا، فأنتم تحمون وتحرسون هذا كله وتتجسسون على الموحدين الذين يسعون إلى إنكاره وتغييره ويريدون تحكيم شرع الله الواحد القهار، فإذا كان من ينقل أخبار المسلمين للخليفة عثمان قتّاتاً!! فكيف بمن ينقلها لطواغيت الكفر؟ لا شكّ أنه أولى وأجدر بمثل هذا الوصف.
وإذا كان القتّات الأول قد اختلف السلف في خلوده في النار لأنه مسلم حكمه حكم النمّام، فلا أعرف خلافاً بين السلف في تكفير جواسيس المشركين ومخابراتهم الذين هم منهم والذين يتجسسون على الموحدين نصرةً للمشركين، وقد ذكرنا لك في (الشهاب الثاقب) شيئاً من الأدلة على هذا، منها قوله تعالى: (ومن يتولّهم منكم فإنه منهم).
ولذلك عدّد العلماء في نواقض الإسلام: (مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين).
والجدير بالذكر أن جُلّ تلك الأدلة تتناول من تولاهم أو ناصرهم أو أعانهم ممن كان مظهراً للإسلام منتسباً إليه.. فكيف بمن كان منهم أصلاً وفي عدوتهم وصفهم وعلى دينهم وشركهم وقانونهم؟
وقبل أن أختم هذه الأوراق، أقف هاهنا وقفة مع أولئك المجادلين عن جواسيس وعساكر الشرك والقوانين لألفت انتباههم وأذكرهم بالفرق الشاسع بين أن يفشي رجل من المسلمين سرّ المسلمين كما صدر من حاطب ويُروى عن أبي لبابة، وبين أن يكون الرجل جاسوساً وعيناً للمشركين على الموحدين...
فصورة النوع الأول؛ أنه رجل في صف المسلمين هو منهم ومن جندهم وأنصارهم يعرف بعض أسرارهم فيُفشيها لضعف أو لشهوة أو لدنيا، ثم يتوب من قريب ويندم على ذلك ندماً شديداً. فهذا رغم ما هو معلوم مما نزل بسببه من قرآن، وتعظيم الصحابة لمثله، وغضبهم له فهو دون شك يختلف، ولا تصح مقايسته بحال بمن كان أصلاً جاسوساً وعيناً للمشركين على الموحدين، يأتي فيندس في صفوفهم ويتصيد أخبارهم أويتسمّع لأحاديثهم من حيث لا يشعرون، لينقلها بعد ذلك إلى أوليائه وأربابه من أهل الشرك تثبيتاً لعروشهم وحفظاً لقوانينهم ونكاية بالموحدين وحرباً لهم..
فالأول يقال عنه أنه أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال فيه أنه جاسوس أو أنه والى الكفار وتجسس لهم على المسلمين ، ومع هذا فقد رأيت كيف عظّم الصحابة وشنّعوا على مثل هذا العمل، حتى استأذن عمر في قتله.. وأنّ ظاهره عندهم الكفر فيمن لم يستثنه الوحي المطلع على القلوب.
أما الثاني: فحقيقته أنه عَيْن للمشركين أو جاسوس لهم على الموحدين، يتجسس للقانون وأهله على أهل القرآن والشريعة، ومن كان كذلك فهو من أهل الشرك وأرباب القانون، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله وحكمه الشرعي فيما رواه البخاري وغيره عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عيْنٌ للمشركين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسلّ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، فسبقتهم إليه فقتلته، فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه.
فهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواسيس أهل الشرك ومخابراتهم وأمنهم الوقائي (عيونهم).. نعم إنه حكم رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى وليس حُكمنا.
فتفطّن لهذا ولا تخلط بين الصنفين إن كنت منصفاً، وتنبّه لهذا يا من جعلت من نفسك حارساً وحامياً للشرك والكفر والطغيان، فإنك إن كنت تظن أنك بتجسسك على أهل التوحيد وبتقاريرك التي تكتبها قادر على إطفاء نور الله العظيم ودينه المبين، فأنت والله الذي لا إله إلا هو واهمٌ وضائع ومسكين...
فالحق ركنٌ لا يقوم لهدّه أحدٌ ولو جُمعت له الثقلان
فاعلم يا نصير الشرك والقانون؛ إنّا والله عليك لمشفقون فجسدك هذا لايقوى على نارٍ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون...
إننا ندعوك اليوم إلى التوبة والبراءة من الشرك وأهله، والرجوع إلى دين الله الذي خذلته ونصرت أعداءه.. تُب إلى الله، ولا تغتر بترقيع مشايخ السوء وعلماء السلطان الذين باعوا دينهم لهذه الحكومات بثمن بخس دراهم معدودات.
ولا تلتفت إلى شبه المسوّغين لباطلك من مرجئة العصر وغيرهم من المبتدعة الذين استهتروا بسنن المصطفى وأعرضوا عن أحاديثه بحجة أنها آحاد وغير ذلك من أقاويلهم الفارغة، وأعملوا عقولهم في دين الله، وتجرّأوا على صحابة رسول الله، وتورّعوا فيك وفي أمثالك من أنصار الشرك وجند الطاغوت؛ فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً بتخليطاتهم وشبهاتهم التي تخلط عملك ووظيفتك الكفرية؛ بما تشبثوا به من زلاّت بعض الصحابة..
فقد وضح لك الفرق الكبير بين ذلك وبين ما أنت عليه من كفر بواح وشرك صراح.
واعلم علم اليقين؛ بأنهم إن جادلوا عنك وعن كفرك بشبهاتهم المتهافتة هذه في الحياة الدنيا فلن يقووا على ذلك بين يدي جبار السماوات والأرض، قال تعالى: (ولا تجادلوا عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لايحب من كان خوّاناً أثيماً)، وقال عز وجل: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً).
إننا - يا نصير الشرك لك - والله لناصحون، وإنّا عليك لمشفقون، لا نداهنك كغيرنا، بل نصرح لك بحكمك وبحقيقة مرضك المهلك الخطير، وندلك على العلاج، فكن جندياً من جنود التوحيد، والحق بعساكر الإيمان الآن.. الآن، قبل أن تلقى الله خاذلاً لدينه متجسساً على أوليائه، ناصراً للشرك والطغيان.
ولا تكن من جنود الشرك والطاغوت الذين قال الله تعالى فيهم: (جندٌ ما هنالك مهزوم من الأحزاب)، وقال: (فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون).
ولكن كن من جند التوحيد وعساكر الشريعة والقرآن الذين قال الله تعالى فيهم: (وإن جندنا لهم الغالبون).
وكتب أبو محمد المقدسي
سجن سواقة
12 محرم 1417 من الهجرة النبوية على صاحبها أطيب الصلاة وأتم التسليم
--------------------------------------------------------------------------------
1) وقد بينا لك أن ملة إبراهيم تقتضي البراءة من الشرك والمشركين وإظهار العداوة والبغضاء لهم وإن كانوا من أقرب الناس نسباً للإنسان في كتابنا (ملة إبراهيم) فالخليل تبرّأ من أبيه وأقرب الناس إليه لما تبين له أنهم أعداءٌ لله فالعجب ممن يروم إقامة الخلافة ثم هو لا يميز بين هذه الملة العظيمة وبين تلك المقولة التي يلبّس بها الطواغيت على العميان والعوران، فيصفنا بأننا (مشبوهون سياسياً لأننا ندعو إلى ملة إبراهيم وإن الذي يدعو إلى ملة إبراهيم يدعو إلى من يصالح اليهود!) فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى